مشاهد من لجان الانتخابات: رجال الأمن تلقوا توعية بعدم الدخول في جدل والناخبون فوجئوا بخفض أسعار المواصلات

TT

في الصباح الباكر انطلقت مئات من السيارات المحملة بالآلاف من جنود وقوات الأمن المركزي عبر مختلف شوارع القاهرة متجهة إلى أماكنها المحددة سلفا، أمام لجان الاقتراع، لتأمين العملية الانتخابية ومنع أية محاولة للخروج على الشرعية.

كانت الابتسامة تعلو وجوه الجميع من أصغر رتبة إلى أكبر رتبة، على الرغم من أن سائق التاكسي الذي أقلني في السابعة من صباح أمس من قلب القاهرة تمنى وهو يحاورني أن يمر الىوم (أمس) بسلام وبدون أية مشاكل.

عندما اقتربت من أحد الضباط، الذي وافق بعد تردد على الحديث معي، مشترطا عدم تعريفه، قال بلهجة رسمية نحن مهمتنا الىوم تأمين الانتخابات والحيلولة دون حدوث أية عمليات شغب أو تخريب من بعض الذين قد ينتهزون الفرصة للقيام بأعمال مناوئة للقانون.

وأوضح أن مهمة قواته لا تقتصر فقط على تأمين اللجنة من الخارج، بل تمتد أيضا لتأمينها من الداخل. وشرح أنه أمضى الليلة السابقة على الانتخابات في توعية جنوده بعدم الدخول في محادثات كلامية من أي نوع مع الجمهور أو التورط بأي جدل حول الانتخابات، مشيرا إلى أنه أبلغ الجنود بأن العالم كله يرانا الىوم بترقب ليرى كيف ستسير الانتخابات.

على باب لجنة مدرسة رفاعة الطهطاوى بمحافظة الجيزة، انتشر عشرات من مندوبي المرشحين العشرة، الذين يتنافسون على الفوز بمنصب رئيس مصر للسنوات الست القادمة، بينما بدأت بعض السيارات المحملة بالصبية من أعمار متفاوتة لا تتجاوز الخامسة عشرة، تردد خلف من يجلس بجوار سائقها: انتخبوا مبارك. وظهرت صورة كبيرة للرئيس المصري حسنى مبارك على متن سيارة نقل متوسطة الحجم يعتليها بعض المناصرين، الذين بدأوا في توزيع ملصقات وأوراق دعائية تطلب التصويت لصالح الرئيس المرشح.

ارتدى بعض الشباب «تى شيرتات» تحمل صور الرئيس مبارك، إلى جانب صور لعدد من أعضاء مجلس الشعب، قيل لي انهم تبرعوا بتكالىف هذه الملابس، في إطار دعمهم للحملة الانتخابية للرئيس. عندما كانت عقارب الساعة تشير الى الثامنة إلا دقيقتين، وصلت سيارة تحمل المشرفين على الانتخابات في هذه اللجنة، بعدها بنحو نصف ساعة ظهر أول ناخب يريد الإدلاء بصوته. قدم بطاقتيه الشخصية والانتخابية لرئيس اللجنة، وهو شاب لا يتجاوز عمره الأربعين عاما، وبعد بحث استغرق ربع ساعة عن اسمه سمح له للإدلاء بصوته. وداخل صندوق خشبي متهالك، يخفي ما بداخله، ألقى الناخب ورقة الاقتراع بعدما طواها، وسط تصفيق من بعض مؤيدي مرشح الحزب الوطني وصيحات النصر والتهليل. قال لي الرجل، وهو يعمل مدرسا للغة العربية بإحدى مدارس القاهرة، لقد صوت لصالح مبارك، انه الأصلح وسيفوز حتما بنتيجة هذه الانتخابات.

في لجنة أخرى بضاحية شبرا، ذات الكثافة السكانية العالية بشمال القاهرة، اصطف العشرات من الناخبين داخل اللجنة، التي شهدت تواجدا أمنيا كثيفا داخلها وخارجها بسبب طبيعة المنطقة، التي ينتشر فيها الأقباط.

