بغداد: استئناف المباحثات حول مسودة الدستور وأكبر أحزاب السنة يتحفظ

الحزب الإسلامي يقر بالفيدرالية لكردستان ويعارضها للجنوب ويناهض البنود «الطائفية»

TT

بغداد ـ وكالات الانباء: فيما استأنف قادة عدد من الكتل السياسية العراقية المعنية بقضية الدستور اجتماعاتهم امس في بغداد في آخر مسعى لحل الخلافات، التي مددت مهلة تقديم مسودة الدستور الى الجمعية الوطنية (البرلمان) اسبوعا، اعلن الحزب الاسلامي العراقي الذي يتزعمه محسن عبد الحميد ويعد اكبر الاحزاب السنية في العراق تحفظه على المسودة المقترحة.

وقال الحزب في بيان امس «نحن نتحفظ على العديد من بنود الدستور بالصورة التي وردت أو بأصل وجودها، وقد أعلنا عن هذا التحفظ لكافة الفرقاء». واضاف «سوف نستمر بنقد هذه البنود والمطالبة بتعديلها سواء من قبل الجمعية الوطنية الحالية أو من خلال الضغط الجماهيري أو حتى من خلال الجمعية الوطنية القادمة».

واعتبر الحزب ان الدستور سيكون قاصرا ولا يعبر عن إرادة وطموحات العراقيين، بل سيكون في كثير من جوانبه معبرا عن أجندات سياسية لبعض القوى المتمكنة في الجمعية الوطنية». وتابع الحزب في بيانه «لقد كنا ندرك مخاطر استئثار البعض بإعداد مسودة الدستور من دون الآخرين، إذ أن بعض القوى لا تنظر للعراق إلا من زاوية مصالحها الضيقة، وكنا ندرك أن دستورا هزيلا غير متوازن يمكن أن يؤدي بالبلد إلى كارثة، خصوصا عندما يتوجب على العراقيين إنجاز هذه الوثيقة المهمة في زمن قياسي قصير للغاية، التزاما بقانون (الحاكم المدني الاميركي السابق بول) بريمر، وكأنه قدر العراقيين». وكان الحزب الاسلامي، قد قاطع الانتخابات التشريعية الاخيرة الا انه تمثل في لجنة صياغة الدستور بثلاثة اعضاء، في اطار مشاركة كل اطياف المجتمع العراقي بالمحادثات حول الدستور الجديد.

وانتقد الحزب الاسلامي عمل لجنة كتابة الدستور، وقال ان «هناك إضاعة للوقت في حوارات لا طائل من ورائها (...) وسعي لإشغال الأعضاء الـ15(السنة) المضافين إلى لجنة الـ55 بقضية الفيدرالية وصرفهم عن بقية المواد التي لا تقل أهميتها عن الفيدرالية كالهوية العربية الإسلامية ودور المرجعية وقانون الأحوال الشخصية وحقوق المرأة وغيرها». وعرض الحزب الاسلامي العراقي موقفه حيال العديد من المسائل العالقة، التي يجري التشاور بشأنها بين قادة الكتل البرلمانية. وفيما يتعلق بالفيدرالية، اعتبر الحزب «أنها مناسبة لأقليم كردستان حصراً، حيث يتمتع الإقليم المؤلف من ثلاث محافظات بوضع خاص متفق عليه وطنيا، إلى جانب ذلك يتحفظ الحزب على تعميم هذه التجربة على مناطق العراق الأخرى ويفضل أن يترك ذلك للاستفتاء الوطني العام». ودعا الحزب الى وحدة وسلامة الكيان العراقي أرضاً وشعباً وعدم السماح بتجزئته أو التفريط بأراضيه تحت أي ظرف كان».

كما دعا الحزب الى الاعتراف بالقومية التركمانية كمكون رئيسي ثالث، جنبا إلى جنب مع القومية العربية والكردية، وضرورة إنصاف كافة القوميات والإقرار بحريتها في ممارسة ثقافاتها الخاصة بها».

ودعا الحزب الى عدم إقحام الدستور بقضايا ذات مسحة طائفية كقضية المرجعية الدينية والعتبات المقدسة والأكثرية الشيعية».

وفيما يتعلق بالثروات الطبيعية وتقسيمها، دعا الحزب الى «اعتبار الثروات الطبيعية ملكا لكل العراقيين، تتولى الحكومات المنتخبة وبإقرار الجمعية الوطنية كيفية توزيعها حسب الحاجة والخطط التنموية».

