الملك عبد الله يستقبل الدميني والفالح في مكة المكرمة ويتلقى منهما الشكر والمبايعة

خطبتا الجمعة في الحرم المكي والمدني تتركزان حول المبايعة وأساليب نصح ولاة الأمر

TT

استقبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إثنين من السجناء الذين عفا عنهم وهما، علي الدميني ومتروك الفالح، في قصر الضيافة بمكة المكرمة مساء امس، واللذين صدر بحقهما أمر ملكي بالإفراج في 9 من أغسطس (آب) الجاري.

وكان الملك عبد الله قد استقبل ايضا الأمراء والعلماء والمشايخ وأهالي وأعيان مكة المكرمة الذين قدموا له التعازي في وفاة فقيد الأمة، ومبايعته وولي العهد على كتاب الله وسنة نبيه.

من جهته أوضح علي الدميني لـ«الشرق الأوسط» أن حضورهما جاء برغبة شخصية للسلام على الملك عبد الله بن عبد العزيز، وشكره عن مبادرته الكريمة بإطلاق سراحهما يوم الثلاثاء الماضي، وكذلك مبايعته والتمني له بالمضي قدماً في مسيرة الوطن نحو البناء والتطور.

وقال الدميني عن اللقاء الذي رافقه خلاله زميله متروك الفالح: «شكرنا الملك عبد الله بن عبد العزيز وبايعناه، بوجود ولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز، والأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية، والأمير متعب بن عبد العزيز وزير الشؤون البلدية والقروية، وكنا سعيدين بوجود أركان الحكم، لنثبت لهم ولاءنا وثقتنا على قدرته في استكمال مسيرة الوطن، مؤكدين له وقوفنا وعملنا للوطن».

وعن ردة فعل الملك عبد الله بن عبد العزيز عند لقائه بهم، قال الدميني «كان التجاوب جميلاً ومبهجاً، مؤكداً المضي قدماً بالوطن، وأننا أبناؤهم». ويضيف الدميني «ولا أنسى التجاوب والتعاطف الحميم الذي بدا من الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد تجاهنا، وحديثه الأبوي معنا».

وجاء لقاء خادم الحرمين الشريفين مع علي الدميني ومتروك الفالح خلال لقائه جمعاً من المواطنين يوم امس في مكة المكرمة، ولم يحضر اللقاء عبد الله الحامد الذي كان موجوداً في مدينة القصيم «شمال الرياض»، بجوار والده.

والجدير بالذكر، أن الحامد والفالح والدميني، أوقفوا منذ مارس (آذار) 2004، وبدأت محاكمتهم في أغسطس (آب) العام الماضي، حيث أدينوا بتهمة «إثارة الفتنة والخروج على طاعة ولي الأمر» في المملكة. وكان المتهمون الثلاثة بين مجموعة من 12 ناشطا أوقفوا في 16 مارس 2004، وقد أفرج لاحقا عن ستة منهم بعد أن تعهدوا بالامتناع عن العودة إلى مثل هذه البيانات. كما أفرج عن ثلاثة آخرين في نهاية مارس.

وصدرت في حق المتهمين الثلاثة أحكام بالسجن تتراوح بين ستة وتسعة أعوام، حيث حكم في 15 مايو (أيار) الماضي بالسجن 9 سنوات بحق علي الدميني، و7 سنوات على عبد الله الحامد، و6 سنوات على متروك الفالح.

من جانب آخر، تركزت محاور خطبتي صلاة الجمعة في الحرمين المكي والنبوي الشريفين على وجوب البيعة الشرعية للإمام من الرعية على كتاب الله وسنة رسوله، وما يتوجب على الإمام نحو رعيته، وكذلك الحديث عن أساليب الإصلاح والنصح بين المواطن وإمامه.

وأوضح الشيخ الدكتور سعود الشريم إمام الحرم المكي الشريف، أن المصلحة في تنصيب الامام ظاهرة لا تحتاج إلى تأمل وبحث، مرجعاً ذلك لعدم إمكانية استقامة أمر الناس وإصلاح حالهم وحفظ الخير لهم ودرء الشر عنهم، إلا بتنصيب الإمام لأنها مطلب شرعي ديني قبل أن تكون مطلبا سياسياً دنيويا.

وقال الشيخ الشريم «إن لم يكن مثل هذا الأمر لعباد الله فليس للناس إلا الفوضى وغلبة الاهواء وتقاذف الفتن من كل جانب والتعدي على الدين والانفس والعقول، والأعراض والاموال».

وأكد إمام الحرم المكي في خطبته أهمية السلطان للناس، ليسوسهم بشرع الله ومنجهه، ولحمايتهم من أن تحيط بهم الفتن والأهواء، مشيراً إلى أن الله قد أكرم أمة الاسلام من بين سائر الأمم بان جعلها وسطا بينهم عدلا.