قال الحاج علي سليمان، البالغ من العمر ستين عاما، انه فوجئ لدى ركوبه مترو الأنفاق، بان المسؤولين قرروا تخفيض أسعار المواصلات العامة، تسهيلا على المواطنين لكي يتمكنوا من الإدلاء بأصواتهم. لكن مع ذلك رفض الحاج سليمان إلحاحي المتكرر لمعرفة اسم المرشح الذي صوت له، وأضاف هذا أمر خاص ليس من شأنكم، المهم إنني حضرت الانتخابات، أما لمن صوت، فهذا أمر يخصني وحدي.

وبدا لي أن الرجل، الذي كان يتحدث بحماس عن ضرورة إعطاء الشباب الفرصة لتولى المسؤولية، قد أدلى بصوته لصالح أحد المرشحين التسعة المتنافسين أمام الرئيس مبارك في هذه الانتخابات.

في لجنة أخرى بضاحية الزاوية الحمراء، وزع أحد أعضاء مجلس الشعب وجبة شعبية عبارة عن علبة كشرى على كل المتواجدين في اللجنة، سواء الناخبين أو غيرهم، فيما أقام آخر صوانا كبيرا من قماش الخيم المموه والمزركش، تولى أمره بعض الشباب الذين كانوا يدعون الناس الى التصويت لصالح مبارك.

في المقهى المجاور للجنة الانتخابية، التي عقدت بإحدى المدارس الابتدائية قال لي المهندس زكريا السويفى، إنه لن يذهب للإدلاء بصوته لأن النتيجة معروفة ومحسومة سلفا لصالح مرشح الحزب الوطني. ويعتقد زكريا أنه على الرغم مما يصفه بالأخطاء الكبيرة التي وقعت خلال السنوات الأربع والعشرين الماضية وارتفاع الأسعار والتضخم المتزايد، فضلا عن تفشى ظاهرة البطالة وتدهور الوضع الاقتصادي وانخفاض قيمة الجنيه المصري، فانه لا بديل عن مبارك.

وما قاله لي زكريا سمعته أمس مئات المرات من مصريين بسطاء، سعيت الى استقصاء آرائهم والتعرف على رؤيتهم للمرحلة القادمة.

ونغمة «اللي نعرفه أحسن من اللي ما نعرفوش»، هي السائدة في الشارع المصري، على الرغم من أن النخب السياسية والمثقفة قاتلت على مدى الشهور الستة الماضية الى رفع شعارات من نوع لا للتوريث وكفاية لحكم مبارك.

يشير الدكتور محمد السيد، خبير العلوم السياسية، الى أن المشكلة الحقيقية هي في حالة الانفصال التي تعيشها النخبة عن بقية الرأي العام المصري، مشيرا الى أنه في كل المجتمعات المتحضرة فان النخبة تقود الرأي العام الى التغيير، أما في مصر فما زالت الغالبية العظمى من الشعب عازفة عن العمل بالسياسة أو حتى الاهتمام بها.

قال محمد حسان وهو صاحب ورشة لإصلاح السيارات، «الناس عايزة تعيش، وتمضي طول اليوم بحثا عن الجنيه، أما السياسة فلا توفر ذلك، إنها مشاكل له ولأسرته».

في طريق عودتي بدت شوارع القاهرة هادئة نسبيا خلافا لما كان عليه الوضع في الأيام القليلة الماضية، لكن كان بالإمكان ملاحظة هذا الانتشار الأمني، الذي تقول مصادر في الحكومة المصرية إنه يهدف الى منع أية عملية إرهابية محتملة للتشويش على سير العملية الانتخابية.

وكان رئيس الوزراء المصري الدكتور احمد نظيف قد تعهد أمس بإجراء انتخابات رئاسية حرة ونزيهة، مشيرا الى أن هذه الانتخابات تتم تحت مراقبة العالم.

وقال نظيف، إن حكومته جادة بإجراء انتخابات حرة ونزيهة، موضحا أن مصر لديها من الضوابط ما يكفي لضمان حسن سير العملية الانتخابية، خصوصا أنها دولة عريقة لها خبرة كبيرة في إدارة العملية الانتخابية منذ 150 عاما، وان بعض الدول ليس لديها الخبرة.