كما دعا الى «سن قانون واحد للأحوال الشخصية تراعى فيه التعددية المذهبية والدينية وتلتزم كافة المحاكم به». وطالب الحزب بـ«ضرورة تميز الشريعة الإسلامية بوضع أسمى عن مصادر التشريع الأخرى وتكون أساسا للتشريعات وان تبقى معيارا لإقرار مشروعية القوانين في ما بعد».

وشدد على ضرورة عدم «تمتع المتجنس المزدوج الجنسية بالحقوق نفسها التي يتمتع بها العراقي الأصيل، على الأقل على مستوى الوظائف الرئيسية والمهمة في الدولة ما دام العراق يتعرض لمحاولات اختراق وتفتيت من قوى متعددة». وطالب الحزب بـ«تحقيق التوازن في الصلاحيات الموزعة بين رئاسة الجمهورية، رئاسة الوزراء ورئاسة المجلس الوطني». وقبل استئناف المباحثات الرسمية امس قال متحدث من مكتب الرئيس جلال طالباني امس، ان المحادثات ستكون مكثفة بين الكتل السياسية الرئيسية. واوضح ان طالباني سيرأس اجتماعا للجماعات الكردية والشيعية الرئيسية. وقال السفير الأميركي في بغداد زلماي خليلزاد، ان المفاوضين العراقيين لا يحتاجون سوى لبضعة أيام أخرى لوضع اللمسات الاخيرة على صياغة مسودة الدستور. لكن وراء خط النهاية الحاسم للمحادثات التي تأمل الولايات المتحدة في أن تسفر عن اتفاق تكمن صعوبات كبيرة تواجه العراقيين والمشروع الأميركي في العراق.

وليس من السهل التنبؤ بما اذا كانت الخلافات التي استمرت رغم الضغوط الأميركية للوفاء بموعد نهائي انتهى يوم الاثنين الماضي يمكن ان تحل بحلول 22 الشهر الحالي، كما ليس من السهل التنبؤ بما قد يحدث اذا لم تحل. وقال غسان العطية، من مؤسسة التنمية والديمقراطية، وهي مركز دراسات في بغداد «هناك العديد من الجوانب. ولا أثق بما يقوله أي شخص علنا». وتابع أن الاحتمالات تتراوح بين ان يكون الاتفاق قد تم بالفعل، وان مد المحادثات لمدة اسبوع هو مجرد غطاء لاعطاء انطباع بأن العراقيين توصلوا للاتفاق بشكل مستقل عن الضغوط الأميركية وبين ان تكون العملية برمتها ستنهار ويجب ان تعود لنقطة البداية باجراء انتخابات جديدة. ورغم أن المحادثات تركزت على الخلافات بين المجموعات الثلاث الرئيسية، وهي الاغلبية الشيعية والاكراد والاقلية السنية العربية، التي هيمنت على العراق قبل الغزو الأميركي، فان هناك خلافات داخل هذه المجموعات قد يتحول بعضها للعنف، كما انه ليس من الواضح الى أي مدي يمثل المفاوضون الناخبين. وحتى لو كان دستور العراق على وشك الظهور ويمكن التصويت عليه في استفتاء في اكتوبر (تشرين الاول) المقبل، كما هو مقرر فان ضمان قبوله على المستوى الشعبي وتطبيقه ليست نتائج مضمونة في ظل مناخ مسمم بخلافات طائفية وعرقية أظهرتها محادثات الدستور. وقال توبي دودج، من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن، «الجدول الزمني وضع بشكل استعراضي للغاية في واشنطن ولا علاقة تذكر له ببغداد». ورغم أن جذور الخلافات تبدو محدودة من حيث الحيز الذي تحتله في مسودة الدستور، الا انها كبيرة وتتعلق بأمور لا تقل عن سيطرة الجماعات المختلفة على الثروات النفطية للعراق وبقاء الامة كدولة قابلة للاستمرار. ولا تواجه الحكومة الانتقالية التي يقودها الشيعة، والتي انتخبت في يناير (كانون الثاني) الماضي فقط تمردا مسلحا من جانب العرب السنة ومطالبة بأراض من جانب الاكراد، الذين يتمتعون فعليا بقدر كبير من الاستقلال، بل أيضا انتقادات متصاعدة من جانب جماعات متناحرة في معاقل الشيعة بعضها مسلح. ويتهم المعارضون الحكومة بالفساد والقمع الطائفي والفشل في حل مشكلة الفقر الذي يعاني منه أغلب العراقيين.