السلطات الأمنية تخلي وسط الخرطوم من المواطنين في أعقاب سريان إشاعات عن مقتل قادة جنوبيين جدد

حرب الشائعات بالهاتف الجوال تنطلق في الخرطوم و 20 قتيلا في اشتباكات جديدة وارتفاع الحصيلة إلى 100 و انتشار كثيف للأمن ورفع حالة التأهب

TT

دخلت الخرطوم منذ منتصف نهار امس فى حالة هلع وذعر شديدة أربكت الحياة العامة ثم شلتها تماما، بسبب انتشار شائعات عن مقتل قادة جنوبيين، لكن الحكومة سارعت الى نفي الشائعات على اوسع نطاق في وسائل الاعلام الرسمية وبواسطة مكبرات الصوت في بعض الاحياء في محاولة لتهدئة مخاوف المواطنين الذين اندفعوا نحو منازلهم مشيا على الاقدام بعد الشلل التام الذي أصاب حركة المواصلات في العاصمة.

وسرت شائعة أولى بأن قائد الفصائل الجنوبية (الموالية للحكومة) باولينو ماتيب قد اصيب، ثم سرت شائعة اخرى بأن زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان الجديد سلفا كير قد قتل، لكنها انطفأت فى مهدها لأن سلفا كير لم يكن اصلا في الخرطوم. وقالت السلطات «ان جهات معادية تريد للعنف ان يستمر وطالبت المواطنين بتفويت الفرصة».

ورجحت مصادر امنية تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، ان الشائعات التي سرت عبر الرسائل النصية من اجهزة الهاتف الجوال مصدرها «الذين قاموا بأعمال الشغب والنهب والسلب في الاسواق»، واضافت ان هدفها هو تفجير الاوضاع من جديد وتهئية العاصمة لأعمال تخريب جديدة على شاكلة أحداث الاثنين الدامية.

وأعلنت سلطات ولاية الخرطوم أن حظر التجوال امس سيبدأ في التاسعة مساء وحتى السادسة من صباح اليوم التالي. وكانت السلطات في ولاية الخرطوم فرضت حظر التجوال يوم تفجر الاحداث اعتبارا من السادسة مساء ورفعته الى السابعة مساء اول من امس.

ودخل الرئيس عمر البشير بنفسه على خط التهدئة للاوضاع الدامية التى انفجرت في الخرطوم وعدد من مدن السودان في اعقاب اعلان وفاة الدكتور جون قرنق النائب الاول للرئيس السوداني صباح السبت الماضي في حادث تحطم طائرة.

وتأتي خطوة البشير في سياق حملة بدأت منذ اول من امس نهضت بها قيادات في الحكومة والحركة الشعبية وقادة الفصائل الجنوبية الغرض منها «منع تطور الاشتباكات التي تدور في الخرطوم الى مواجهة شعبية شاملة بين الجنوبيين والشماليين وتفويت الفرضة لمن اطلقوا عليهم أعداء السلام والتعايش السلمي». وعلى خلفية «شائعة النهار» أخلت الشرطة قلب المدن واسواقها الرئيسية من الناس ورفعت من درجة الاجراءات الامنية، حتى بدا قلب الخرطوم منذ الثانية بعد الظهر خاليا من الحركة، بعد ان اغلقت كل المحال التجارية ابوابها والمرافق العامة من بينها الوزارات التى شددت امامها الحراسة، فضلا عن الحراسة الكثيفة امام البنوك.

واستمرت الدبابات وناقلات الجنود تجوب وسط الخرطوم ومناطق الصدامات الطرفية طوال يوم امس، فيما توقفت اعمال الحرق والسلب بصورة واضحة.

وتابعت «الشرق الأوسط» وقوع مناوشات طفيفة بين الجنوبيين والشماليين الاحياء الطرفية امس، وسجلت الشرطة «8» وفيات بسبب اعمال عنف وقعت فى احياء طرفية ليل اول من امس، لكن احصائية اخرى اشارت الى 20 قتلوا مساء اول من امس «ليرتفع عدد القتلى الى 88 حسب الشرطة، ومائة حسب جهات اخرى منذ ان اندلعت الاحداث».

وذكرت مصادر طبية ان 43 جثة قد سلمت امس الى ذويها وان هناك جثثا حتى الان مجهولة الهوية. وتجددت الاحداث ليل اول من امس بعد أن قامت بعض المساجد بتنبيه المصلين وسكان الاحياء بـ«ضرورة الجهاد لحماية ممتلكاتهم واعراضهم»، الشيء الذي أثار هيجان السكان في بعض الاحياء ضد المنفلتين، وظل الشباب في معظم احياء العاصمة السودانية في حالة استنفار منذ اول الليل وحتى صباح امس وهم يحملون العصي والسيوف والحدائد يترقبون اي هجوم.

