مهرب لـ : التهريب في العراق يبدأ من السلاح وينتهي بـ«اللحم الأبيض»

كشف عن مؤشرات على عودة تجارة الرقيق على الحدود العراقية

TT

انها مهنة ليست كباقي المهن وحرفة لا يجيدها إلا البعض ودرب لا يسلكه إلا «ميت القلب»، ودهاليز مظلمة لا ترى خلالها ألا الموت والدم والعذاب التي اختلطت بحلاوة الكسب السريع للمال والنفوذ.. إنها ظاهرة التهريب التي سماها البعض «مهنة»، لان العاملين فيها لا يعرفون غيرها، وهي مصدر رزقهم الوحيد. وسماها البعض الآخر «حرفة»، لا يجيدها إلا قليلون، وقد تكون للمغمور هواية وللمحتاج قارب نجاة. أما السلطات فليس لها أي من هذه الأسماء، بل انها تعتبرها جريمة، مصير من يرتكبها الإعدام أو السجن. طرق عديدة وخطرة امتازت بها عمليات التهريب، يصعب الخوض فيها ألا من خلال دليل سبق أن سلكها وذاق مرها وحلاوتها، حيث كان دليل «الشرق الأوسط» هذه المرة أحد المهربين السابقين من سكنة محافظة الديوانية سابقا، التي تركها ليقطن بعيدا عن عيون السلطات العراقية في زمن النظام السابق. كما ترك عمله أيضا في التهريب بعد تعرضه للاصابة من قبل شرطة الحدود السعودية، أدت إلى أعاقته وعدم تمكنه من مزاولة نشاطاته، وعن أسرار التهريب وفنونه تحدث إلينا (س، ن)، 48 عاما، الذي بدأ حديثه عن بداية هذه الظاهرة في العراق قائلا: «إن التهريب في العراق وجد منذ بدء التعامل بالجنسيات والحدود بين الدول والجوازات وغيرها، فقد كانت مثل هذه الأعمال في السابق لا تسمى تهريبا، بل هي تجارة يتعامل بها التجار والقبائل العربية فيما بينهم وتتم بأسلوب المقايضة، والسبب في رواجها في العراق موقعه الجغرافي، حيث كان وما زال حلقة الوصل بين الشرق والغرب، ولصعوبة دخول بعض المواد إلى الجزيرة العربية عن طريق البحر أوجد الطريق البري المار عبر العراق، وأضاف قائلا: إن المواد الداخلة في عمليات التهريب عديدة ومختلفة يصار إلى التعامل بها لأسباب عديدة، من أهمها أنها ممنوعة التداول في تلك الدولة، مثل الكحول والمخدرات والسلاح والآثار، وقد تهرب لان ثمنها سيكون أقل مما لو استوردت بالطرق الرسمية، مثل الذهب والمجوهرات والأجهزة وغيرها. ومؤخرا أوجدت الظروف بضائع أخرى أخطر بكثير من سابقتها، سيتم الحديث عنها لاحقا. أما عن أهم الطرق التي يسلكها المهربون لإخراج بضائعهم فهناك الطريق الرابط بين العراق والسعودية، الذي يعد الأهم من حيث حجم التبادل وكثرة عائداته المادية وأغلب المتعاملين به هم مهربو مدينة السماوة والنجف والديوانية. كما أن هناك طريق إيران ـ العراق ويمتد على طول الشريط الحدودي الفاصل بين الدولتين، غير أنها تتركز في مناطق الشهابي وكلار وميسان وبدرة، وهناك أيضا طريق الغربية الى سورية والأردن».

