قائد شرطة المواصلات البريطانية ينفي صحة التصريحات المنسوبة إليه عن استهداف المسلمين بالتفتيش ويؤكد أنهم كانوا على مستوى المسؤولية

إيان جونسون لـ«الشرق الأوسط»: أجرينا 4000 عملية تفتيش ولم نتلق سوى شكوى واحدة

TT

قال قائد شرطة المواصلات البريطانية إيان جونسون، إن التصريحات التي نقلت عنه اخيراً عن عزمه على استهداف المسلمين بإجراءات «الايقاف بقصد التفتيش»، عارية عن الصحة جملة وتفصيلا. وأكد في مقابلة مع «الشرق الأوسط» أنه اوضح للصحافي الذي تحدث اليه ضرورة عدم اقتصار هذه الاجراءات على مجموعة بعينها او استثناء احد منها، خصوصاً انها ترمي الى حماية من يعيشون في لندن بمختلف اصولهم ومعتقداتهم. ولفت الى ان عناصره نفذوا حتى الآن اكثر من 4000 عملية ايقاف بقصد التفتيش بيد ان لم يتلقف سوى شكوى واحدة. وشدد على ان درجة الخطر الارهابي «لا تزال عالية»، بيد انه اقر بعدم امكانية الاستمرار بنشر اعداد كبيرة من رجال الشرطة، في محطات القطارات اللندنية. ونفى وجود ادلة على ان تفجيرات 7/7 نفذت بواسطة هواتف جوالة.

* نسب اليك قبل ايام القول بأنكم ستستهدفون المسلمين تحديداً بإجراءات «الايقاف بقصد التفتيش». لكن الأرقام التي اصدرتموها الاسبوع الماضي تفيد بأن عدد «الغربيين من ذوي البشرة البيضاء» الذين خضعوا للتفتيش اكبر بكثير من عدد الآسيويين والعرب معاًُ. فلماذا لا تستهدف المسلمين فعلاً، إذا كنت قد قلت ما نسب اليك؟

ـ في الحقيقة ما قلته لم ينقل بدقة، بل تم تشويهه بقدر كبير. لقد قلت فعلاً انني لا أريد لرجال الشرطة أن يضيعوا وقتهم على تفتيش سيدات متقدمات بالسن من ذوي البشرة البيضاء. لكني ذكرت اموراً اخرى لم تحظ باهتمام بعض وسائل الاعلام، مثل ان من الضروري ان يتم التفتيش على اساس معلومات استخباراتية مسبقة. كما شرحت سياستنا العامة التي تؤكد ان من يخضعون للتفتيش يمكن ان يكونوا من أية مجموعة عرقية، وان من الاهمية بمكان تجنب الصور النمطية واجراء التفتيش بشكل بالغ الحساسية والا نستثني احداً او نستبعد أي احتمال. لكن للاسف هذا كله لم ينقل. وما يسرني في الحقيقة، هو انه على الرغم من ان الاعلام لم يستوعب الرسالة التي اردت ايصالها، فإن الناس الذين يعملون في شرطة المواصلات البريطانية قد فهموها حتماً، خصوصاً اننا قاموا حتى الآن بأكثر من 4000 عملية ايقاف بقصد التفتيش، ولم تُرفع سوى شكوى واحدة. وما كنت ارغب به ايضاً من تلك التصريحات، هو التأكيد على نيتنا بألا نترك «الاستقامة السياسية» تقف في طريق انجازنا للمهمة المطلوبة، التي يجب ان نؤديها لتوفير الحماية لجميع من يعيشون في لندن سواء كانوا مسلمين او مسيحين من ذوي البشرة البيضاء او السوداء، او من اصول افريقية او آسيوية. وهذا مهم لأن ضحايا الاعتداءات كانوا من مختلف المجموعات العرقية والدينية. ومنفذو هذه التفجيرات، كانوا في رأيي مجرمين مخبولين، ولم يكونوا ممثلين لأي دين او معتقد او مجموعة عرقية.

* انت لعبت دوراً اساسياً في التحقيق المتعلق بجريمة قتل الشاب الاسود ستيفن لورنس، على ايدي مجموعة من العنصريين، كما خدمت في مناطق يعيش فيها بريطانيون من اصل عربي. كيف كان تعليق اصدقائك من اصل عربي وافريقي على هذه التصريحات؟

ـ كانوا مؤيدين للغاية، فهم ادركوا ان الكلام المنسوب الي كان محرفاً. وكانت هناك رسائل ايضاً من زملاء في اجهزة الشرطة. وقد كتبت لمحطات التلفزيون الرئيسية ولوسائل الاعلام موضحاً الحقيقة. لكن اخشى ان يستغرق اصلاح الخطأ وقتاً طويلاً.

* افهم جيداً سبب حرصك على عدم تمييز أية مجموعة عرقية او دينية عن بقية المجتمع. لكني كبريطاني من اصل عربي مسلم اعتقد ان المسلمين يجب ألا يُستثنوا من اجراءات الايقاف بقصد التفتيش، خصوصاً ان المتهمين بتنفيذ اعتداءات 7/7 ومحاولات 21/7 كانوا جميعاً من المسلمين.