وفي بيان امس عاجل صدر نهار امس، نفى الجيش السوداني شائعة اصابة اللواء فاولينو ماتيب قائد قوات دفاع جنوب السودان، وقال مكتب الناطق الرسمي باسم الجيش ان ما جاء في بعض وسائل الاعلام «وأجهزة موبايل» حول اصابة فاولينو ماتيب لا أساس له من الصحة.

وفى بيان بثته أجهزة الاعلام المحلية لمرات عديدة، وجه الرئيس عمر البشير ولاة الولايات لاتخاذ الترتيبات والاجراءات الأمنية والادارية التي تحفظ وتصون ارواح المواطنين وتؤمن معاشهم وممتلكاتهم، ودعا المواطنين الى ان البلاد تمر بظرف دقيق يقتضي من الجميع اليقظة التامة والحيطة والحذر. وقال البشير «إننا نقبل على مرحلة فاصلة حاسمة نبدأ فيها مسيرة الغد الظافرة التي تقتضي أن نقفل كل الثغرات التي ينفذ من خلالها دعاة التفرق والشر.. الساعون بالفتنة بين الناس، المتاجرون بتراب الوطن من أجل الذات، المتربصون بنا جميعا حتى لا نحقق سلاما ولا تنمية ولا خيراً لشعبنا.. الخاسرون قطعا إن اتحدنا وعزمنا وتوافقنا». وناشد «كل أهل الخير فيكم أن يحتشدوا من أجل وأد الفتنة التي يراد لها أن تطل.. تحلوا بالصبر واليقظة وضبط النفس أشيعوا بين الناس كلمات العفو والصفح والخير أطفئوا كل شرارة بماء الحكمة والعقل». كما ناشد «أهل القلم والكلمة من أهل الاعلام بكافة ضروبه وتخصصاته أن يتخيروا العبارات الحكيمة والأخبار الصحيحة والتثبت التام حتى لا تطلق عبارة تنقلب بذرة لفتنة ولا تشاع إشاعة تلهب ناراً ولا تكتب كلمة لا تحض على الخير كله للناس جميعاً».

وفي سياق حملة التهدئة، تبادلت الحكومة والحركة الشعبية الاتهامات حول الاحداث، فيما اتهمت الحركة الشعبية بعض أئمة المساجد بالتحريض، فيما اتفق الطرفان في مؤتمر صحافي مشترك عصر امس على ضرورة التهدئة وخفض درجة التوتر وسط الاحياء في الخرطوم وعواصم الولايات. ونفى الدكتور نافع علي نافع، نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني الحاكم في المؤتمر الصحافي ان يكون أئمة المساجد وراء التعبئة للجهاد، وحذر نافع من مغبة الاستمرار في تلك الاعمال، وقال: «سنتعامل بحزم مع أي فعل ورد فعل». واتهم جهات بتفجير الاحداث فى يومها الاول، لم يسمها. وذكر ان «هناك من يوجه الاحداث وينقل الناس من موقع الى آخر»، وأكد ان الدولة قادرة على حماية المواطنين «ولا داعى لحماية انفسهم من بعد». من جانبها، نفت الحركة الشعبية على لسان نيال دينق، ممثل الحركة في الخرطوم في المؤتمر، ان تكون عناصرها في الخرطوم وراء تفجر الاحداث، واعتبر دينق أن «الاعتداء على أرواح وممتلكات المواطنين أمر مرفوض وغير مقبول ويمثل خروجا على القيم والمبادئ التي ظل قرنق يدعو لها ويعمل من أجل ترسيخها».

وشجبت الحركة الشعبية في بيان وزعته في المؤتمر الصحافي أعمال العنف والنهب والاعتداء على أرواح وممتلكات المواطنين، كما عبرت عن رفضها لما حدث عبر تصريحات صحافية ولقاءات اذاعية وتلفزيونية مسهبة طوال نهار امس.

وأدان سلفا كير في تصريح له امس اعمال الشغب وإزهاق الارواح والاعتداء على ممتلكات المواطنين والتي وقعت بصفة خاصة بالخرطوم وقال انها تمثل تبديدا للموارد وهي مرفوضة مهما كانت المبررات والانفعالات، حسب قوله ودعا الى الهدوء. من جانبه، قال وزير الدولة بالداخلية، احمد محمد هارون، ان الاحوال الامنية بولاية الخرطوم شهدت تحسنا مطردا، فيما عدا بعض الاحتكاكات الطفيفة في اطراف الولاية، مشيرا الى ان قوات الشرطة تعمل بكل كفاءة واقتدار لاحتوائها.

ودعا الوزير في تصريح صحافي الي تفويت الفرصة على كل من يسعى لضرب التعايش السلمي بين المواطنين، وقال: «انه على ثقة من تجاوب المواطنين مع الجهات الامنية في حفظ السلام الاقليمي وتماسك المجتمع وتناغمه».

وكشف ان بعض ولايات السودان شهدت احداثا محدودة ومتفرقة، واضاف: «نحن قادرون باستجابة المواطن على بسط الامن والحفاظ على اعلى درجات الطمأنينة».