وبين المهرب أن العراق تعامل في بادي الأمر بتهريب الذهب من إيران، لان سعره أقل من المستورد بالطرق الرسمية، بعدها كانت هناك عمليات تهريب المواشي والجلود ومواد أخرى إلى كافة الدول المجاورة للعراق. وخلال عقود الستينات والسبعينات وجد المهربون بضاعة تدر عليهم أموالا طائلة، وبوقت سريع جدا، وهي الخمور التي تعد من المواد المحرمة في دول الخليج، وكان المصدر الوحيد لهذه المادة في تلك الدول هو العراق، وهنا نشطت عمليات التهريب وتوسعت لتكون أكثر تنظيما من السابق، واستمرت حتى يومنا هذا. وأكد المهرب أن هناك أمورا يجب أن تراعى في هذه العملية، ومنها أن يكون المهرب على دراية بكافة الطرق البرية، وحديثنا هنا عن الحدود العراقية السعودية، فهي صحراء قاحلة يصعب العيش فيها وكثير من الأشخاص ماتوا أثناء عبورهم، إما من العطش أو لهجوم من قبل حيوانات الصحراء أو على أيدي شرطة الحدود العراقية أو السعودية. كما أن منطقة حفر الباطن والنخيب وعرعر، فيها بعض التجمعات البدوية وهم البدو الرحل الذين يتنقلون باستمرار على طول الحدود، والذين يحملون في بعض الأحيان الجنسيتين أو جنسية واحدة أو من دون جنسية وهم (البدون )، وقد يمارس البعض منهم عمليات التهريب. كما يجب أن تكون هناك سابق معرفة بهم ليكونوا محطات ما قبل العبور، وقد مارس النظام السابق الضغط عليهم، لإجبارهم على تنفيذ بعض السياسات، فتحول البعض منهم إلى حراس مدنيين يحولون دون السماح لعبور البضائع، ولهذا كان يجب أولا التنسيق معهم، إما عن طريق المال أو الصداقة. أما الأمر الآخر فهو إعداد التجهيزات وكيفية نقلها، وتكون بطرق مختلفة، حيث يتم إيصال البضائع بالسيارة إلى مكان محدد، ومن ثم خزنها على مقربة من الحدود ليتم نقلها في ما بعد، إما بواسطة الجمال أو بسيارة من الطرف السعودي، وإذ كانت خفيفة ويمكن حملها وعلى شكل دفعات فذلك أهون، كما هو الحال في السلاح والحبوب المخدرة والكحول وغيرها. أما عن مخاطر الطريق فهي، كما يقول المهرب، «كثيرة ولكن أخطرها السلطات الأمنية المكلفة حماية الحدود، فكانت المعلومات تصل اليهم عن جميع الأمور، كأسماء المهربين والطرق التي يسلكونها والبضاعة، وكان يجب التعامل بحذر معهم، فكنا نقوم في زمن النظام السابق بالشيء نفسه، نحصل على أسماء الضباط والمسؤولين عن الدوريات لتتسنى لنا رشوتهم فيغضون النظر عن عملياتنا، أو نجعل الضابط يعطينا أوقات خروج الدوريات لنكون على استعداد، وهذا الأمر ينطبق على الجانب السعودي أيضا، فكنا نملك نفس المعلومات التي يزودنا بها المهربون السعوديون الذين كنا نتعامل معهم، لكن في الجانب الآخر كانت الأمور تختلف، فليس هناك تهاون في العقوبة وخاصة في تهريب الخمور، كما تصعب رشوة الشرطة السعودية ولاعتبارات عدة، منها الفارق في الدخل المادي وغير ذلك ولهذا كنا نتبادل البضائع قرب الحدود ونتفادى التوغل في الأراضي السعودية، المهم هنا الاتفاق على أوقات محددة ودقيقة يجري فيها التبادل».

ويقول المهرب انه خلال فترة الحصار الاقتصادي على العراق «نشطت العمليات بسبب الكساد الاقتصادي، الذي حدث في العراق وحاجة العراق إلى مواد كثيرة كنا نحصل عليها بالمقايضة، فكنا نعطيهم الخمور والسلاح والأغنام ويعطونا قطع الغيار والأجهزة، إضافة إلى النقود والذهب وغيرها من البضائع غير المتوفرة محليا، وخاصة المطلوبة في الأسواق. كما أن البعض من المهربين استغلوا حاجة الشباب إلى العمل أو الهروب إلى الخارج وبدأوا بإخراجهم مقابل مبالغ كبيرة، حتى وصل الأمر إلى أنهم يتعهدون بإخراجهم وإدخالهم الأراضي السعودية وضمان حصولهم على عمل، مقابل الحصول على نصيب من دخلهم، فاذا حصل الاتفاق، يتم إخراج الشباب على شكل دفعات، يتسلمهم أشخاص سعوديون يؤمنون لهم إعمالا مختلفة، مثل سائق صهريج للماء في إحدى المزارع أو في محطات لتربية المواشي وغيرها، لكن بعيدا عن أنظار السلطات ويعودون بهم بعد مضي مدة معينة وهكذا».

