الأمير سلطان بن عبد العزيز أول من رعى توطين البدو أهم مشاريع الدولة التأسيسية

TT

«ليس من السهل أن تنتقل من مجتمع القبيلة والريف والتجزئة إلى مجتمع سياسي وإداري موحد، تحت بناء الدولة، وهذا يتطلب وعيا بمفهوم الدولة وشروط بنائها، فكانت فكرة إنشاء الهجر، وهي الفكرة التي اتخذها الملك عبد العزيز في توطين البادية في مجمعات سكنية، بدلا من حياة الترحل والبداوة الخالصة».. هذا المقطع يعد جزءا مما كتبه المفكر السعودي الدكتور عبد الله الغذامي في كتابه الذي أقام الدنيا وأقعدها بين شرائح المجتمع السعودي (حكاية الحداثة)، صدر في عام 2004، حيث تحدث عن عملية التحديث الاجتماعي والحداثة الفكرية من خلال ذات الكاتب وتجربته مع الحداثة في المجتمع السعودي. ولم يغفل الكاتب دور المؤسس الملك عبد العزيز في فكرة سياسية حكيمة تنص على قيام دولة موحدة الأجزاء والدستور وتخضع لنظام واحد، واضعا أولى متطلبات التوحيد السياسي هو توطين البدو والقبائل التي كانت تسكن صحراء الجزيرة العربية، وتتنقل بين ربوعها بحثا عن الماء والكلأ لممارسة الرعي بإنشاء الهجر وحضهم وتشجيعهم على الزراعة. وكما يقول الغذامي تحت عنوان التجديد الواعي «في تاريخ تأسيس الدولة السعودية كان البدو إحدى أدوات التأسيس، ولكنهم لن يندمجوا في النظام الجديد إذا ما ظلوا كما كانوا قبل مشروع التأسيس، وسيكونون خطرا على المشروع الذي أسهموا في بنائه، ولقد تبينت معالم هذا الخطر في ثورات البدو ضد الدولة الجديدة، وكانوا يسمون أنفسهم بالإخوان، وكان شعارهم: (أنا أخو من طاع الله)، وكانوا غير منسجمين مع نظام الدولة والانضباط الإداري الجديد الذي لا يتآلف مع نمط وجودهم، وهذه مسألة أدركها المؤسس، وواجه مخاطرها، ولذا جاءت فكرة إنشاء الهجر لتوطين البدو وتحويلهم إلى مواطنين مدنيين كشرط أولي لضمان قيام دولة النظام، وكان هذا مع مطلع القرن العشرين، زمن تأسيس الدولة».

وأشار الغذامي إلى أن هذا المشروع حوّل البدو من مشاكسين وفوضويين للنظام الجديد إلى «مادة بشرية إيجابية فعلا، حيث عبر التوطين صار البدو مادة من تكوينات المشروع التأسيسي».

هذا المشروع الذي طرح فكرته الملك المؤسس للدولة السعودية الملك عبد العزيز آل سعود وعمل عليه كمشروع اجتماعي تنموي سياسي يسعى إلى تحديث الحياة داخل نظام الدولة وسياستها عهده الأب لابنه الأمير سلطان بن عبد العزيز في 24 ديسمبر (كانون الأول) 1953، حيث عين الأمير سلطان وزيرا للزراعة عند تشكيل أول مجلس للوزراء بالمملكة العربية السعودية بعد أن كان أميرا لمنطقة الرياض.

ومن خلال منصبه الوزاري أسهم الأمير سلطان بشكل فاعل في توطين البدو والقبائل وتحويلهم من بدو رحل يبحثون عن الكلأ والماء لرعي أغنامهم وإبلهم ويسكنون الخيام إلى مزارعين يسكنون الهجر التي أسستها الدولة وبنتها لهم حينها بتوجيهات من الملك عبد العزيز وابنه الأمير سلطان، الذي كان قد رعى هذه المشروعات، حيث بنيت الهجر التي أعدت لتكون مقر سكن ثابت لهؤلاء البدو وتم توفير مدرسة ومركز صحي ومسجد فيها ومن ثم مكاتب البريد والطرق المعبدة حتى تطورت لتصلها وسائل الاتصال الحديثة، إضافة إلى حفر الآبار التي ساعدت كثيرا في استقرار البدو الذين كان الماء سبب ترحالهم، كما عمل الأمير سلطان على مساعدتهم في اقتطاع الأراضي الزراعية لهم بالمجان وإقامة المزارع الحديثة وإعطائهم قروضا ميسرة الدفع وبلا فوائد إلى جانب مساعدتهم بتوجيههم للزراعة الصالحة التي تحتاجها الدولة وتستطيع أرضهم أن تزرعها بتوجيهات من وزارة الزراعة نفسها من خلال خبراء الزراعيين، الذين تم استقدامهم لأجل تعليم المزارعين البدو الجدد على هذه المهنة.

واستطاعت الدولة أن تنهض بأكثر مشاريعها أهمية تمثل في توطين البدو والقضاء على الفتن والتناحر القائم في ذلك الوقت بين القبائل، وتسيير أمور الدولة من خلال استقرار أبناء البادية واندماجهم في المجتمع المدني الذي تطور تباعا لتصبح هذه الهجر الصغيرة مدنا كبيرة بعد أن تم حصد نجاح هذه التجربة التحديثية في حياة المجتمع القبلي بالمملكة العربية السعودية بعد توحيدها. وهذا المشروع الذي رعاه الأمير سلطان بن عبد العزيز بتوجيهات والده كان أول مشروع من نوعه في العالم العربي، فقد كان بناء هذه الهجر ذات أبعاد اقتصادية تمت من خلالها تحويل وظيفة البدوي من رعي وتنقل مستمر إلى وظيفة اقتصادية ثابته تمثلت في الزراعة، مما أدى إلى وضع حد للفوضوية والبداوة التي كانت تتصف بها القبائل في تناحرها مع بعضها البعض من أجل الماء والكلأ، كما كان المشروع الكبير ذات أبعاد سياسية وعسكرية تمت من خلالها تعليم البدو عملية الاستقرار وتحويل الولاء من القبيلة إلى ولي الأمر إلى جانب أن بناء المدارس بهذه الهجر ساهمت بشكل كبير في إخراج فئة متعلمة من أبناء البدو استطاعوا إكمال مسيرة التحديث الاجتماعي والثقافي، أما الأبعاد العسكرية فقد كفلها هذا المشروع بتنظيم قوة عسكرية من القبائل المختلفة ذات تدريب عال وحماسة شديدة، من الممكن أن تحشد خلفه 76 ألف مقاتل في حالة النفير العام، لتصبح أكبر قوة عسكرية في الجزيرة العربية بذلك الوقت.