الأردن يغلق منافذ حدودية وأنباء عن ملاحقة عراقيين ومصريين وسوري

مقتل جندي أردني وإصابة آخر * هجوم بصواريخ «كاتيوشا» من العقبة على سفينتين أميركيتين وميناء إيلات تتبناه جماعة تابعة لـ«القاعدة» وتعتبره باكورة أعمالها بالأردن * السفينتان تحملان إمدادات للقوات الأميركية في العراق

TT

قتل جندي اردني وجرح آخر صباح امس نتيجة هجوم ارهابي غير مسبوق منذ السبعينات بصواريخ كاتيوشا استهدفت بارجتين اميركيتين راسيتين في ميناء العقبة لم تصب أي منهما بضرر، وميناء ايلات الاسرائيلي القريب.

وباشرت السلطات الأمنية عمليات تمشيط واسعة بحثاً عن أربعة اشخاص قالت انهم يحملون جنسيات عراقية ومصرية يُرجح انهم نفذوا الهجوم. غير ان تقارير افادت ان سورياً كان بين المشاركين في تنفيذ العملية. وفي هذه الاثناء، اعلنت «كتائب الشهيد عبد الله عزام تنظيم القاعدة ـ بلاد الشام وارض الكنانة» مسؤوليتها عن الهجوم الذي وصفته بانه «باكورة اعمالها الجهادية في الاردن»». وقرر الاردن اغلاق اجواء البلاد ومياهها الاقليمية وذلك لمنع الارهابيين من الفرار، فيما عقد اجتماع طارئ لمجلس أمن الدولة برئاسة نائب الملك الأمير هاشم بن الحسين لتدارس الاوضاع واتخاذ الاجراءات اللازمة لتطويق ذيول الاعتداء. وقال شهود عيان لـ«الشرق الاوسط» ان انفجارا قويا هز المدينة الساعة الثامنة والنصف صباحا عندما اصاب أحد الصواريخ الذي أخطأ البارجتين الأميركيتين، مستودعا للقوات المسلحة الاردنية يُعتقد انه يحتوي على مواد سريعة الاشتعال لاسيما ان ألسنة اللهب تصاعدت في الرصيف السابع بالميناء حيث كانت البارجتان راسيتين. واضافوا ان صاروخا ثانيا ضل هدفه وسقط بالقرب من مستشفى الاميرة هيا العسكري، فيما انفجر ثالث قرب ميناء ايلات الاسرائيلي المواجه للعقبة. وقال وزير الداخلية الاردني عوني يرفاس ان أضرارا بسيطة لحقت بالمستودع المصاب في الميناء الذي يستخدم في عمليات نقل وإمداد للعراق.

وافادت مصادر عسكرية ان احدى البارجتين المستهدفتين كانت تحمل قطع غيار واسلحة ومعدات وتجهيزات مختلفة تستخدمها القوات الأميركية في العراق بما في ذلك الطائرات. واوضحت ان البارجة كانت ترسو على الرصيف رقم 7 المخصص للقطع الحربية. ونسب الى مصدر اردني قوله إن «كارثة كانت ستقع لو اصابت الصواريخ السفن الاميركية» التي تنقل حوالى 3500 عسكري، وفقا لمصادر ملاحية. وذكر ان البارجتين تحركتا باتجاه المياه الدولية للابتعاد عن موقع الحادث وربما لمغادرة المياه الإقليمية الاردنية باتجاه البحر الأحمر.

في غضون ذلك، نفت البحرية الاميركية تضرر اي من سفنها او اصابة اي من افراد طواقمها في ميناء العقبة. وافاد بيان للاسطول الخامس في البحرية الاميركية الراسي في المنامة (البحرين) ان «ايا من بحارة البارجتين العسكريتين ـ يو اس اس اشلاند ـ ويو اس اس كيرساج ـ الراسيتين في ميناء العقبة لم يصب بأذى. واضاف البيان «قرابة الساعة 8.44 بالتوقيت المحلي (5.44 ت غ) حلق ما يشتبه في انه صاروخ فوق مقدم السفينة «يو اس اس اشلاند» قبل ان يصيب مستودعا على الرصيف القريب من مكان رسو السفينتين». وتابع ان الصاروخ المفترض «أحدث في سقف المستودع فجوة قطرها حوالي مترين ونصف متر، ولم يصب اي بحار في الهجوم».