وعن كيفية معرفة ما يطلبه الطرف الآخر أوضح المهرب أن مثل هذه الأعمال لا تتم بشكل اعتباطي «فكانت هناك طلبات يتم إعلامنا بها، كما أن هناك طلبا على سلعة ينشط في موسم ومن ثم يتراجع، وهكذا كانت هذه الطلبات تتبادل بين الطرفين، ويجب الالتزام بتأمينها وإيصالها لضمان استمرار التعامل، فقد يرغب السعوديون بمادة معينة أو ماركة محددة فكنا نشتريها من الأسواق في حالة توفرها، أما إذا لم تكن متوفرة فيجب الاستعانة بمهربين آخرين يعملون مع دول أخرى بهدف تأمينها، ويتم تحميل التكاليف تبعا لذلك، وفي ختام حديثه بين أن عمليات التهريب بدت الان أكثر خطورة من السابق ويجب الانتباه لها، لان ضعاف النفوس بدأوا بالتعامل بأي شيء مهما كانت النتائج المترتبة عليه وقد تدخلت السياسات بهذه الأعمال بقصد تدمير الطرف الآخر، عن طريق المخدرات والأعضاء البشرية وحتى النساء، فالمخدرات هي أضمن للمهربين فكمية صغيرة يمكن بيعها مقابل مبالغ طائلة، كما أن نقلها أسهل ويمكن إخفاؤها، خاصة مع عدم وجود رقابة في الوقت الحاضر على الحدود فيحصل عليها المهربون من دولة أخرى، مثل الهند وأفغانستان وإيران ليتم نقلها إلى العراق ومن ثم تجد طريقها إلى دول الخليج».

ويكشف المهرب عن ان تهريب النساء والأعضاء البشرية يعد آخر ما توصلت إليه عمليات التهريب، وقد يستغرب البعض عند سماع معلومة عن عمليات تهريب للنساء أو ما يسمى باللحم الأبيض إلى بعض البلدان، لكن هذا الأمر يحصل حاليا على ارض الواقع ويدار من قبل شبكات غاية في التعقيد، ويصعب التقرب منها، لكن بعض الأشخاص لديهم بعض المعلومات حصلوا عليها لتماسهم المباشر مع الفرق الغجرية وبيوت الهوى وغيرها، وكان (ر.ع) من بينهم، الذي أوضح في حديثه لـ«لشرق الأوسط» أن فرق الغجر وبيوت الدعارة وصالات الرقص كانت في السابق كثيرة جدا، وكانت تمارس بشكل علني، وبعد سقوط نظام صدام تراجع نشاطها بشكل كبير لمحاربتها من قبل بعض الجهات وانعدام الأمن واضمحلال أعمالهم، مما دفعهم إلى ترك البلد للبحث عن فرص عمل بعيدا عن العراق، ووجدت هذه الفئة ضالتها في دول عديدة من بينها الأردن وسورية وتركيا ومصر وبعض دول الخليج. وبعد خروج هذه الشريحة من العراق لم يكف المروجون لها، بل طالبوا بالمزيد وهنا بدأت أعمال أخرى بترغيب البنات وإيهامهن بالعمل في دول الخليج والحصول لهن على تأشيرة وعقد عمل أو عن طريق الزواج والسفر بهن إلى هناك ليتم الضغط عليهن في ديار الغربة وأجبارهن على الانصياع لغاياتهم، وهذا ما حدث مع الكثير من الفتيات العراقيات. وقد اكد لنا احد افراد الشرطة العراقية، رفض ذكر اسمه، هذه الظاهرة ايضا وقال انها قد حصلت بشكل كبير في الفترة الاخيرة، نتيجة للظروف التي يعيشها العراقيون في بلدهم، وان هذه المسألة لا تقتصر على بنات الغجر او بنات الليل، بل انها قد تعدت ذلك الى خريجات الجامعات، اللواتي يبدأن بالبحث عن فرصة عمل، وينتهي الامر بتهريبهن الى احدى الصالات في احدى الدول.