العاهل المغربي: عالم اليوم لا يعترف إلا بالدول الديمقراطية القوية والتكتلات الاقتصادية العملاقة

أكد الانفتاح وتوسيع حقوق الأفراد ووضع آليات لحمايتها وتنميتها وتحصينها

TT

قال العاهل المغربي الملك محمد السادس، إن المغرب تبوأ على الدوام صدارة سياساته الداخلية والخارجية الالتزام بالحق والمشروعية وانتهاج سياسة فاضلة تعتمد الأخلاق والوفاء بالعهود، مضيفا أن العمل الدؤوب على تحقيق الإنصاف وترجيح التسوية القانونية لفض كل المنازعات، جاعلا من هذه المبادئ الكونية السامية عماد مذهبه في الحكومة الجيدة سواء لاستكمال بناء وإعلاء صرح الديمقراطية أو لاسترجاع أقاليمه الصحراوية الجنوبية، وإنهاء النزاع المفتعل حول مغربيتها بالحل السياسي المتوافق عليه في نطاق الشرعية الدولية بما يكفل لسكانها حكما ذاتيا في نطاق سيادة المملكة المغربية، ووحدتها الترابية، اقتناعا بعدالة القضية، ويقينا أن المنطق العصري لعالم اليوم لا يعترف إلا بالدول الديمقراطية القوية والتكتلات الاقتصادية العملاقة. وأوضح العاهل المغربي في رسالة وجهها مساء اول من امس إلى المؤتمر الـ49 للاتحاد الدولي للمحامين المنعقد حاليا بمدينة فاس (وسط المغرب) أن حرص بلاده على ترسيخ وتوسيع ما حققته من منجزات ديمقراطية ومكتسبات دستورية مبنية على تفعيل ما التزم به من تشبث بحقوق الإنسان، كما هو متعارف عليها عالميا، جعلها تعمل على الانخراط في الظروف الدولية ورفع التحفظات بشأن بعضها التي صارت غير ذات موضوع مع ما اعتمدناه من تشريعات متقدمة في كل المجالات في إطار استكمال اندماج المغرب التام في المنظومة الحقوقية العالمية، مبرزا أن المغرب أعاد النظر في قانون المسطرة (الاجراءات) الجنائية، معززا بذلك مقومات المحاكمة العادلة، وآخذا بالضمانات التي تحقق المساواة، مشيرا الى تعديل قانون الصحافة والحريات العامة بما يعطي لحرية التعبير مدلولها الحقيقي الملتزم. وذكر العاهل المغربي أن العالم يتجه نحو النمطية والانفتاح ويتجاوز في مسيرته الحثيثة أية نزعة إقليمية أو انغلاق على الذات أو إيثار للخصوصية على الكونية، بما يعنيه ذلك من أبعاد ايجابية تتمثل في المزيد من تقنين حقوق الأفراد وتوسيعها، ووضع الآليات الكفيلة بحمايتها وتنميتها وتحصينها من كل تداعيات سلبية تمس حقوق الإنسان في هويته وحرمته أو في حريته وملكيته أو تعكس انفلات التكنولوجيا المتطورة من المسؤولية الأخلاقية، وهو ما يستوجب التفكير في إرساء دعائم عدالة فعالة تواكب هذا التطور وتصون حقوق الأفراد والجماعات خصوصا في الدول النامية. وأبرز العاهل المغربي أنه في ظل عالم يعرف اهتزازا للمرجعيات القانونية والسلوكية والروحية الفاضلة وتصاعدا للأصوليات الهوجاء ومدا للنزوعات المادية والتشيئية، فإنه يشيد بتركيز الجهود لإصدار الإعلان العالمي لأخلاقيات المهنة، منوها بما جسدته أسرة المحاماة ليس فقط في المجال القضائي، بل أيضا في كل ميادين النضال من أجل كرامة الإنسان وإحقاق الحق، مؤكدا مناهضة كل ممارسة منبوذة قد تعرض الإنسان إلى التعذيب وتخدش كرامته، إذ أفرد المغرب، يقول الملك محمد السادس، مقتضيات جزرية رادعة تنهل من الاتفاقية الدولية ذات الصلة بالموضوع ضمن توجه شمولي وديمقراطي لتحديث وإصلاح قانون الجزاءات في إطار سياسة جنائية متقدمة، موضحا أن المنطلق في هذه الدينامية الحقوقية المتوالية والمتماسكة الحلقات يتمثل في إقدام المغرب على المبادرة الشجاعة والفاضلة لإحداث هيئة للإنصاف والمصالحة تهدف الى الطي الحضاري والنهائي والعادل لماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وأوضح العاهل المغربي أن هذه القيم هي نفسها التي أكد عليها خلال تنصيب هيئة الإنصاف والمصالحة التي أصبحت اليوم في طليعة الهيئات القليلة المشهود لها ليس عربيا وإسلاميا وأفريقيا فقط، بل عالميا من طرف المنظمات المختصة بالريادة لما طبع عملها البناء من إسهام فاعل في جعل ما تنهض به من مهام العدالة الانتقالية.

واشار العاهل المغربي إلى أنه بالموازاة مع ذلك عمل على تجسيد ما يتقاسمه المغرب مع دول العالم المتقدمة من مبادئ تخليق الحياة العامة ومحاربة الارتشاء واستغلال النفوذ بكل أنواعه عبر التوقيع على الاتفاقية الدولية لمحاربة الفساد، والقيام ببلورة مضامينها وتفعيل المحاسبة والمراقبة البرلمانية والقضائية والإدارية في ظل سيادة القانون.

وأكد العاهل المغربي أن بلاده تواصل في توافق والتحام منقطعي النظير مسيرتها الحثيثة والرصينة في اتجاه تحقيق المساواة بين الرجال والنساء في الحقوق والواجبات وضمان التوازن والاستقرار الأسري من خلال مدونة (قانون) جديدة ورائدة للأسرة جمعت بين الحفاظ على الأصالة الوطنية والانفتاح على العصر وإنصاف المرأة ورعاية حقوق الطفل، موضحا أنه في هذا الاتجاه تقرر تمكين أبناء المرأة المغربية من أب أجنبي من الجنسية المغربية تجسيدا لصيانة تماسك العائلة المغربية، وترسيخا لوعي أبنائها بالمواطنة المسؤولة. وأبرز العاهل المغربي أن إطلاق «المبادرة الوطنية للتنمية البشرية» هدفه الأسمى جعل الإنسان في صلب عملية التنمية ومحورها ووسيلتها وغايتها ضمن منظور محرر للطاقات تشكل فيه الديمقراطية رديفا للتنمية والتضامن الاجتماعي وتكافؤ الفرص الكفيل بتمكين كل مغربية ومغربي من الاستثمار الأمثل لمؤهلاتهما في إطار مشاركتهما الفاعلة في الحياة العامة.