الأكراد رفضوا أي بديل للفيدرالية و«الائتلاف» الشيعي هدد باستغلال «أكثريته» وعرض مسودته على الجمعية الوطنية

قضية مسودة الدستور العراقي الدائم: الشد والجذب تواصلا حتى آخر ساعة

TT

حتى وقت متأخر من يوم أمس، وهو اليوم الأخير في المهلة الممدة لكتابة مسودة الدستور العراقي الدائم، ظل الخلاف قائما بين الكتلتين الشيعية والكردية في الجمعية الوطنية العراقية من جهة، والكتلة السنية من خارج الجمعية من جهة ثانية، حول الصيغة النهائية للمسودة. وفيما أكد الأكراد أنهم لن يتنازلوا عن مطلبهم الخاص بالفيدرالية الذي يعارضه خصوصا العرب السنة، هدد مسؤول في الكتلة الشيعية أن كتلته التي تحظى بالأغلبية البسيطة في البرلمان قد تقدم مسودتها إلى الجمعية الوطنية حتى لو رفضها الآخرون. وتبين أن موضوع تقسيم الثروات كان نقطة الخلاف الرئيسية المتبقية بين الأكراد والشيعة.

وبعد ظهر أمس قال ليث كبة المتحدث باسم رئيس الوزراء العراقي إبراهيم الجعفري إن المفاوضات بين الشيعة والأكراد أدت إلى الوصول إلى اتفاق حول مسودة الدستور فيما كان العمل جاريا لإقناع العرب السنة.

وقال كبة لشبكة «سي.ان.ان» التلفزيونية الأميركية إن «الكتلتين الرئيسيتين (البرلمانيتين الشيعية والكردية) وصلتا إلى اتفاق حول المسودة». وأضاف «يبقى ان يوافق العرب السنة على الاتفاق».

وتملك اللائحتان الرئيسيتان في الجمعية الوطنية العراقية «الائتلاف العراقي الموحد» الشيعية والتحالف الكردستاني، 215 نائبا من مجموع 275 نائبا في البرلمان العراقي.

وقبل ذلك كان القيادي الكردي محمود عثمان عضو كتابة الدستور العراقي قد أكد ان مناقشات زعماء الكتل السياسية اثمرت حسم العديد من المسائل العالقة، موضحا ان الفيدرالية تبقى هي المشكلة الاهم التي تقف امام الانتهاء من مسودة الدستور. وقال عثمان «حسب علمي فان مسألة الثروات الطبيعية صار لها حل وكذلك صلاحيات الاقاليم والحكومة الفيدرالية والمحكمة الدستورية».

واضاف ان «المشكلة الاهم هي الفيدرالية وقبول العرب السنة لمبدأ الفيدرالية».

وتابع عثمان «هم يقولون هذا غير مقبول. هم يفهمون خصوصية كردستان لكنهم يرفضون اعطاء الفيدرالية لباقي انحاء العراق».

وفيما اذا كانت الفيدرالية هي العائق الاكبر امام الانتهاء من مسودة الدستور، قال عثمان «توجد نقاط اخرى لكنها اصغر تبحث وتذلل بعضها». وتابع «اعتقد ان كل الجهود اثمرت ويبقى موضوع الفيدرالية هو الموضوع المهم حيث يتم اقناع العرب السنة بالقبول بمبدأ الفيدرالية».

وأضاف «اذا قبلوا بعدها ستبحث كيفية تشكيل الاقاليم والخطوات وموافقة الشعب، وهذا سيأخذ بعض الوقت».

ويقف العرب السنة ضد مبدأ الفيدرالية التي يرون انها ستعمل على تقسيم العراق الى دويلات، كما ان لهم تحفظات على العديد من البنود الواردة في مسودة الدستور.

