موريتانيا الدولة الفتية بين الانقلابات العسكرية والاستقرار

TT

شهدت موريتانيا احداثا عديدة فى تاريخها السياسي الحديث، وتعرضت كغيرها من دول المنطقة لاطماع المستعمرين الاجانب لفترات عديدة تميزت بالمقاومة والسكون احيانا. ومنذ 1920 تمكن الاستعمار الفرنسي من فرض سيطرته على البلاد، وتركز وجوده على الساحل الاطلسي لاحتوائه على مناجم الذهب والحديد، ورغبة من الفرنسيين كذلك في السيطرة على المسالك والطرق التي تربط بين مستعمراتها في الشمال والجنوب. ولمجابهة ذلك تشكلت المقاومة الموريتانية من زعماء القبائل، اشهرهم سيدي ولد مولاي الزين وسيدي احمد ولد احمد العيدة وبكار ولد سيدي، الذين ابلوا البلاء الحسن واستطاعوا بمقاومتهم المتواصلة للاستعمار على مدى سنوات عديدة. ونظرا للظروف الدولية بعد استقلال اغلب المستعمرات، اعترفت فرنسا باستقلال موريتانيا في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 1960، والتي سميت فيما بعد بالجمهورية الاسلامية الموريتانية. وبعد سنة على الاستقلال، اصبحت موريتانيا عضوا في الامم المتحدة، كما اصبحت عام 1973 عضوا في الجامعة العربية.

ضمت موريتانيا الثلث الجنوبي للصحراء الاسبانية (الصحراء الغربية الآن) في عام 1976، ولكنها تخلت عنها بعد ثلاث سنوات من الغارات من جانب جبهة البوليساريو التي تسعى لإعلان استقلال الاقليم. وتبقي موريتانيا، في الواقع، دولة ذات حزب واحد. وتستمر البلاد في التعرض لاختلافات عرقية بين سكانها السود، والمور (العرب ـ البربر).

تولى رئاسة البلاد بعد الاستقلال المختار ولد داده وتميزت فترة حكمه بالاستقرار السياسي والنماء الاقتصادي. ووضع ولد داده اول دستور في 20 مايو (ايار) 1961 لتتوالى بعد فترة حكمه الانقلابات العسكرية. ففي 10 يوليو (تموز) 1978 قاد العقيد مصطفى ولد السالك انقلاباً عسكرياً تولى بموجبه الحكم لمدة لم تتجاوز السنة، ليستقيل بعدها ويخلفه العقيد محمد ولد لولي الذي اعتزل بدوره تاركاً منصب رئيس الدولة لوزيره الاول، محمد خونة ولد هيدالة الذي وضع دستوراً جديداً للبلاد في 17 ديسمبر (كانون الاول)1980، وعرفت فترة حكم ولد هيدالة الكثير من الازمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، كانت كافية ليقود الجيش انقلاباً تحت اسم حركة الخلاص الوطني بزعامة رئيس اركان الجيش معاوية ولد سيدي احمد الطايع في 12 ديسمبر (كانون الاول) 1984، كما عرفت البلاد عدة محاولات انقلابية في سنوات 1981 و1987، اكتشف عدد منها قبل حدوثها، اهمها كان عام 2001 .

وفي 1991 وضع ثالث دستور للبلاد، وهو الدستور الحالي الذي اقر التعددية الحزبية وتم بموجبه تنظيم اول انتخابات بلدية ورئاسية في نفس السنة. اسفرت تلك العملية عن انتخاب معاوية ولد سيد احمد الطايع رئيسا للبلاد. كما تمت اعادة انتخابه في الانتخابات الاخيرة في 15 ديسمبر (كانون الاول) 1997.

وفى موريتانيا تعددية سياسية تبرز فيها احزاب سياسية، منها حزب العمل من اجل التغيير برئاسة مسعود ولد بو الخير، التجمع من اجل العدالة والديمقراطية برئاسة كيبي عبد الله، الحزب الديمقراطي والاجتماعي الجمهوري الحاكم برئاسة معاوية ولد طايع، الحزب الموريتاني من اجل التجديد والوفاق برئاسة مولاي الحسن ولد جياد، الاتحاد الوطني للديمقراطية والتطوير برئاسة تيدجان كويتا، حزب الحرية والمساواة والعدالة برئاسة دود مباغنيغا والجبهة الشعبية برئاسة شبه ولد شيخ ملانيني والتحالف التقدمي الشعبي برئاسة مسعود ولد بول الخير، الاتحاد الديمقراطي الشعبي برئاسة محمد محمود ولد ماه، اتحاد القوى التقدمية محمد ولد مولود، تجمع القوى الديمقراطية برئاسة احمد ولد داده، تجمع الديمقراطية والتقدم برئاسة ناها بنت مكناس.

وفى احداثها المتتالية عرفت موريتانيا بعض الازمات والمشاكل السياسية، اذ بحكم موقعها وبعد انسحاب اسبانيا من الصحراء دخلت موريتانيا، كما اشرنا، في حرب مع جبهة «البوليساريو» من سنة 1975 الى 1978، كما وقعت الازمة الموريتانية ـ السنغالية عام 1989، التي اسفرت عن احداث دامية في صفوف مواطني البلدين، وتوترت بسببها علاقات موريتانيا بشريكيها الاستراتيجيين فرنسا والمغرب، بسبب دعمهما للموقف السنغالي.

وبعد اتهامات بعض المنظمات الدولية لممارسة الرق في موريتانيا وانتهاكات حقوق الانسان، تدهورت العلاقات الموريتانية ـ الفرنسية، ودفع هذا العامل مع عوامل اخرى بحكومة موريتانيا الى تطبيع علاقاتها مع اسرائيل سنة 1999.رغبة منها في استرضاء الجانب الاميركي على ما يبدو. هذا التطبيع تسبب ايضاً في قطع العلاقات الدبلوماسية بين موريتانيا مع ليبيا والعراق بعدما كانت موريتانيا المساند الاول للعراق في حرب الخليج عام 1991.

تقع موريتانيا في الشمال الغربي لأفريقيا، يحدها شمالاً المغرب والجزائر، وشرقاً مالي، وجنوباً السنغال، وغرباً المحيط الاطلسي. وتتكون موريتانيا بشريا من عنصرين: العربي والزنجي الافريقي. وتنتمي قبائلها العربية الى «عرب بني حسان» الذين يشكلون النسبة الغالبة من السكان، وهم من قبائل معقل التي زحفت مع الهلاليين وبني سليم بأمر من الخليفة الفاطمي في مصر، في حين توجد هناك فروع اخرى ذات اصول امازيغية. لعبت موريتانيا دورا بارزا في اثراء الحضارة الاسلامية بعد ان دخلها الاسلام مع موسى بن نصير عام 708 بعد الميلاد، وأصبحت مركز اشعاع علمي وثقافي في تلك الفترة، كما كان لها دور كبير في توطيد اركان الدولة وخاصة في العهد الفاطمي.