زيارة شارون لمدرسة ابتدائية جلبت النقمة عليه بسبب إجراءات الأمن المشددة

TT

الفرحة التي عاشها تلاميذ المدرسة الابتدائية في بلدة «مجدال هعيمق» اليهودية والأحلام الوردية التي عاشوها خلال ساعات الليل، عندما أبلغوهم ان رئيس الوزراء، أرييل شارون، سيأتي للاحتفال معهم في افتتاح السنة الدراسية، أمس، تحولت الى معاناة حقيقية لهم ولذويهم. وعادوا منهكين خائبين، يخشون من كوابيس الليل المخيفة من جراء هذه الزيارة.

كان من المفروض أن تكون تلك زيارة عادية. ففي افتتاح السنة الدراسية يحب الرؤساء والمسؤولون ان يلتقوا أبناء وبنات الأجيال الصغيرة.

شارون من جهته، أفاق في يوم افتتاح السنة الدراسية أمس، على نهار قاس جديد. فهو يعيش أياما عصيبة يحارب فيها من أجل بقائه. ففي حزبه يريدون الاطاحة به بقسوة انتقاما منه على تحطيمه نظرية أرض اسرائيل الكبرى وعلى اعترافه بضرورة ازالة الاحتلال عن الأراضي الفلسطينية ولو بشكل جزئي. ومع ان استطلاعات الرأي تشير الى تأييد واسع له بين الجمهور عموما (53 % يرون فيه أفضل رئيس حكومة) وكذلك لدى مصوتي الليكود (51 %)، الا ان حزبه غاضب عليه. وهو من جهته قرر القيام بحملة خاصة لاستعادة المؤيدين. واختياره هذه البلدة التي تقوم على أطلال البلدة الفلسطينية المعروفة باسم المجيدل، قرب مدينة الناصرة، لم يكن صدفة، فهي أحد معاقل حزب الليكود الأساسية. معظم سكانها من اليهود الشرقيين ومن المتدينين وكذلك من اليهود الروس. وبينهم جميعا يشعر شارون انه بين أهله.

بيد ان حساباته بدت مختلفة تماما عن الواقع. والسبب الأساس يكمن في حرّاسه من جهاز المخابرات. فهؤلاء يؤمنون بأن شخصا ما أو بضع مئات من الأشخاص يخططون لاغتياله. ولذلك يحرسونه بصرامة وفظاظة ويجعلون من كل زيارة له في أي مكان معاناة حقيقية للمضيفين ولجيرانهم.

الزيارة بدأت بالنسبة لسكان الحي في ساعات الفجر. فمنذ منتصف الليل بدأت الشاحنات تصل الى المكان لتفرغ فيه الأجهزة والآليات التي تحتاجها المخابرات حتى توفر الأمن للرئيس شارون : حواجز حديدية نشرت على مداخل جميع الأحياء المجاورة لمبنى المدرسة. خيمة جبارة نصبت على مدخل المدرسة لكي تحجب سيارة شارون عن الانظار وهو يغادر سيارته ليدخل الباب. أكثر من خمسمائة شرطي انتشروا داخل المدرسة (في ساحاتها وممراتها وفوق سطحها) ومثلهم خارجها وفوق أسطح منازلها، مدججين بالأسلحة على اختلافها. حركة السير ميتة، اذ يحظر دخول السيارات وخروجها. ادارة المدرسة، وتنفيذا لتعليمات المخابرات، دعت الأهل الى جلب أولادهم الى المدرسة في الساعة السابعة، اي قبل ساعة تماما من بدء الدراسة. وقد وصلوا فرحين جدا بالمناسبة، فليس في كل يوم يصح لهم ان يروا، وجها لوجه، رئيس الحكومة في بلدة نائية كهذه في الشمال. فما ان وصلوا حتى استمعوا للأمر الأول وهو: لا يجوز ان يدخل أكثر من فرد واحد من الأهل الى الاحتفال. فطردوا بقية أفراد العائلة. ثم الأمر الثاني : تفتيش دقيق لكل من يدخل، بما في ذلك الأطفال. ثم الأمر الثالث: من دخل لا يخرج. واصطف طابور ما بين حاجز وآخر.

وبعد ثلاث ساعات من الانتظار الممض والتفتيش المهين، أتيح لمن بقي في المكان أن يدخل لحضور الاحتفال. وما هي الا عشر دقائق حتى كان الاحتفال قد انتهى وشارون قد غادر بالسيارة، ثم بالطائرة المروحية الى بيته في القدس ليتابع معركته لاسترداد نفسه وعافيته. فقد كانت تلك خطابات تقليدية قصيرة. شارون يمتدح وزيرة المعارف، ليمور لفنات (لأنه يحتاجها الى جانبه في المعركة ضد منافسه نتنياهو) وهي تمتدحه لكي يخصص لها مكانا مضمونا في الحكومة القادمة في حالة فوزه. والشرطة تمنع مغادرة المكان قبل أن يغادر شارون. وهكذا، فقد ظلوا في المكان ثلاث ساعات ونصف الساعة. وعندما غادروا كان عدد الذين هاجموا شارون أكبر من عدد المتفهين لاجراءات الأمن.