من داخل الصحراء نبعت ملامح الملك عبد الله بن عبد العزيز

أحب رحلات القنص وسباق الهجن والخيل

TT

«رغم توقفه عن ركوب الخيل إلا أن قلبه ظل معها»، هذا ما قاله سعود رزيق الشيباني، مدرب ومشرف عام عن خيول خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز. وقد جمع الملك عبد الله الحكمة والحلم والقيادة والهدوء والفطنة في الجانب السياسي والاجتماعي، لكنها لم تكن الصفات الوحيدة التي امتاز بها الملك السعودي والتي تبدو واضحة في شخصيته السياسية حيث هناك جانب آخر من حياته يشكل جزءا مهما منه ومن سلوكياته وصفاته يتمثل في حبه الكبير وتعلقه بحياة الصحراء والبادية التي مارس عاداتها وتقاليدها العربية الأصيلة. وكما قال الكاتب ورئيس تحرير مجلة «الفروسية» سابقا، صالح الحمادي، فان «الملك عبد الله فارس ابن فارس عرف بأنه أشجع فرسان العرب في التاريخ الحديث وهو الملك عبد العزيز وهذا ما ورثه عنه أبناؤه ومنهم الملك عبد الله». وقد توطدت علاقة الملك عبد الله بالخيل منذ كان صغيرا يشاهد فروسية والده وإخوته وأفراد العائلة المالكة فتعلم خلالها الفروسية وركوب الخيل والقنص، وكثيرا ما كان يخرج في رحلات القنص هو وإخوته وأبناؤه وبعض أصدقائه لممارسة هوايته في صيد طيور الحباري، حيث يخرج هو ومرافقوه في رحلات برية في شمال المملكة أو جنوبها في فترة الربيع ويمضي ما يقارب 30 إلى 40 يوما يستمتع فيها بالقنص ويعيش خلالها حياة الصحراء من خلال التخييم فيها، وكان خلال هذه الرحلات يحمل صقوره التي أحب أيضا اقتناءها. وكما يقول سعود الشيباني «خلال رحلات القنص يركب أحيانا الخيل، خاصة أن بعض القبائل والعشائر يقدمون خيولهم له ويتناقش معه حولها». ورغم حبه الشديد لهواية القنص إلا أن الملك عبد الله توقف عنها منذ ما يقارب 10 سنوات بسبب انشغالاته وضيق وقته، كما يشير سعود، ويقول «الملك عبد الله على علاقة وطيدة بكل ما يتعلق بالصحراء والبادية فهو متابع لسباق الهجن، كما أنه يحب الصقور الأصيلة المتنوعة، فلكل صيد أنواع معينة من الطيور لاصطيادها». ومع حب الملك عبد الله لاقتناء الصقور ومتابعة سباق الهجن والجمال وحبه للقنص، إلا أن الخيل تظل هي الأكثر قربا من نفس الملك السعودي. وكما يقول صالح الحمادي فان «علاقة الملك عبد الله بالخيل أكبر توثيق لها وأكثر دليل عليها أنه كان وما زال حتى 1 أغسطس (آب) هو الرئيس الأول والأخير لنادي الفروسية بالمملكة» الذي تم تأسيسه عام 1965 في عهد الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله، وحينها أصدر قرارا برئاسة الأمير عبد الله للنادي لشدة تعلقه وتشجيعه للخيل والفروسية. ويقول الحمادي «تم إنشاء ناد للفروسية ثقافي رياضي اجتماعي يعنى بسباقات الخيل وتدريب النشء والشباب السعودي على ركوب الخيل ورأسه الملك عبد الله منذ تأسيسه وحتى الآن، ومن خلال رئاسته استطاع أن يصل بالفروسية السعودية إلى العالمية». ويتابع الحمادي حديثه قائلا «لقد مارس الملك عبد الله الفروسية منذ أيام شبابه بصحبة والده المؤسس، وهو أكبر المهتمين بالخيل العربية الأصيلة، ليس في العالم العربي فحسب، بل في العالم أجمع، كما أنه حريص على متابعة سباقاتها وسباقات الإبل وكل ما هو رياضي تراثي أصيل له علاقة بالصحراء والبداوة العربية الأصيلة». والملك عبد الله ركب الخيل ومارس الفروسية منذ شبابه وخاض بنفسه سباقات أحرز خلالها جوائز في عهد والده، كما أوضح مدرب خيوله والمشرف العام على تدريبها الشيباني الذي قال «إن اهتمام الملك عبد الله بالخيل في المملكة أوصلها للعالمية فقد أصبحت المملكة تخوض سباقات عالمية بفضل تشجيعه وإسهاماته التي لا تتوقف أبدا في تشجيع وتطوير هذه الرياضة». وكما أشار الشيباني فان الملك السعودي الجديد ثري في ثقافته ومعلوماته بالخيول العربية لحبه الكبير لها ولجمعها واقتنائها بعد أن توقف عن ركوبها منذ قرابة 20 عاما حينما تولى ولاية العهد وكثرت مشاغله التي سلبت منه هوايته المحببة وهي ركوب الخيل ويقول «إنه يعرف أشكالها وتحديد أوصافها وعلى علم بأصولها العربية وقادر على التمييز في ما بينها». ويتابع حديثه «وهو على علم بمرابط الخيل العربية الأصيلة نحو الكحيلة والحمدانية والعبية والصقلانية وغيرها كونه على ثقافة واسعة بها». والملك عبد الله بعد توقفه عن ركوب الخيل لم يتوقف عن اقتنائها والبحث عنها وشرائها وجمعها في مزرعته الخاصة، حيث لديه في مرابط الخيل العربية الأصيلة ما يصل إلى 150 رأسا من الخيول الأصيلة، أما الخيول العربية المنقحة من أجل السباقات فعددها 400. والملك عبد الله الذي توطدت علاقته بالخيل منذ طفولته كان لديه حصانان هما الأقرب إلى نفسه وهما «بغداد» و«علم»، وقد كان حريصا على ركوبهما أكثر من غيرهما كونهما من الخيول العربية الأصيلة التي اهتم بها، فـ «بغداد» حصان طويل أبيض وهو من أفضل الخيول العربية الأصيلة كونه «صقلاني»، أما «علم» فهو حصان «حمداني» أحمر جميل كما وصفه سعود الشيباني. وتتضح محبة وقرب الحصان «بغداد» خاصة لنفس الملك عبد الله عندما اختار صورة له وهو في آخر عرضة شارك بها على حصانه الأبيض حينما كان في فترة شبابه وكلف بها الفنان التشكيلي السعودي المعروف ضياء عزيز ضياء حيث طلب منه رسمه على حصانه «بغداد» في لوحة تشكيلية فريدة يعتز بها ضياء كثيرا رغم أنها ثالث لوحة رسمها له. ويقول ضياء عنها «كانت هذه اللوحة الثالثة وهي أقرب إلى نفسي لأنها كانت بتكليف من الملك عبد الله نفسه حيث طلب مني أن أرسمه وهو راكب على حصانه «بغداد» من خلال صورة فوتوغرافية اختارها بنفسه كي أرسمها. وكم شرفني كثيرا طلبه هذا مني شخصيا». وقد رسم ضياء للملك عبد الله ثلاث لوحات تشكيلية، الأولى كما وصفها كانت رسمية واستغرق في رسمها شهرا ونصف الشهر، ورسمها من خلال صورة فوتوغرافية، أما الثانية فقد رسمها للملك عبد الله وهو راكب على حصان أيضا من خلال صورة فوتوغرافية نقلها عنها واستغرق في رسمها أكثر من ثلاثة أشهر، بينما الصورة الثالثة التي كانت بتكليف من الملك عبد الله والتي تتحدث عن الملك وحصانه الصقلاني الأبيض فقد استغرق بها ما يقارب خمسة أشهر، وكما يقول ضياء «فإنها تمثل فترة العشرينات من عمره ومرحلة الشباب، وقد نقلتها عن صورة فوتوغرافية قديمة له وهو راكب على حصان اسمه بغدادي وسط عرضة، وكانت آخر عرضة شارك فيها وهو راكب حصانه».