وكانت البارجتان قد بقيتا في العقبة لايام في اطار زيارة مجاملة للقوات البحرية الاردنية، ولم يعرف ما إذا تمت مناورات عسكرية بحرية مشتركة. الا ان مصادر موثوقة قالت ان القوات البحرية الاردنية قامت بعملية مسح لمنطقة الميناء ومنطقة البحر بواسطة كواسح الألغام وأقيمت حواجز منيعة للحيلولة دون وصول أية قوارب اليها، وذلك قبل وصول البارجتين الاميركيتين. وقد اطلقت الصواريخ من منطقة الحرفيين القريبة من مطار العقبة الدولي، وهي منطقة شبه مهجورة تكثر فيها مستودعات التخزين. وقد اغلقت منافذ العقبة وخاصة ميناء الركاب الى مدينة النويبع المصرية وحدود الدرة مع المملكة العربية السعودية خشية هروبهم اليها أو إلى مصر، فيما ضربت قوات الأمن حصارا على منافذ العقبة البرية باتجاه مدينة معان ومنطقة الأغوار ووادي عربة. وبدأت الاتصالات بين اجهزة الامن الاردنية والاسرائيلية فور وقوع الهجوم، وذلك بهدف فتح تحقيق مشترك في ملابسات العملية واتخاذ الخطوات الناجعة تحسباً لاعتداء جديد وتنسيق الجهود لسد منافذ الفرار على الارهابيين.

وكان مصدر رسمي أردني قد صرح ان «التحقيقات الاولية دلت على ان المستودع كان قد استؤجر قبل عدة ايام من قبل اربعة اشخاص يحملون الجنسيتين العراقية والمصرية». واكد المسؤول لوكالة الانباء الفرنسية العثور على «عوادم الكاتيوشا واثار بارود في المستودع»، موضحا ان قوات الأمن «لم تعتقل حتى الآن المصريين والعراقيين». غير ان وكالة رويترز نقلت عن مصدر أمني قوله ان السلطات الاردنية تطارد سورياً وعراقيين اثنين يشتبه في انهم وراء الهجمات بصواريخ كاتيوشا اطلقت من منطقة الحرفيين بالقرب من مدخل المدينة. وأضاف المصدر أن الرجال الثلاثة استخدموا سيارة تحمل لوحات معدنية كويتية.

وفي وقت سابق، افاد مصدر حكومي بان 3 صواريخ كاتيوشا اطلقت في الساعة 08:30 (05:30 تغ) من احدى مناطق العقبة (328 كلم جنوب) باتجاه مواقع في المدينة ومرفأ ايلات الاسرائيلي، مما ادى الى مقتل جندي واصابة آخر بجروح. واوضح «جرى اطلاق ثلاثة صواريخ كاتيوشا من احد المستودعات في احدى المناطق بالعقبة حيث اصاب احدها مستودعا للقوات المسلحة الاردنية يقع على رصيف الميناء تسبب في استشهاد الجندي احمد جمال صالح النجداوي واصابة آخر بجروح». وزاد ان «الصاروخ الثاني انفجر قرب المستشفى العسكري، في حين انفجر الثالث في منطقة ايلات الاسرائيلية». وتابع ان نائب الملك الأمير هاشم وصل برفقة عدد من المسؤولين الأمنيين الى مدينة العقبة للوقوف على الحادث بتوجيهات من الملك عبد الله الثاني «الذي يقوم بزيارة الى روسيا». واصيب سكان العقبة بالذهول من الهجوم الذي عكر هدوء مدينتهم فيما ذهب المواطنون الى المساجد لأداء صلاة الجمعة. وانقسم اهل المدينة بين مصدق ومكذب لأنباء الهجوم الارهابي، خصوصاً ان العقبة لم تعرف حدثاً كهذا ولم تسمع مثل دوي هذه الانفجارات منذ 37 عاما حين نفذت عملية تفجير البوارج الاسرائيلية في ايلات على يد الضفادع البشرية المصرية نتيجة جهود مشتركة مصرية وعراقية وفلسطينية. الى ذلك، عقد اجتماع طارئ لمجلس أمن الدولة برئاسة الأمير هاشم بن الحسين لتدارس الأوضاع الناجمة عن الهجمات الارهابية والإجراءات الأمنية لملاحقة منفذي هذه الهجمات. كما تقرر اغلاق المياه الاقليمية الاردنية أمام حركة الملاحة البحرية عدة ساعات لإغلاق كل المنافذ. ويضم مجلس أمن الدولة الذي يترأسه العاهل الاردني او من ينوب عنه رئيس هيئة الاركان العامة للجيش الاردني ومدير المخابرات ومدير الاستخبارات العسكرية ومدير الخدمات الطبية الملكية.

