المطارنة الموارنة: الشبهة ببعض قادة الأمن بجريمة اغتيال الحريري أمر مخجل ومخزٍ جعل الرئاسة الأولى عرضة لانتقادات تطاول هيبتها

رأوا في الانسحاب السوري «حلماً تحقق» وأبدوا قلقهم لـ «تأصل روح الطائفية»

TT

أعرب مجلس المطارنة الموارنة في لبنان عن قلقه حيال «انتشار وتأصل روح الطائفية» في البلاد وقيام أحزاب طائفية «عوض عن ان تكون وطنية». ولاحظ «تزاحماً على الوظيفة بين الطوائف بما يخرج عن مفهوم وثيقة الوفاق الوطني» (اتفاق الطائف) كما لاحظ ان ما وصل اليه التحقيق الدولي بشأن جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري «ارسى الشبهة على متهمين ممن كانوا يتولون السهر على أمن المواطنين» معتبراً ان ذلك امر «مخجل ومخز جعل مقام الرئاسة الاولى عرضة لانتقادات كثيرة». وأمل في «ان يلقى هذا الامر الحل المنشود الذي يزيل كل ابهام».

ووصف مجلس المطارنة في «النداء السادس» الذي اطلقه في ختام اجتماع عقده امس برئاسة البطريرك نصر الله صفير، الانسحاب السوري من لبنان بـ «حلم تحقق راود مخيلة معظم اللبنانيين ما يقارب الثلاثين سنة» معتبراً ان ما تحقق «من شأنه ان يشعر اللبنانيين بأنهم أسياد أمرهم (...) مخيرين في اتخاذ قراراتهم وانتخاب نوابهم ومن سيكون رئيساً لجمهوريتهم». لكن المطارنة الموارنة لفتوا في ندائهم الى «ان للبنان مع سورية علاقات تاريخية متشابكة لا يمكن تجاهلها». وقد استهل المطارنة نداءهم بالملاحظة «ان هناك متغيرات كثيرة (على مدى سنة ونصف) ومنها ما كان ينتظره اللبنانيون بشوق كبير، بعدما كاد اليأس ان يتسرب الى نفوس افراد الشعب اللبناني».

وتحت عنوان «انسحاب الجيش السوري من لبنان»، قال النداء انه «في السادس والعشرين من ابريل (نيسان) من هذه السنة، تحقق حلم راود مخيلة معظم اللبنانيين منذ ما يقارب الثلاثين سنة، فجلا الجيش السوري عن الاراضي اللبنانية، بعد المظاهرة الضخمة التي جرت في الرابع عشر من مارس (آذار) الفائت ومشى فيها جنباً الى جنب مسيحيون ومسلمون اتوا من مختلف المناطق اللبنانية ليجتمعوا في ساحة الشهداء، وما حولها من ساحات في العاصمة اللبنانية، ليطالبوا بجلاء الجيش السوري الذي دعا اليه اعضاء مجلس الامن خاصة فرنسا والولايات المتحدة. وهذا امر من شأنه ان يشعر اللبنانيين بأنهم اسياد امرهم، احرار في تدبير شؤونهم، مخيرون غير مسيّرين في اتخاذ قراراتهم، خاصة في ما يتعلق بانتخاب من يريدون ان يمثلهم تحت قبة الندوة اللبنانية، بحسب النظام الديمقراطي، ومن سيكون رئيساً لجمهوريتهم، ومن سيتولى تسيير امورهم اليومية وغير اليومية من اهل الحكم في لبنان، ومن سيمثل من بينهم امام القضاء ومن تجب ملاحقته، دون تركيب ملفات».

وتحت عنوان «العلاقة بين لبنان وسورية» جاء في النداء «ان للبنان مع سورية علاقات تاريخية متشابكة، لا يمكن تجاهلها. وهي تقضي بالمحافظة عليها عن طريق اقامة تعامل بين دولتين على قدم المساواة على مثل ما هو قائم بين اي دولتين سيدتين مستقلتين، بعيداً عن اي تعال واستكبار، او استكانة واذلال، ودون اقفال الحدود كلما حدث حادث يعكر صفو هذه العلاقات».

وبعدما سجَّل النداء «ايجابية» عودة زعيم «التيار الوطني الحر» النائب العماد ميشال عون من المنفى واطلاق سراح قائد «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع من السجن، اشار الى «عيوب» قانون الانتخابات. كما لاحظ «ان هناك احداثاً تدعو الى القلق، منها مواصلة اجهزة الاستخبارات السورية وغير السورية عملها على الاراضي اللبنانية بطريقة غير منظورة، ومتابعة زرع العبوات الناسفة هنا وهناك، مستهدفة الاخلال بالأمن في المناطق المسيحية، وما رافق ذلك من اغتيالات ومحاولات اغتيال ما يخل بالأمن العام».

وفي ما يتعلق بالقرار الدولي 1559 اشار نداء المطارنة الى انه كان لهذا القرار «وقع مربك على جميع اللبنانيين، فمن جهة انهم مدينون للمقاومة باخراج الجيش الاسرائيلي من جنوب لبنان، بعدما احتله طوال ما يفوق العشرين سنة. ومن جهة ثانية لا يمكنهم الا ان يعترفوا بما نص عليه الدستور اللبناني، شأن جميع الدساتير في كل بلدان العالم، وهو انه لا يستوي امامه اعزل ومسلح، وان المواطنين سواسية امام القانون. وعلاوة على ذلك، ان جمع فئة من اللبنانيين بين الاشتراك في السلطة الرسمية عبر من لها من نواب ووزراء، وحملها السلاح خارج القوى الرسمية المسلحة، امران يتناقضان، ولا يجتمعان، ولا يأتلفان» داعياً الى «حل هذه القضية عبر حوار داخلي صادق صريح، بحيث لا يخرج لبنان على الشرعية الدولية، ولا يهمل، في آن واحد، ما له حق فيه من الدفاع عن اراضيه بما يتيسر له من وسائل».

وبعدما تطرق نداء المطارنة الى قضايا الفساد في الادارة اللبنانية وهدر اموال الدولة و»الشكوى العارمة» من القضاء والنزف المستمر الذي يدفع الشباب الى الهجرة اشار الى «تزاحم على الوظيفة بين الطوائف في لبنان، واصرار بعض النافذين على اعطاء هذه الوظائف لمن يأتمرون بأمرهم (...) وخروج هذا المفهوم عن وثيقة الوفاق الوطني». ولاحظ «ان روح الطائفية، بدلاً من ان تتراجع، نراها تنتشر وتتأصل. وهذا مدعاة قلق، فنرى الاحزاب عندنا طائفية في مجملها، عوض ان تكون وطنية».

واشار النداء الى «البلبة في صفوف المواطنين بانتظار نتائج التحقيق الدولي في مقتل الشهيد الرئيس رفيق الحريري ورفاقه». ولاحظ ان «ما يبعث على الخوف هو عجز الدولة عن كشف فاعل التفجيرات التي تتوالى بين الحين والحين». وبعدما دعا «الدولة لأن تحزم امرها والحكومة لتؤكد تضامنها» خلص الى القول: «ان ما توصل اليه التحقيق الدولي اخيراً من معلومات ارست الشبهة على بعض المتهمين ممن كانوا يتولون السهر على أمن المواطنين، لهو حقاً مخجل ومخز، في آن واحد، ما جعل مقام الرئاسة الاولى عرضة لانتقادات كثيرة تطاول ما يجب ان يكون لها من هالة احترام ووقار. ونأمل ان يلقى هذا الامر الحل المنشود الذي يزيل كل ابهام».