ويبدو أن العروبة والأصالة التي امتازت بها البادية في حياة الصحراء كانت واضحة في ملامح الملك عبد الله التي عرف بحبه الشديد وتعلقه الكبير بها فانطبعت على ملامح وجهه. ويقول ضياء «تقاطيع وجهه حفظه الله منسجمة مع حركته كفارس أحب ومارس الفروسية منذ كان صغيرا». ويتابع ضياء «عندما يكون راكبا على الحصان وأنا أرسمه كان يعطي انطباعا قويا بفروسيته بأسلوب يتناسب مع شخصية القائد الحكيم، وكلما مر الزمن أجد أن هذه الملامح ترسخت في تصرفاته». ومن خلال رؤيته كفنان تشكيلي لملامح الملك عبد الله يقول ضياء إن «تقاطيع وجهه وملامحه تجدها عربية أصيلة منبعثة من الصحراء وحياة البادية، فهي موحية بالصدق وتنم عن شخصية قوية وعن الهيبة وقوة الشخصية والحلم والحكمة والفراسة والكرم، فهذه الصفات هي ما توحي به ملامح وجهه الذي يعتبر من الوجوه الموحية والقادرة على التعبير عن الملامح الإنسانية التي يتحمس لها الفنان كي يرسمها».

ويضيف ضياء «بطبيعة الحال فإن الفنانين التشكيليين يتحمس بعضهم لرسم شخصية ما، وقد لا يتحمسون لرسم شخصية أخرى، والملك عبد الله من الشخصيات التي تحمست كثيرا لرسمها لما تحظى به ملامحه من حركة تنسجم مع ما توحي به الملامح الإنسانية المعبرة».

والملك عبد الله الذي ترأس نادي الفروسية بالمملكة منذ تأسيسه عام 1965 وحتى الآن، استطاع أن ينقل الفروسية السعودية إلى العالمية من خلال مشاركة المملكة في المسابقات العالمية، وقد أسس مجموعة من الجوائز للفروسية، منها جائزة كأس الملك عبد العزيز، وكأس الوفاء للأمير محمد بن سعود وغيرهما. وكما أوضح سعود الشيباني مدرب خيوله فإن الملك عبد الله رغم توقفه عن ركوب الخيل، إلا أن قلبه يظل معها ومتابعا لها بحماس شديد لأنها جزء من حياته التي لا ينساها.