عائلة السميري لا تصدق أن الاحتلال سيزول قبل تدمير بيته

أخلت منزلها أكثر من خمسين مرة تحسباً لهدمه

TT

يقطع نهاره ملقياً السمع لكل صوت آت من خلف الاسلاك الشائكة التي تسد الأفق بجوار منزله، يتصبب عرقاً كلما مرت بالقرب من المكان آليات الاحتلال الثقيلة، أو علا صوت نباح الكلاب في ساعات الليل المتأخرة. لحظات الانس التي يقضيها في مداعبة احفاده، يقطعها هدير طائرات «الاباتشي» التي تحلق في الاجواء فجأة مؤذنة بالسوء.

ومحمد السميري، 60 عاماً، لا يكاد يصدق أن الجيش الإسرائيلي سيخلي قواته من المنطقة قبل أن يدمر منزله. ومبعث هذا الشعور لدى السميري هو حقيقة أن سلطات الاحتلال دمرت جميع منازل جيرانه التي تصطف على جانبي شارع «كيسوفيم»، الذي يشق قرية القرارة، شمال خان يونس، الى نصفين، ويستخدمه المستوطنون في التجمع الاستيطاني «غوش قطيف» في انتقالهم لاسرائيل من مستوطناتهم والعكس.

وكان هذا المزارع الفلسطيني قد اخلى منزله من الاثاث أكثر من خمسين مرة عندما كان بالنسبة له في حكم المؤكد أن عناصر الهندسة الميدانية التابعة لقيادة قوات الاحتلال في قطاع غزة سيفجرون منزله بالعبوات الناسفة.

ينظر السميري حوله في كل الاتجاهات، فلا يرى إلا ركام منازل جيرانه المدمرة، ودفيئاتهم المحطمة، وجذوع اشجارهم المقتلعة، فلا يكاد يصدق أن الاحتلال سيخلي قواته من المنطقة بدون أن يدمر المنزل الذي يأوي اسرته.

فالرعب الذي يتملك هذا الفلسطيني والهوس الذي يستبد به مرده الى ردة فعل جيش الاحتلال التقليدية التي باتت معهودة على كل عملية من عمليات المقاومة التي تستهدف جنود الاحتلال ومستوطنيه الذين يتحركون على شارع «كسوفيم». فبعد كل عملية تقوم جرافات الاحتلال بتجريف الاراضي الزراعية بما فيها من اشجار ومزروعات وحظائر للماشية، في حين يقوم عناصر وحدات الهندسة الميدانية بتفخيخ المنازل في المنطقة وتفجيرها.

وكان المواطنون الفلسطينيون في المنطقة وجميعهم من المزارعين يقومون بعد كل عملية فدائية باخلاء منزلهم بشكل تلقائي والانتقال للعيش لدى اقاربهم، أو الاقامة في أكواخ خاصة يقيمونها في اراضيهم الزراعية التي تبعد عن المكان، تحسبا لقدوم قوات الاحتلال وتدمير منازلهم.

قبل شهرين لم يكن قد تبقى أي منزل على طول شارع «كيسوفيم»، الا منزل السميري، فنصبت المقاومة كميناً مسلحاً على الشارع لقافلة عسكرية، اسفر عن مقتل ضابطين. وقعت العملية في الثانية من بعد الظهر، لم تغرب شمس ذلك النهار، حتى كان السميري قد اخلى منزله تماماً من الاثاث.

كان هذا الكهل متيقناً هذه المرة تماماً أنها لن تمضي ساعات حتى تزحف الجرافات على منزله وتسويه بالارض، اذ أنه لم يتبق منزل في المنطقة يمكن لجيش الاحتلال أن ينتقم للعملية بتدميره. صعق الرجل في الصباح عندما اخبرته ابنته أن المنزل على حاله. الأمر الذي لم يكن يعلمه السميري هو حقيقة اتخاذ قرار من قبل قيادة المنطقة الجنوبية في جيش الاحتلال بوقف تدمير المنازل في المنطقة، وحسب المنطق الاسرائيلي فلم يكن من المناسب ان يواصل جيش الاحتلال تدمير المنازل في الوقت الذي يستعد فيه لاخلاء القطاع.

رغم أن ساعة الحسم توشك، واخلاء مستوطنات قطاع غزة أصبح شبه حقيقة ناجزة، الا ان السميري القلق يعد الثواني منتظراً جلاء قوات الاحتلال حتى لا يكون وعائلته عرضة لطوارق الليلة المرعبة.