من جهته صرح ممثل الحكومة الموحدة لاقليم كردستان العراق في الولايات المتحدة قبات طالباني، بأن الاكراد لن يتنازلوا عن مطلبهم بتحويل العراق الى فيدرالية، معتبرا ان الاكراد قدموا كافة التنازلات الممكنة وان «الفيدرالية هي الحد الادنى الذي سيقبل به اكراد العراق».

وفي مقال نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» قال قبات، وهو نجل الرئيس العراقي جلال طالباني، «بالتأكيد يجب الا يتوقع احد من الاكراد التراجع عن التقدم الذي احرزناه في اقامة مؤسسات فاعلة مثل الحكومة الكردستانية والبرلمان الكردستاني».

وقال المسؤول الكردي ان الاكراد غير مستعدين لقبول بديل عن عراق فيدرالي تكون فيه السلطات السياسية والاقتصادية في ايدي الاقاليم بينما تحتفظ الحكومة الوطنية بالسلطة على السياسة الخارجية والدفاع الوطني. واوضح ان «الخطر يكمن في ان بعض المسؤولين الاميركيين الذين يسعون بيأس الى انجاز الدستور في الوقت المحدد، سيطلبون منا التنازل عن مبادئنا الرئيسية».

واضاف «لذلك ورغم ان التنازلات ضرورية لحل المأزق، فان الاكراد يعلمون انه تم تقديم العديد من هذه التنازلات خلال المحادثات حول الدستور العراقي الحالي المؤقت وقانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية».

وقد تكثفت المشاورات امس من اجل حسم الخلافات والانتهاء من كتابة مسودة الدستور وعرضها على الجمعية الوطنية قبل انتهاء المهلة المحددة منتصف الليلة الماضية، فيما حذرت القوى السنية من اعلان نص لم يتم التوافق عليه.

وقد تأجل اجتماع للجمعية الوطنية كان يفترض ان يتم خلاله عرض مسودة الدستور من الساعة الحادية عشرة صباح امس بالتوقيت المحلي الى الساعة السادسة مساء.

من جانبه اكد منذر الفضل عضو لجنة كتابة الدستور عن قائمة التحالف الكردستاني، ان «القيادة الكردية لن تتنازل ولن تساوم على اي حق من الحقوق الثابتة للشعب الكردي». واضاف انه «لا مساومات او تنازلات حول الحقوق ومنها حق تقرير المصير، غير ان صياغة النصوص في مسودة الدستور تمت بصورة اخرى وتشير الى تحقيق الغرض نفسه وان لم تشر اليه بصورة صريحة».

وتوقع «عدم حصول موافقة من جانب قائمة التحالف الكردستاني على تمديد مهلة كتابة الدستور»، مشيرا الى ان الاجتماع «سيكون حاسما. إما التوافق على مسودة الدستور او حل الجمعية وسقوط الحكومة واعتبارها حكومة تصريف اعمال واجراء انتخابات جديدة حيث نعود الى نقطة البداية».

ومن جانبها، دعت القوى السنية المغيبة عن الانتخابات والتي لها اعضاء في لجنة كتابة الدستور في بيان، الامم المتحدة والولايات المتحدة والمجتمع الدولي الى «تحمل مسؤولياتهم ازاء ما قد يترتب على اعلان مسودة للدستور لم يتم التوافق عليها مما قد يزيد الازمة الحالية تعقيدا».

وقالت هذه القوى «ما زلنا نرى عدم وجود تنسيق فاعل وجدي كاف لكتابة مسودة الدستور، فلم يعقد الا اجتماع واحد للاطراف المغيبة عن البرلمان تبين فيه ان هناك اختلافات جوهرية على الكثير من النقاط المهمة».

وطالبت هذه الاطراف الجمعية الوطنية باحترام «التزاماتها وخاصة فيما يتعلق بالقرار الذي ينص على ان الدستور يكتب بالتوافق وليس بالتصويت».

واعربت هذه القوى عن خشيتها من ان «تجد نفسها امام مسودة دستور لم نطلع عليها ولم نوافق عليها».

