أنهار ألاسكا الجليدية تنحسر.. وتثير المخاوف

سياحة جديدة لمشاهدة أخطر الكوارث البيئية

TT

زيارة أربع شخصيات أميركية مهمة لولاية ألاسكا النائية، فتحت باب الجدل مرة أخرى في الولايات المتحدة، بخصوص ظاهرة الاحتباس الحراري التي يرفض الرئيس الأميركي ربطها بالنشاط البشري، وبالأخص حرق الوقود الاحفوري وبالأخص النفط.

وتعتبر ولاية ألاسكا، من بين أكثر المناطق في أميركا الشمالية تأثرا بارتفاع معدل درجات الحرارة في العالم، ويعتمد سكانها على طبيعتها المتميزة شبه القطبية والقطبية، في مناطق معينة للعيش. وما زالت تعيش فيها مجموعة كبيرة من السكان الأصليين (الاسكيمو).

الزوار الأربعة المهمون بدوا في حالة صدمة، وهم يشاهدون المنظر المهول الذي بدا أمامهم. نهر «أكسيت» الجليدي في محمية «كيناي فورد»، والذي يعتبر من أبرز المعالم الطبيعية في قارة أميركا الشمالية برمتها. وبلغ النهر ذروة روعته الأسبوع الماضي، حيث شقت الكتلة الجليدية الضخمة طريقها للبحر بانسياب.

ولكن حركة النهر تسارعت مؤخرا وهو الأمر الذي ما كان للزوار الأربعة أن يخفقوا في إدراكه. وتقلص نهر «أكسيت» الجليدي بأكثر من ثلاثمائة متر خلال السنوات العشر الماضية. هذه الحركة عنت أن المنصة التي كان الزوار يشاهدون منها الكتلة الجليدية الضخمة، وكانت على مستوى عدة أقدام تحت سطح الجليد باتت الآن تقع في ارض جافة.

وعلى الرغم من أن آثار الاحتباس الحراري واضحة للعيان، ولا يمكن تجاهلها إلا أن قوى سياسية أمريكية وبالأخص في اليمين الجمهوري ترفض الاعتراف بالظاهرة جملة وتفصيلا. والمثير في زيارة الشخصيات الاميركية لألاسكا، أنه كان بين الزوار الأربعة شخصان، لا يتوقع عادة زيارتهما لمكان واحد معا. فكلاهما مرشح محتمل للانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2008، ويحظيان بفرص كبيرة للفوز، كما أنهما من طرفي نقيض الطيف السياسي.

أحدهما جون مكاين، مقاتل سابق في حرب فيتنام، وعضو جمهوري في مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية أريزونا. والثانية هيلاري كلينتون العضو الديمقراطي في مجلس الشيوخ عن نيويورك، وزوجة الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون. وقرار عضوي مجلس الشيوخ زيارة ألاسكا معا لتفقد اثر التغيير المناخي على المنطقة أثار الاستغراب في الأوساط السياسية والإعلامية الأميركية.

ولكن وعلى الرغم من الخلاف السياسي بينهما إلا أن مكاين وكلينتون أثارا بزيارتهما لألاسكا النقاش مجدد في الولايات المتحدة بخصوص ظاهرة الاحتباس الحراري، التي يعبر عنها بالتغير المناخي هناك. وقال السناتور مكاين الذي تقدم بمقترح مشترك بخصوص الاحتباس الحراري مع السناتور الديمقراطي جو ليبرمان، «السؤال هو كم سيبلغ حجم العطب قبل أن نبدأ بالتفكير في اتخاذ إجراء محدد. فالذهاب إلى أماكن مثل تلك التي جئنا منها للتو مثير للخوف».

تصريحات مكاين وكلينتون وقعت على آذان صماء في الإدارة الاميركية، التي ترفض المصادقة على معاهدة «كيوتو» التي تهدف إلى تقليص انطلاق الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الهواء. بل إن الإدارة الأميركية كانت تفكر في تطوير مشاريع للتنقيب واستخراج النفط في محميات ألاسكا البيئية، التي تعاني من توازن هش أساسا. وتوفر ألاسكا حاليا نحو 25% من إنتاج الولايات المتحدة من النفط.

وذوبان الأنهر والكتل الجليدية واحد فقط من المشاكل التي تعاني منها ألاسكا، كما أكدت العالمة البيئية «كايت ترولش التي تقول إنه إضافة إلى ذوبان الأنهر الجليدية، فألاسكا بدأت تعاني أيضا من انتشار الحشرات وحرائق الغابات، وغرق القرى، وارتفاع درجة حرارة المحيطات، وتآكل السواحل، وتغير تركيبة الحياة البرية. وأوضحت أن المزيد من التدهور بانتظار طبيعة ألاسكا في ظل تصاعد الحرارة بها بمثلي المعدل العالمي.