ـ بكل تأكيد ينبغي الا يستثنى احد. والنقطة التي كنت اود تسليط الضوء عليها في التصريحات التي تم تنقل بدقة، هي انه اذا كانت لدينا معلومات استخباراتية حول ضرورة التوجه في مكان وزمان معينيين باتجاه محدد، فإن واجبنا يقضي ان نمضي في ذلك الاتجاه. كيفية انجازنا لهذه المهمة واسلوب شرحنا لها للآخرين، امران مهمان حرصاً على ثقة المجموعات التي سيتعرض ابناؤها لهذه المعاملة. وفي الواقع إن احدى العبارات التي نقلت عني بشكل سليم في اطار تلك التصريحات، جاء فيها اني اعتقد ان الجاليات المسلمة ككل تصرفت في اعقاب الاعتداءات بشكل ناضج للغاية على رغم التحدي الواضح الذي مثلته هذه الاحداث بالنسبة لهم. واعتقد انهم كانوا يتعاملون مع الوضع بشكل جيد للغاية، مع انهم قد شعروا حتماً بضغوط كبيرة في هذا الوقت.

* اجريتم حتى الآن كما ذكرت 4000 عملية ايقاف بقصد التفتيش وتستعملون الكلاب الشمامة التي لا تميز بين شخص وآخر، فهل استطعتم ان تلقوا القبض على مشبوه قبيل تنفيذه عملاً ارهابياً؟ ـ لم نمسك بأحد ممن لهم علاقة بالتحقيقات الراهنة. لكن بالطبع شبكة اجهزة التصوير الداخلية كانت ذات اهمية بالغة في التعرف على المتهمين بالتورط في تفجيرات 21/7 . بيد أننا اكتشفنا بفضل اجراءات الايقاف بقصد التفتيش عدداً من الامور المهمة كما كانت هناك احداث مثيرة للكثير من الشبهات حققنا بها جميعاً. ونعلم ايضاً ان تدخل الشرطة بهذا الشكل يؤدي الى ثني الارهابيين الذين ربما كانوا يتحينون الفرص لتنفيذ ضربة جديدة عن القيام بذلك. لذا من الاهمية بمكان ان نواصل تطبيق هذه الاجراءات.

* اعرف انك لا تستطيع الحديث عن التحقيق وتفاصيله، لكن ماذا عما صرح به قائد شرطة نيويورك راي كيللي أخيراً مؤكداً ان اعتداءات 7/7 لم تكن انتحارية، وان هواتف جوالة قد استخدمت لتفجير العبوات الناسفة، وهل يتوفر الدليل القاطع على ان تلك الهجمات كانت انتحارية؟

ـ ما استطيع قوله هو ان لا دليل يتوفر على ان هواتف جوالة قد استخدمت لتفجير القنابل في 7/7. طريقة التفجير لا تزال قيد الدرس والتمحيص، لكن لا توجد ادلة على ان هواتف جوالة قد استعملت لتنفيذها.

أعلنت الاسبوع الماضي اعداد الاعتداءات العنصرية التي تعرض لها المسلمون في بريطانيا منذ تفجيرات 7/7 . بيد ان هذه المعلومات كانت مشوبة بالغموض او التناقض احياناً كما ان هيئات اسلامية نشرت ارقاماً اعلى بكثير، فهل لك ان توضح الصورة الراهنة ومدى خطورة هذه الجرائم التي تعود الى اسباب دينية؟

ـ حوالي خمس الجرائم التي ترتكب عموماً يتم الابلاغ عنه، ولذا فإن العديد من الجرائم لا يبلغ عنها. وبسبب المناخ الذي افرزته التفجيرات الأخيرة، فإنه سيكون من المدهش لو لم يرتفع عدد هذه الاعتداءات. لكن احصائياتنا نحن (شرطة المواصلات) تدل على ازدياد بنسبة 38% لشهر يوليو (تموز) الماضي. لكن هذه النسبة تترجم على المستوى الوطني الى قرابة 150 أي ان 50 جريمة شهرياً أو جريمة واحدة او واحدة ونصف تحصل في انجلترا واسكوتلندا يومياً. ونحن نراقب الوضع يوماً بيوم واجتمع شخصياً بمديري شركات القطارات لتطمينهم وتنبيههم الى ضرروة حماية عناصرهم من ابناء الاقليات. لم تكن هناك حملة هائلة، لكن كان هناك بعض الازدياد في الاعتداءات. ولذلك من الضروري ان نتصدى لهذه الحالات بغض النظر عما إذا كان عددها آخذاً بالارتفاع ام لا.