ودعا البيان «جميع الاطياف الى كتابة مسودة دستور بشكل يلبي طموحات الشعب العراقي جميعا في وحدته وأمنه واستقراره».

من جانبه قال بهاء الاعرجي مقرر لجنة كتابة الدستور عن «الائتلاف العراقي الموحد» (الشيعي) امس إنه «في حال عدم التوصل الى حل لنقاط الخلاف العالقة والتي هي لحد الان نقطة جوهرية واحدة تتمثل بتوزيع الثروات الطبيعية فإن (الائتلاف) الشيعي سيقدم الدستور الذي كتب من قبل لجنة الدستور، وهذا الدستور سيمثل الائتلاف».

وقال الاعرجي في تصريحات للصحافيين في قصر المؤتمرات ببغداد امس ونقلتها وكالة «اصوات العراق» المستقلة إنه «من الناحية القانونية من حق قائمة الائتلاف ان تعقد البرلمان باكتمال النصاب القانوني لان عدد اعضاء القائمة، وهو 148 عضوا، يكمل النصاب وبذلك يصوت البرلمان على الدستور اليوم (امس)».

واشار الاعرجي الى «إن الخلاف الحالي هو على مسألة توزيع الثروات والتي تعد صيغة جوهرية على الرغم من ان مسألة التوزيع قد حسمت، الا ان الخلاف هو على تعريف الثروات والثروات غير المستخرجة ونحن على خلاف مع الاخوة الاكراد في هذه المسألة ونأمل ان تحل هذه في الاجتماعات التي ستعقد اليوم (امس) بين التحالف الكردستاني والائتلاف العراقي الموحد».

من ناحية اخرى اتهم الاعرجي القائمة العراقية بقيادة رئيس الوزراء السابق إياد علاوي وبعض اعضاء التحالف الكردستاني «بالتآمر معا لعرقلة طرح المسودة في الموعد المقرر تمهيدا لحل الجمعية الوطنية وحكومة الدكتور ابراهيم الجعفري وجعلها حكومة تصريف اعمال». وقد رد عبد الخالق زنكنة عضو لجنة كتابة الدستور عن التحالف الكردستاني على تصريحات الاعرجي قائلا «مبروك للائتلاف دستورهم الذي يلوحون به، واعتقد ان دستورهم هذا ما هو الا بالون سينفلق عليهم واعتقد انهم يلوحون به لغرض استخدامه ورقة ضغط على التحالف الكردستاني».

واوضح زنكنة في تصريحات للصحافيين في قصر المؤتمرات ايضا ان من اهم نقاط الخلاف التي كانت عالقة حتى يوم امس »الفيدرالية وما يتعلق بحدودها وتفاصيلها، وتوزيع الثروات، وهذا الموضوع يتعلق بتعريف الثروات فنحن نعرف الثروات بالنفط والغاز اما الباقون فيريدون ادخال المعادن الاخرى وانا اقول هل من المعقول ان ندخل المرمر والخشب او حتى اللبن، كون اربيل تشتهر باللبن ضمن الثروات؟». من جهتها نفت الدكتورة رجاء الخزاعي عضو الجمعية الوطنية عن القائمة العراقية اتهامات الاعرجي جملة وتفصيلا، مشيرة الى ان «القائمة العراقية لو كان لديها هذه النية لما كانت قد قامت بالمبادرة التي قامت بها الاسبوع الماضي والمتمثلة باقدام القاضي وائل عبد اللطيف (من العراقية) بصياغة القرار الذي تلاه رئيس الجمعية الدكتور حاجم الحسني لطلب التمديد».

وأكدت رجاء الخزاعي انه «في حال تم تمرير مسودة الدستور من قبل الاكراد والشيعة واحتوت على فقرات لا توافق عليها القائمة العراقية فإن القائمة العراقية ستنسحب من الجمعية الوطنية لتسجيل موقف امام الشعب العراقي» على حد قولها.