ابراهيم الكوني مكرما في أصيلة وروايات المغرب العربي لا تتبنى خطاب الوحدة

TT

توجت ندوة «الرواية المغاربية»، التي عقدت اخيرا خلال «موسم أصيلة الثقافي»، بمنح الكاتب الليبي ابراهيم الكوني جائزة محمد زفزاف، وسط حفاوة الحاضرين، حيث القى الكوني كلمة اعتبر فيها «ان جائزة المبدع الحقيقية لا وجود لها في دنيانا، لانها ليست قيمة دنيوية، ولكن وجودها يكمن في الابدية».

وتحدث المترجم السويسري لأعمال الكوني المستعرب هارموث فاندريتش فاعتبر هذه الاعمال استثنائية لاسباب من بينها انها منفصلة فكريا وجغرافيا عن عالم الرواية العربية. فالفضاء الذي تحتفي به هذه الاعمال يوجد على الحافة او على الهامش، وهو لا ينتمي الى المواضيع السردية التقليدية في العالم العربي، مثل القضايا الاجتماعية والسياسية المطروحة في المدن والقرى. بل يولي وجهه صوب الصحراء الافريقية الكبرى التي تشكل بدورها حافة وهامشا يفصل بين دول متعددة».

وكان المشاركون في ندوة «الرواية المغاربية» قد طرحوا اسئلة مكررة وكلاسيكية، في غالبيتها، وجاء القسم الثاني من الندوة مشتت المواضيع. فيما انطوت المداخلات عموما على اختلافات في وجهات النظر، بدأت بتعريف مصطلح «الرواية المغاربية»، فرأى الاديب والناقد احمد المديني ان وصف «الرواية المغاربية»، لا يمكن ان ينطبق الا على تلك المكتوبة بالفرنسية، لان الاصل اللغوي للتسمية انما هو من صياغة كتاب مغاربيين كانوا يكتبون بالفرنسية. وقد طرح المصطلح بشكل دقيق لاول مرة، من طرف مجلة «انفاس» سنة 1965، في سياق سعي مجموعة من الادباء حينها، الى تحقيق ما سمّوه «التعايش اللاسلمي مع اللغة الفرنسية ومع الآخر»، ومن خلال شن حرب عصابات داخل اللغة الاجنبية لتملكها وتفجيرها من الداخل، وشحنها بطاقة خلاقة مختلفة. لكن عبد الحميد عقار، رئيس اتحاد كتاب المغرب، كان له رأي معاكس، إذ اعتبر ان «الادب المغاربي» يشمل كل ما كتبه المغاربة، مهما كانت لغته، ورأى عقار ان بدايات فن السرد الحقيقية في المغرب العربي، تعود الى خمسينات القرن العشرين فقط ، لكن دول المغرب ما لبثت ان تداركت تأخرها الزمني عن المشرق بواسطة تعميق التجريب حتى وصلت الى ازيد من 1000 عنوان. لكن الرواية المغاربية ما تزال مفرطة في التجهم ـ بحسب العقار ـ ملاحظا ان الاتجاه التهكمي الساخر، لم يبدأ لدى الكتاب المغاربيين، قبل تسعينات القرن الماضي، لكن الناقد صلاح فضل، اعتبر ان علاقة الابداع المغاربي باللغة الفرنسية تهجينا خلاقا صنع ادبا يقع في منطقة مبهمة من مناطق المثاقفة وعمليات اختراق الآفاق. اما الاكاديمي الجزائري، احمد منور، فعاد الى الجذور الاولى لتطور ونشأة الرواية الناطقة بالفرنسية في المغرب وارجعها الى زمن مبكر يتراوح بين عامي 1921 و1924 في الحالة الجزائرية، وإلى 1937 في تونس، و1932 في المغرب، معتبرا ان السبق الجزائري يرجع لكون هذا البلد عرف الاستعمار مبكرا، فسيطرت بالتالي الرواية المكتوبة بالفرنسية على التقاليد الادبية على حساب الرواية المكتوبة بالعربية.

اما الباحث التونسي، محمد الباردي، فسلط الضوء على التجريب في الرواية التونسية في العقدين الاخيرين، ولاحظ ان هذه النصوص تتبنى جميعها تقنية جمالية الابهار، ورأى ان الرواية التونسية المعاصرة تسعى الى الانفتاح على الافق العالمي بعد التحرر من التأثير المشرقي. الباحث الليبي صالح السنوسي تحدث في المقابل عن انغلاق الافق السياسي لروايات كل قطر مغاربي على فضائها المحلي الصرف، دون ان تتعداه الى افق المغاربي الموحد، بمعنى ان الافق المغاربي الوحدوي، بمعنى ان الافق المغاربي الوحدوي، ما زال خارج التطلع الجمالي لنصوص كتاب المنطقة، ولم يجد بعد له صدى على مستوى الادب، رغم قوة الحلم الجماعي والخطاب الذي رافقه، وتميزت الجلسة الثالثة والاخيرة بتقديم مجموعة مداخلات تراوحت بين الانطباعات، والملاحظات العامة التي تصل احيانا الى مستوى الحديث عن البديهيات المكرورة، وبين عروض اتسمت بالحديث عن المسار الذاتي في الكتابة من طرق ادباء اكثر من كونها عروضا اكاديمية. وفي هذا السياق تحدث الكاتب الجزائري رشيد بوجدرة عن العبء الذي حمله جيله من اجل ابراز رؤية ولغة جديدتين. وعبر بوجدرة عن اغتباطه لان جهود جيله اثمرت جيلا جديدا من الكتاب الجزائريين.

لم يواجهوا نفس اشكالية العلاقة مع الماضي ومع اللغة، فهو جيل يبدع بلغة ويحاضر بأخرى.

وقد نجح في ما اسماه بوجدرة، عملية قتل الاب معترفا بأنه هو نفسه حاول قتل كاتب ياسين رمزيا، وهو مثله الاعلى في الابداع، وعدد بوجدرة بعض الاسماء التي سارت على هذا المنوال، منوها بجيل اكثر تمردا واستيعابا للنقد العالمي واللغات الاجنبية من الذي سبقه. وكان الباحث الجامعي المغربي رشيد بن حدو، قد ركز في مداخلته على علاقة الرواية المغاربية بالهجرة من خلال نموذج الروائيين الذين نزحوا عن بلدانهم، محددا اختياره لنصوص ادبية مقصية ومهمشة، كالتي كتبها مغاربيون يهود وكتاب الجيل الثالث من المهاجرين. وخلص بن حدو الى القول ان روايات «الدياسبورا»، تكمن اهميتها في سعيها لخلخلة اللغة الفرنسية، مما جعل اليمين الفرنسي يدق ناقوس الخطر، كما ان لها بعدا اثنوغرافيا حيث يتجاذبها في الغالب عالمان متنافران. ولاحظت الباحثة المغربية، زهور كرام، ان مقاربة الادب المغاربي تتم بشكل تجزيئي لانه مكتوب بعدة لغات متحدثة عن البدايات الاولى للرواية في الجزائر التي ظهر فيها نص حكاية العشاق في الحب والاشتياق سنة 1849، لكن هذا النص لم يحقق الا في 1972، طارحة سؤال البدايات الحقيقية للرواية العربية.