الحياة طبيعية في غزة المدينة وشمالها والاحتفالات حتى الآن تقتصر على الفصائل

«حماس» تدعو الناس إلى الصلاة ركعتين شكرا لله على «النصر المؤزر»

TT

لم يغير قرب انتهاء خطة الفصل في قطاع غزة نمط الحياة في مدينة غزة وشمالها ووسطها. فالحياة في هذه المناطق تسير على نحو طبيعي، خلافا لما هو الوضع عليه في جنوب القطاع الذي يتوقع ان انتهت عملية اخلاء مستوطناته التي يطلق عليها اسم «تكتل غوش قطيف» وتضم 15 مستوطنة. وهذا ما شاهدته «الشرق الاوسط» خلال جولة بالسيارة من شمال القطاع وحتى دير البلح في وسطه.

والشيء الأول الملاحظ ان لا وجود لمظاهر الاحتفالات الشعبية في هذه المناطق حتى الآن. ويمكن التأكيد على أن الاحتفالات بالجلاء عن القطاع تقتصر حتى الآن على الاحتفالات النخبوية أو تحديدا الفصائلية والتنظيمية. فعلى سبيل المثال تدعو حماس عبر مأذن المساجد التابعة لها في مدينة غزة الى الصلاة ركعتين شكرا لله «على النصر المؤزر» في ما تعد فتح العدة لاحتفالات جماهيرية كبيرة بعد الانسحاب، تلبية لدعوة ابو مازن تأجيل كل شيء الى ما بعد الانسحاب، وان كان الامر لا يخلو من احتفال هنا اوهناك. لكن معبر ايرز يشهد تغييرات كبيرة، اذ بالكاد يكون مغلقا بالكتل الاسمنتية لمواجهة تدفق المتطرفين اليهود المعارضين للانسحاب. وحتى على صعيد التعامل مع المسافرين هناك تغيير كبير اذ لا تزيد فترة الانتظار عن 10 دقائق. وهناك توجه لدى الجيش الإسرائيلي هو التعامل بأسلوب حضاري واكثر احتراما مع الصحافيين الذي قد يصل عددهم الى حوالي 7 آلاف و500 صحافي من مختلف وسائل الاعلام العالمية والمحلية.

وبمجرد ان تعبر الجانب الاسرائيلي من معبر ايريز الذي يربط شمال القطاع باسرائيل (بدأ يتخذ شكل معبر حدودي دولي رسمي)، يستقبلك رجال شرطة فلسطينيون لتسجيل رقم جواز سفرك، ليستقبلك من بعدهم شباب بوردة حمراء ملفوفة، يحتم عليك الفضول الاستفسار والسؤال، عن سبب هذا الاستقبال الجميل، فيجيب احدهم بلهجة عربية غريبة، «هذه الوردة مقدمة من مؤسسة «رمتان» نعبيرا عن الفرحة برحيل الاحتلال». غير ان هذه الكلمات لم تخف الهدف الرئيسي الدعائي من هذا الاستقبال اللطيف، اذ يواصل الشاب الشرح «نحن في مؤسسة رمتان نقدم الخدمات الاعلامية على جميع الصعد التلفزيونية وغيرها ولديها استوديوهات للبث المباشر». وعن سبب استخدام هذه اللهجة الغريبة يقول «حنى يفهمني الأجانب الذين يتحدث بعضهم العربية».

وكانت تقف مجموعة من الصحافيين اليابانيين ويتحدث بعضهم اللغة العربية، تنتظر سيارات لنقلها الى داخل مدينة غزة او غيرها من المناطق، التي ستشهد عمليات اخلاء المستوطنين، كل الى المنطقة التي خصصها له المكتب الصحافي الاسرائيلي ببطاقة محددة.

والصحافيون هم الوحيدون، الذين يسمح لهم بدخول القطاع بعد اغلاق المعبر وحظر جيش الاحتلال على الاسرائيليين على وجه الخصوص وغيرهم، الدخول اليه. لذلك فإن المعبر يكاد يخلو من المسافرين، وحتى سيارات الاجرة التي تكون في العادة بالعشرات، كان عددها لا يتجاوز الثلاث سيارات. تبين في ما بعد ان معظم السيارات ذات المقاعد السبعة، قد استؤجرت من قبل حركة فتح لنقل الحشود لنقلهم الى مواقع المستوطنات التي يجري تسليمها الى قوات الشرطة الفلسطينية، استعدادا للاحتفالات الكبرى. الطريق الى غزة المدينة، وهي طريق صلاح الدين الذي يربط شمال القطاع بجنوبه، تبدأ من مدينتي بيت حانون الى الشرق من الشارع وبيت لاهيا الى الغرب منه، وفي بيت حانون كما في بيت لاهيا، غيبت دبابات الاحتلال وجرافاته بساتين البرتقال والليمون وغيرها من الفواكه، التي كانت تحيط بجانبي الطريق. ليحل محل هذه البساتين اكوام من التراب وبقابا الدمار الذي خلفه جيش الاحتلال وراءه. فمدينة بيت حانون الحدودية وبيت لاهيا، كانتا مسرحا للعديد من الاجتياحات الاحتلالية ردا، كما كانوا يزعمون، على عمليات القصف الصاروخي لبلدات يهودية داخل الخط الاخضر ومستوطنات شمال القطاع، التي سيجري اخلاؤها في المرحلة الثالثة من خطة الفصل التي بدأت رسميا صباح هذا اليوم بتسليم مستوطني الوسط، الاشعارت الرسمية للاخلاء السلمي قبل ان يبدأ الجيش بعد 48 ساعة أي صباح غد عملية الاجتياح القسري.

من بيت حانون الى جباليا المعسكر أي مخيم اللاجئين مرورا بجباليا البلد، تبدو الحياة عادية جدا وتخلو من أية مظاهر احتفالية، بل يباشر الناس اعمالهم كالمعتاد. ونفس الوضع موجود في مخيم الشاطئ على اطراف غزة المدينة الغربية. وفي غزة نفسها فإن الوضع لا يختلف كثيرا إذ أن دلائل الاحتفالات مقتصرة فقط على لافتات في الشوارع احدها يقول بما معناه، ان غزة لن تكون اخيرا بل بداية. اضافة الى شعارات ممالثة على جدران المباني.

وتفسيرا لذلك قال طلال محمد، وهو ضابط في الشرطة الفلسطينية ان السبب هو ان هذه المناطق، لم تتلمس بعد نتائج الانسحابات المقررة. لكن محمد يتوقع ان تكون الاحتفالات الجماهيرية اوسع في مناطق الجنوب، التي تقع على خط التماس مع المستوطنات أو ما يسمى بتكتل مستوطنات غوش قطيف التي يصل عددها الى حوالي 15 مستوطنة. وتحاصر هذه المستوطنات مدنا مثل رفح وخان يونس، وتقطعها عن بقية مدن القطاع.

وبزوال هذه المستوطنات والانسحاب الاسرائيلي، ستعود الحياة الى طبيعتها في هذه المدن والقرى، وستعود الحرية الى اهالي هذه المناطق، التي حرموا منها لسنوات طويلة، خاصة خلال سنوات الانتفاضة الخمس الاخيرة، على حد قول منير الدويك، وهو صاحب سيارة اجرة. ويضيف انه «سيكون بإمكان هؤلاء الناس التنفس، وقد تأتي عليهم الانسحابات بنتائج اقتصادية جيدة، تخرجهم من حالة الفقر المدقع الذي سببته عمليات الحصار والتدمير الاسرائيلية على مدى السنوات القليلة الماضية».