أزمة ثقة بين القصر الرئاسي والسراي الحكومي في لبنان ومجلس الوزراء معلق وسط تصاعد الدعوات لاستقالة لحود

في أعقاب الادعاء على القادة الأمنيين بالضلوع في اغتيال الحريري

TT

انعكست نتائج لجنة التحقيق الدولية في قضية اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري مزيداً من التأزم السياسي في العلاقة بين رئيس الجمهورية اميل لحود ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة ومن ورائه «تيار المستقبل» الذي يقوده النائب سعد الحريري. وبدا ان دفاع الرئيس لحود عن قائد لواء الحرس الجمهوري، العميد مصطفى حمدان، غداة توقيفه على ذمة التحقيق في قضية اغتيال الرئيس الحريري، ووصفه بأنه «من افضل ضباط الجيش» ثم دعوته في اليوم التالي القضاء الى «التدقيق» في إفادات المشبوهين أمام المحقق الألماني ديتليف ميليس، أثارا استياء تيار الحريري الذي رأى في مواقف رئيس الجمهورية دفاعاً عن «متهم بجريمة اغتيال أكبر رجل في لبنان»، كما قالت أحد نواب التيار لـ «الشرق الاوسط» امس، وهو ما دفع بالرئيس السنيورة والنائب سعد الحريري الى الرد على لحود بالدعوة الى «عدم التأثير في أعمال القضاء».وفيما ترى اوساط تيار المستقبل ان الرئيس لحود «لا يحق له التدخل في أمور القضاء، وهو سلطة مستقلة»، فهي تفضل انتظار ما سيسفر عنه التحقيق لتحديد «طبيعة العلاقة مع الرئيس لحود» التي بدا امس انها لا تتجه الى الأحسن في ضوء مواقف السنيورة نفسه الذي أبدى تفاؤله بـ«عودة الحكم المدني»الى لبنان، في اشارة واضحة الى رئيس الجمهورية المتهم من خصومه بترؤس «النظام الأمني»، ومن خلال دعوة الناطق باسم كتلة «تيار المستقبل» النيابية النائب وليد عيدو، الرئيس لحود الى انهاء «احتلال القصر الجمهوري»، في مؤتمر صحافي تزامن مع الذكرى السنوية الاولى لتمديد ولاية لحود.

وتهدد الأزمة المتجددة اجتماعات مجلس الوزراء التي كان اتفق على عقدها مداورة بين قصر الجمهوري في بعبدا (برئاسة لحود) والسراي الكبير (برئاسة السنيورة)، ذلك ان الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء محددة الاثنين المقبل برئاسة السنيورة، فيما يفترض ان تنعقد جلسة اخرى الخميس المقبل برئاسة لحود، وهو امر مستبعد في ضوء المعطيات الحالية، كما قال أمس لـ«الشرق الاوسط» احد وزراء حكومة السنيورة.

وكان الرئيس السنيورة، الذي ألغى جلسة مجلس الوزراء اول من امس اثر اصابته بأزمة صحية، قد داوم امس في مقر الحكومة. وقال لدى مغادرته: «ان كل المؤشرات تدل على عودة البلد الى النظام الديمقراطي والحكم المدني»، مؤيداً الفكرة القائلة بتحول لبنان تدريجاً «من الدولة الأمنية الى الدولة الآمنة». وسئل عن خلفية البيان الذي رد فيه على لحود اول من امس، فأجاب: «يجب عدم تناول القضاء لا بالايحاء ولا بأي شكل من اشكال الضغط. فلنترك الأمور تسير كما يجب، وعندها يتطلع الينا الناس باحترام». واضاف: «نحن لدينا ثقة بالقضاء الذي من واجبه ايضاً ان يتخذ خطوات من اجل القيام بإصلاحات داخلية تسمح له بأداء مهامه كاملة».

من جهته، استذكر عيدو امس مناسبة مرور سنة على التمديد لرئيس الجمهورية، اميل لحود، وقال في مؤتمره الصحافي: «كان يوم التمديد لرئيس الجمهورية يوما حزينا، حيث خلافا لإرادة غالبية اللبنانيين والنواب الذين عبروا عن رغبتهم في عدم التمديد بوضوح وعلنية، تمت اجراءات التمديد القسرية في ظل ضغط مادي ومعنوي كبير شهد به العالم كله. واليوم وفي ذكرى مرور سنة على هذا اليوم الأسود، تبدو الصورة مختلفة بعد سقوط الوصاية واعتقال فريق التمديد الممثل في قادة الأجهزة، وبداية حكم ديمقراطي منبثق من انتخابات نيابية عبّر عنها الشعب اللبناني عن خروجه من نظام الارهاب والخوف الى رحاب الحرية والسيادة والاستقلال ودولة المؤسسات والقانون». واعتبر «ان هذه التغييرات الحاصلة لا بد ان تستكمل بإسقاط كل النظام الأمني السابق برموزه كافة، ليس العسكرية فقط بل السياسية. وبالتحديد التمديد الذي كان ابناً شرعياً لهذا النظام الهجين الذي لا بد ان يسقط ايضاً».

وعلق عيدو على تصريحات الرئيس لحود في شأن التحقيق الدولي قائلاً: «بعد مرافعته دفاعاً عن مصطفى حمدان طالبا بشكل غير مباشر البراءة، بما يعنيه ذلك من تدخل بشؤون القضاء، طلع علينا رئيس الجمهورية امس (اول من امس) بمرافعة اخرى أشد خطرا وأكثر إيغالا من الاولى تنتهي بأن يصدر امر اليوم الى الاجهزة القضائية كما سماها مشككا في صدقية التحقيق الدولي ملقيا بالبلاد في مواجهة مع المجتمع الدولي»، مذكّراً لحود بان المادة 64 من الدستور تنص على ان رئيس مجلس الوزراء وليس غيره يعقد جلسات عمل مع الجهات المعنية في الدولة بحضور الوزير المختص (في اشارة الى اجتماع لحود بالمدعي العام التمييزي). كما ذكّره بالمادة 419 من قانون العقوبات، «وهي تأتي في باب الجرائم المخلة بالادارة القضائية وعرقلة سير القضاء. وهي تقول ان من استعطف قاضياً كتابة ام مشافهة لمصلحة احد المتداعين ارتكب جرما يعاقب عليه القانون». وختم بالقول: «لقد آن لهذا الليل ان ينجلي وان ينتهي احتلال قصر بعبدا بعد اغتصابه في 3 سبتمبر (ايلول) 2004 بتخطيط المتهمين انفسهم».

وفي السياق نفسه، أبدى وزير الإعلام غازي العريضي (عضو كتلة «اللقاء الديمقراطي» التي يرأسها النائب وليد جنبلاط) انه لا يستغرب دفاع رئيس الجمهورية عن مصطفى حمدان منفرداً ضمن هذا الفريق «فهذا رئيس الجمهورية، وهكذا يتصرف، وهكذا يتعاطى مع القضايا الكبرى في البلاد».