وشهد العام الماضي اسخن فصل صيف يسجل في ألاسكا. وأوضح تقرير يقيم التغيرات المناخية بالمناطق القطبية، أن معدل درجة الحرارة بألاسكا ارتفع بـ3.3 درجة مئوية منذ العام 1949 إلى 2003، وشهدت بعض المناطق زيادة في درجة الحرارة، بلغت ضعفي ذلك.

تقرير آخر نشر في شهر مارس (آذار) الماضي، أوضح أن درجة الحرارة ارتفعت بـ0.4 درجة مئوية منذ أواسط الستينيات. وأوضح التقرير أن العقد الأخير شهد اكبر ارتفاع في درجات الحرارة منذ بدء تسجيل درجات الحرارة وأنه غير مسبوق منذ العصر الجليدي الأخير.

هذا التغيير تسبب في طفرة سياحية، أطلق عليها «شاهدها قبل أن تختفي»، حيث يسعى الزوار إلى مشاهدة الأنهر الجليدية التي تتضاءل باستمرار. وتعدى عدد السياح الذين زاروا ألاسكا هذا العام الرقم القياسي الذي سجل العام الماضي بوفود أكثر من 1.45 مليون زائر منذ بداية العام الحالي.

وشرعت الكثير من المراكز السياحية في الاستفادة من تدهور الأوضاع المناخية والبيئية في ألاسكا، وعنونت لمشاريعها بأسماء مثل، نظرة على عصر جليدي منقضي.

وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي عرض أخصائي جيولوجي يعمل مع فريق المسح الجيولوجي الأميركي سلسلة من الصور الفوتوغرافية للكتل الجليدية التي التقطت في السنوات الأربع الأولى من القرن الحالي معا مع صور التقطت قبل قرن من الزمان. ولم تظهر النتائج تراجع الكتل الجليدية فقط، وإنما أيضا انتشار النباتات، حيث لم يكن هناك سوى الجليد.

وقد دعا السناتور الجمهوري ليندسي غراهام، عضو الفريق الذي زار ألاسكا الأسبوع الماضي، السياسيين إلى وضع اختلافاتهم جانبا ومعالجة المشكلة.

وقال إن «تغير المناخ مختلف عندما تكونون هنا، لأنكم ترون وجوه الناس الذين يعانون منه في ألاسكا. وإذا ما استطعتم الذهاب إلى الناس هناك وأصغيتم إلى قصصهم، فإنكم ستعودون وأنتم ترون دون أي ارتياب أن شيئا ما يجري. أنا أتصور أنكم لا تصغون إليهم».

الاحتباس الحراري

* ارتفعت درجة حرارة الكرة الأرضية بدرجة فهرنهيت واحدة، بحسب العديد من المصادر العلمية. إلا أن الوسط العلمي يشهد خلافا حادا بسبب العوامل التي أدت إلى ذلك، مع ترجيح الغالبية لدور النشاط الإنسان في حدوث ذلك، ويوجهون أصابع الاتهام بالأخص إلى تزايد استهلاك البشرية للوقود الاحفوري ـ النفط والفحم على سبيل المثال ـ الذي يتسبب إحراقه في إنتاج العديد من الغازات التي تسبب الاحتباس الحراري. وتقوم هذه الغازات بنفس الدور الذي تلعبه البيوت الزجاجية، حيث أنها تسمح بمرور أشعة الشمس عبر الطبقات الجوية لتصل إلى الأرض وتدفئها غير أنها لا تسمح بخروج الحرارة الناتجة عن ذلك إلى خارج نطاق الغلاف الجوي، ولولا هذه الظاهرة لما تشكلت الحياة على سطح الأرض حيث أن حرارة الأرض من دون هذه الغازات كانت ستكون اقل بستين درجة فهرنهيت، إلا أن زيادة هذه الظاهرة عن حد معين قد يتسبب في كوارث بيئية مهولة.

وجميع الغازات التي تمتص الأشعة تحت الحمراء تساهم في هذه الظاهرة، كبخار الماء وثاني اكسيد الكربون والميثان وثاني اكسيد النيتروجين والأوزون وغيرها. وأهم النشاطات الإنسانية التي تطلق هذه الغازات والأجسام الصغيرة في الجو، حرق الوقود الاحفوري وقطع أشجار الغابات.

والآثار المترتبة على زيادة درجة حرارة الأرض تشمل اضطراب مواسم الأمطار، وارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات وآثار كارثية أخرى على الحياة النباتية والحيوانية على سطح كوكب الأرض. وعلى الرغم من أن معدل ارتفاع معدل درجة حرارة الأرض يزيد من معدلات هطول الأمطار، إلا أنه يتسبب في موجات الحر الشديد والجفاف أيضا، إضافة إلى ظواهر مناخية متطرفة كالسيول والفيضانات. وبخطورة ذلك انتقال الحشرات والقوارض الناقلة للأمراض إلى مناطق كانت خالية منها وليس لدى سكانها مناعة طبيعية من الأمراض التي تحملها معها.