وعن نظرة الأمة للإمامة، قال الشيخ الشريم «إن من وسطية هذه الأمة وعدلها نظرتها للإمامة والولاية حيث تراها عهداً واجباً بين السلطان وعموم المسلمين، وأن هذا العهد يقتضي السمع والطاعة في المنشط، والمكره، والعسر، واليسر، ما لم يكن في معصية أو منكر لتكون الأمة وسطاً بين بعض أهل الجاهلية الذين يظنون أن مخالفة السلطان وعدم الانقياد له فضيلة ورفعة، وأن السمع والطاعة والانقياد ذلة ومهانة ونقص في الرجولة والعلم والكرامة».

وأكد إمام الحرم المكي الشريف حرمة الخروج على السلطان أو ملاقاته بالسيف مثلما بين أهل العلم، وأنه يتوجب على الرعية محض النصح، موضحاً بأن نصح ولي الامر لا يكون إلا في السر دون العلانية، لتفادي وقوع الفتنة والخروج من صفة التشهير والتعييب للمناصح.

وشرح الدكتور سعود الشريم إمام الحرم المكي الشريف البيعة الشرعية إلى حق للإمام، وحق للرعية، وذلك بإقامة شرع الله فيهم ونشر الحق والعدل بينهم والسعي في مصالحهم العامة والخاصة وتدوين الدواوين، والنظر مع متابعة المصالح المرسلة التي تعتري الناس بين الحين والاخر، ومنع الظلم والبغي والفساد وما يسبب الفرقة بين المسلمين.

وأشار إلى ان استقامة الناس واستقرار المجتمع وحفظ الضرورات لا يكون إلا بطاعة الله وطاعة رسوله، كما طالب الرعية بمبايعة ولي الأمر والدعاء له بالتوفيق والسداد والصلاح للمسلمين، معتبراً تحقق الصلاح لولي الأمر هو صلاح للإسلام والمسلمين، وعدم الاعتقاد أن الدعاء للسلطان مجرد تزلف يشين بصاحبه بل هو ديانة واعتقاد بأهمية أثر ذلك الدعاء، مدللاً على ذلك بقوله «قد اشار جملة من ائمة الدين الى هذه المسألة من باب الديانة وتصحيح الفهم تجاه هذه المسألة». وبين إمام الحرم المكي الشريف موقف أئمة الدين من أهل السنة والجماعة تجاه هذه المسألة، وقال «لنصحح بعض المفاهيم المشوشة في هذا الجانب من باب الديانة والالتزام بالحق، في ظل غياب الوعي الديني في هذا الزمان، في ما يخص حقوق الراعي والرعية والذي قل فيه الإلفة والتناصر».

وعن وفاة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز عبر الشيخ الشريم عن الحزن الذي سكن بلاد الحرمين الشريفين بفقدان إمامها وولي أمرها الراحل، سائلاً من الله أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يحفظ للأمة ولي أمرها وولي عهده وأن يكونا ذخراً لما فيه خير البلاد والعباد.

وفي المسجد النبوي الشريف خطب الشيخ عبد المحسن القاسم خطبة الجمعة بعنوان «مناصحة الحاكم»، داعياً للاستفادة من القواعد التي استقرت عليها الملة وجاءت بها الفطرة بضرورة إقامة ولي للأمر على الرعية، يسوس الدنيا بالدين ليصدر التدبير عن دين مشروع وتجتمع الكلمة على رأي متبوع فلا دين ينتشر إلا بجماعة ولا جماعة إلا بإمامة.

وقال الشيخ القاسم «إن عبء أمانة الولاية ثقيل يعين على حمله النصيحة الصادقة المخلصة من الرعية للراعي، وأن تكون سرا بين الناصح الصادق وبين الوالي لتكون أخلص عند الله وعلى هذا سار السلف الصالح». وأكد إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف أن مخالفة ذلك والاعتقاد أنه من إنكار المنكر الواجب إنكاره على العباد، بإنه غلط فاحش وجهل ظاهر لا يعلم صاحبه ما يترتب عليه من المفاسد العظام في الدين والدنيا.

مستدلاً الشيخ القاسم بقول إبن القيم الجوزية تلميذ إبن تيمية شيخ الإسلام «مخاطبة الرؤساء بالقول اللين أمر مطلوب شرعا وعقلا وعرفا ولذلك تجد الناس كالمفطورين عليه وهكذا كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يخاطب رؤساء العشائر والقبائل».

وقال إمام المسجد النبوي الشريف «من تمام النصح دعوة صادقة خفية لولي الأمر ابتغاء ثواب الله، وقد كان الإمام أحمد والفضيل بن عياض يقولان: لو كانت لنا دعوة مستجابة لدعونا بها للسلطان وواجب على الرعية مع النصيحة السمع والطاعة له في غير معصية الله ، السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين فيها سعادة الدنيا وبها تنتظم مصالح العباد في معاشهم وبها يستعينون على إظهار دينهم وطاعة ربهم».

واختتم الشيخ عبد المحسن القاسم إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف خطبته، قائلا «الموفق من اغتنم عمره بالطاعة وعمر حياته بأعمال من البر متنوعة ممتثلا أمر الله ، فاستبقوا الخيرات، وقد كانت لخادم الحرمين «رحمه الله»، يد طولا في ذلك وتمتد الرفعة بعد العجز عن العمل بانقطاع الحياة بالدعاء والصدقة الجارية».