* هل تتمتعون بصلاحيات كافية للتصدي للارهاب ولخطر العنصرية، ام انكم تحتاجون الى المزيد؟

ـ سأبدا بالعام ثم انتقل الى الخاص. الذي سيضع حداً للاعتداءات الارهابية الشبيهة بما حصل في 7/7، هو توفر عدد من العوامل الجوهرية في مقدمتها استقرار العلاقات الدولية والعلاقات المستقرة بين المجموعات المختلفة في المجتمع التي تتعاطي مع بعضها البعض بصورة جيدة وتثق بالسلطات. لكن بالنسبة لنا، فإنه سيسهل علينا تأدية مهماتنا، إذا توفر لنا المزيد من الصلاحيات للتعامل مع اولئك الذين ينهمكون في اعمال اولية استعداداً لتنفيذ هجوم ارهابي كتدريب اشخاص مثلاً، وصلاحيات اضافية للتعامل مع الناس الذين يحرضون على الكراهية العنصرية او أي نوع من انواع الكراهية. لكن ينبغي الحرص على عدم اتخاذ اجراءات مفرطة في صرامتها حتى لا نستعدي المجموعات العرقية المختلفة، ذلك ان هذه القضاء على الارهاب لن يتم من دون التعاون مع هذه المجموعات. والحكومة تدرس ما يمكنها ان تقوم به لمساعدتنا ونحن بانتظار ما ستخرج به. ليس هناك خلل جوهري( في الصلاحيات الحالية)، لكن إذا كنت ستمسح للناس ان يروجوا علناً للعنف، فإن عليك ان تنظر في الامر مجدداً. وينبغي لك الانتباه الى عدم المبالغة لئلا تقلص الديموقراطية نفسها.

* أشعر انا ومئات الآلاف ممن يستعملون قطارات الانفاق يومياً بالامان حالياً لتواجد الكثيرين من رجال الشرطة في المحطات. لكن هل يمكنكم ان تواظبوا على نشر هذا العدد بصورة دائمة، لا سيما ان هذه الاجراءات مكلفة للغاية وعدد رجال شرطة المواصلات قليل، ولا يمكن رصد هذا القوة الكبيرة لحماية المحطات الى ما لا نهاية؟

ـ حتماً ليس من الممكن الاستمرار في هذه الاجراءات الى ما لا نهاية. وما نحاول ان نقوم به، هو التصرف بشكل يتناسب مع مستوى التهديد. ونحن حالياً في فترة لا تزال درجة الخطر فيها عالية. وعلينا ان نغير من سلوكنا التكتيكي، وسيكون هناك الكثير من الاجراءات والاشخاص الذين لا تستطيع ان تراهم (قوات استخباراتية) في المحطات، منتشرون الى جانب القليل ممن يمكنك رؤيتهم (شرطة عادية). ونحن نأمل ان تقوم الحكومة بتعزيز شبكة اجهزة التصوير الداخلية (CCTV)، وان نستفيد منها اكثر فأكثر، لأن لدينا أغنى شبكة من هذه الأجهزة على وسائل مواصلاتنا وفي محطات قطارات الانفاق من أي دولة اخرى في اوروبا. اما بالنسبة لنشر هذا العدد من رجال الشرطة، فأيضاً هذا غير ممكن لأننا قد أتينا بزملاء من مختلف اجهزة الشرطة في انحاء البلاد، كما ساعدتنا شرطة لندن في مهمات تأمين الحماية لشبكة النقل العام في لندن وضواحيها. لا نستطيع ان نفعل ذلك باستمرار، وسنعتمد اكثر من قبل على المعلومات الاستخباراتية كما نأمل ان بوسع اجهزة الشرطة ان تقوم بعملها بفعالية اكبر بعدما تم اعتقال المشبوهين. لا بد ان جهود الحماية المكثفة تؤثر هذه على جهودكم لمكافحة الجريمة؟

العلاقة مع مكافحة الجريمة امر مهم للغاية. والطريف ان احد انواع الجرائم التي نراقبها عادة هو سرقة اغراض وامتعة المسافرين على القطارات. وقد انخفض معدل هذه الجريمة بنسبة 20% بسبب الحضور الكثيف لرجال الشرطة. لكنك على حق بالطبع في الحديث عن تأثير الاجراءات الاخيرة على عمل الشرطة الطبيعي، لكن لم يكن هذا التأثير سلبياً دائماً في لندن تحديداً.

* وهل تستبعد نهائياً اللجوء الى اسلوب التفتيش في المطارات لحفظ الأمن على شبكة المواصلات وقطارات الانفاق؟

ـ لن يمكننا تطبيق هذا النظام ابداً. فلو فعلنا في محطة أكسفورد ستريت مثلاً (في قلب حي التسوق بالعاصمة) لوصل طول رتل الركاب المصطفين امام البوابة الى ثلاثة كيلومترات، وفي ذلك مجازفة بتوفير هدف اكثر سهولة للارهابيين المحتملين من ضرب القطارت او الشبكة نفسها. ثم ان المسافرين داخل المدينة ليسوا مستعدين حتماً الى قضاء ساعتين في اجراءات التفتيش قبل ركوب القطار، كما يفعل المسافرين جواً. نحاول تعزيز جملة من الاجراءات التي توفر مزيداً من الامن والحماية مثل استعمال الكلاب الشمامة وتعزيز شبكة اجهزة التصوير الداخلية.