في غضون ذلك، افادت مصادر طبية اردنية ان الجندي المصاب يعالج تحت اشراف طبي مكثف في مستشفى الاميرة هيا العسكري، وهو المستشفى الذي سقط احد الصواريخ في ساحته الرئيسية. وافادت المصادر ذاتها بان المستشفى لا يعاني من أي اضرار مادية جراء الهجوم ويواصل عمله كالمعتاد.

من جانبها، بدأت الأجهزة الاسرائيلية ـ الاردنية تحقيقات مشتركة حول ملابسات عملية القصف الصاروخي. وعلى إثر العملية جرى اتصال فوري بين قوى الأمن الاردنية والاسرائيلية وبدأت عملية تنسيق شاملة في التحقيق، وأهمها تحديد الموقع الذي انطلقت منه الصواريخ والسبل لتطويق المنطقة.

وقال رئيس بلدية ايلات، مئير يتسحاق هليفي، انه سمع من قادة الأمن الاسرائيليين ان القصف لم يكن موجها الى اسرائيل بل الى الأميركيين. واشاد الاسرائيليون عموما بالتعاون الذي يبديه الاردنيون في مواجهة الارهاب الدولي. وقال وزير الدفاع، شاؤول موفاز، ان هناك مصلحة مشتركة للبلدين، اذ ان الأردن يفيد كثيرا من مجيء الاساطيل الأميركية والغربية عموما بزيارات متعاقبة الى العقبة والأمن في المنطقة، الامر الذي ينعش السياحة في كل من ايلات والعقبة ويعيل ألوف العائلات في الدولتين وفي مصر ايضاً. وراى ان المصلحة تقتضي التعاون المشترك لمكافحة الارهاب وانقاذ لقمة خبز العائلات التي تعتاش من خيرات هذه الخدمات.

يذكر ان السلطات الأردنية والاسرائيلية تتخذ عدة اجراءات احتياطية لمواجهة قصف إيلات منذ عدة سنوات. ففي سنة 2001، القى الاردنيون القبض على خلية مؤلفة من مسلحين أردنيين وفلسطينيين تابعين لـ«حزب الله» اللبناني، واعترفوا خلال التحقيق بأنهم خططوا لقصف المدينة الاسرائيلية. وفي السنة التالية، ظهر تنظيم سمى نفسه «الضباط الأردنيون الأحرار»، وقد اصدر بيانا من العاصمة اللبنانية بيروت هدد فيه بقصف عدة مدن اسرائيلية مثل ايلات وطبريا وبيسان وسمخ بواسطة صواريخ أردنية مداها 30 كيلومترا. وقد أخذ الإسرائيليون والأردنيون هذا التهديد على محمل الجد. واتفقوا على تعميق التنسيق الأمني القائم أصلا بينهما لمواجهة الخطر الجديد. وقد اصدرت مجموعة تطلق على نفسها «كتائب الشهيد عبد الله عزام، تنظيم القاعدة ـ بلاد الشام وأرض الكنانة» بيانا اعلنت فيه مسؤوليتها عن الهجوم الصاروخي الذي استهدف مرفأي العقبة الاردني وايلات الاسرائيلي. وجاء في البيان أن عدداً من اعضائها قاموا صباح امس «باستهداف تجمع للبوارج الحربية الأميركية الراسية في ميناء العقبة إضافة إلي ميناء ايلات بثلاث قذائف صاروخية من نوع كاتيوشا» وذلك في تمام الساعة الثامنة والنصف من صباح امس. واشار الى ان المنفذين عادوا «الى مقارهم سالمين». واضاف البيان «واذ تعلن كتائبكم المجاهدة عن باكورة أعمالها الجهادية في الاردن فانها تؤكد على ما يلي: ان الصهاينة هدف مشروع لنا ولعملياتنا وكما فجرناهم في طابا وقصفناهم اليوم في إيلات سنزلزلهم قريبا في تل الربيع باذن الله». وزاد «إن الأميركان قد عاثوا في الارض فسادا ودمروا الارض واستولوا على مقدرات الامة فليستعدوا لتلقي ضربات اشد وانكى من اسود التوحيد في بلاد الشام وارض الكنانة». واشتمل البيان على تهديدات لحكومتي الاردن ومصر.

يُذكر ان التنظيم نفسه كان قد اعلن في بيان بثه على شبكة الانترنت في 23 يوليو (تموز) الماضي عن مسؤوليته عن التفجيرات التي تعرض لها منتجع شرم الشيخ في مصر، والتي اوقعت حوالي 70 قتيلاً. كما تبنت المنظمة ذاتها الاعتداءات الدامية في طابا (سيناء) في اكتوبر (تشرين الاول) 2004 ، فضلاً عن اعتداء مزدوج وقع في القاهرة خلال ابريل (نيسان) الفائت.