مخاوف الغرب من «مهمة السلام» الروسية ـ الصينية وتحالف «الثورات الملونة» المعادي لموسكو

TT

تتواصل المناورات الروسية ـ الصينية «مهمة سلام - 2005» بمناطق الشرق الاقصى متزامنة مع القمة الرباعية التي عقدها رؤساء اوكرانيا وجورجيا وبولندا وليتوانيا على ضفاف البحر الاسود. ولم يكن غريبا ان يأتي هذا التوقيت أيضا في أعقاب قمة رؤساء بلدان «مجموعة شنغهاي» التي تضم الى جانب روسيا والصين كلا من قزقستان وقيرغيزستان وتاجيكستان وأوزبكستان، وتوقيع قطبي الثورات الملونة الاوكراني فيكتور يوشينكو والجورجي ميخائيل ساكاشفيلي على «بيان بورجومي»، الذي ثمة من يتناوله من منظور الصدع الذي أصاب صفوف منظمة «جووام» التي كانت تضم كلا من أوكرانيا وجورجيا وأوزبكستان وأذربيجان ومولدوفا قبل اعلان طشقند عن الانسحاب منها. ورغم ان واشنطن تبدو من حيث الشكل بعيدة عن كل هذه الاحداث والتحالفات، فان الواقع العملي يقول انها تظل فيها الحاضر الغائب والقاسم المشترك من منظور استمرار المحاولات الرامية الى فرض واقع جيو ـ سياسي جديد وتحقيق التكامل المناهض لمعايير عالم القطب الواحد. فالمناورات الروسية ـ الصينية ورغم الاعلان انها غير موجهة الى أطراف ثالثة، فانها تبدو محاولة جادة لتحقيق التكامل الجيو ـ سياسي في منطقة تظل هدفا استراتيجيا لواشنطن من أجل استكمال فرض المعايير الجديدة لعالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) 2001. ولعل استعادة ما سبق هذه المناورات من أحداث يكشف عمليا جوهر ما تبتغيه من مهمات وأهداف. ففي يونيو (حزيران) الماضي اعلنت قمة رؤساء بلدان مجموعة شنغهاي مطالبتها واشنطن بتحديد موعد جلاء قواعدها في آسيا الوسطى فيما عاد قرمان بك باقييف رئيس قيرغيزستان الجديد ليطالب بعد توليه مهمات الرئاسة، بسرعة جلاء القاعدة الاميركية من بلاده في وقت اتخذ الرئيس الاوزبكي اسلام كريموف، موقفا مماثلا في ضوء ما اعلنته موسكو على لسان الكسندر ياكوفينكو المتحدث السابق باسم وزارة الخارجية الذي عُين أخيراً نائبا لوزير الخارجية، عن ان «منظمة شنغهاي تعتبر نموذجا مبدئيا للتكامل الجيوـ سياسي». ولم تكن شنغهاي لتتوقف عند هذا الحد، حيث قبلت كأعضاء مراقبين كلا من الهند وباكستان وايران في اطار تدعيمها لما سبق وأعلنته حول ضرورة كسر احتكار القرار الدولي والتوجه صوب بناء عالم متعدد الاقطاب. وكان ارسيني اوجانسيان المعلق السياسي لوكالة «ريا نوفوستي» شبه الرسمية تناول سياسة موسكو قائلا «ان السياسة الخارجية الروسية الواقعية المتعددة الاتجاهات (في اشارة الى تعاون موسكو مع كل من المانيا وفرنسا وايطاليا) سيرفع اسهم روسيا سواء في الغرب الذي يحاول جاهدا الحيلولة دون قيام تحالف بين موسكو وبكين، او في الشرق الذي يعتبر روسيا شريكا طبيعيا من اجل الموازنة مع الهيمنة الغربية». من هذا المنظور يمكن تناول الرقابة الشديدة التي عززتها واشنطن في منطقة المحيط الهادئ قرب مواقع المناورات الصينية الروسية في وقت أعربت مصادر البنتاغون عن قلق خاص حول مهمات استخدام القاذفات الاستراتيجية الروسية وتجارب اطلاق الصواريخ العابرة للقارات واستخدام حاملات الطائرات في هذه المناورات وما تعنيه الاهداف المعلنة بشأن «التدريب على التصدي للحركات الانفصالية» ومدى ارتباط ذلك بالتوتر القائم بين الصين وتايوان. وكان يوري بالويفسكي رئيس اركان القوات المسلحة الروسية، اشار في معرض تطرقه لأهداف المناورات «ان روسيا والصين مدعوتان لاتقان دعمهما الفرضي لدولة ثالثة في تصديها لتشكيلات مسلحة غير شرعية». ومن منظور مشابه يمكن ايضا تناول اللقاء الرباعي لرؤساء اوكرانيا وجورجيا ولاتفيا وبولندا في شبه جزيرة القرم وما قيل حول ضرورة بناء تحالف سياسي يضم بلدان البلطيق والقوقاز وما سبقه من لقاء ثنائي في بورجومي الجورجية استهدف ايضا حسب نص البيان الصادر عن قمة يوشينكو- ساكاشفيلي «بدء مرحلة جديدة من الديمقراطية والأمن والاستقرار والسلام في اوروبا من المحيط الاطلسي وحتى بحر قزوين». وثمة من يقول ان «ان خطة تشكيل رابطة الخيار الديمقراطي في منطقة البلطيق ـ البحر الاسود ـ بحر قزوين تبدو اشبه بمحاولة اقامة حاجز عازل بين اوروبا الغربية وروسيا، بحسب تعبير اناتولي بيلييايف رئيس دائرة التحليل السياسي في مركز الابحاث السياسية في موسكو. وكان بيلياييف اشار ايضا الى محاولات المنظمة السياسية الوليدة التي تمثل بلدان «الثورات الملونة» وانصارها الرامية الى تشكيل «الكوادر الثورية» في البلدان «غير الديمقراطية» في رابطة بلدان الكومنولث فيما كشف عن تدريب نشطاء منظمات الشباب الليبرالية في كييف وبولندا والسويد وجورجيا.