بخاخ لاستنشاق الأنسولين .. بديل جديد عن حقن مرضى السكري

عبوة لمسحوق الأنسولين تستنشق عبر الشهيق بالفم لإيصال الأنسولين إلى الرئتين على غرار بخاخات الربو

TT

لم يتبق سوى إجراء شكلي نهائي أمام البدء بالإنتاج الواسع لشركة «فايزر» واستخدام الملايين من مرضى السكري لمسحوق الأنسولين المتناول عبر استنشاق الفم، ومنه إلى الرئتين، بعد أن قدمت اللجنة العلمية الاستشارية التابعة لإدارة الغذاء والدواء الأميركية رأيها العلمي يوم الخميس، وأعلنت أن هذه الوسيلة في تناول الأنسولين مناسبة جداً للمرضى، وحثت الإدارة على دعم ذلك لتنهي مرحلة طويلة من الجدل العلمي حول أمان وسلامة استخدامه. وصوتت اللجنة أثناء انعقاد جلساتها في واشنطن مرتين، وكانت النتيجة في كل مرة 7 ضد 2 لصالح دواء إكسيبيرا المكون من مسحوق الأنسولين في عبوة تستنشق عبر الشهيق بالفم لإيصال الأنسولين إلى الرئتين، حيث تتولى الشعيرات الدموية فيهما امتصاصه لدخوله إلى الدم أسوة بما هو مستخدم في علاجات الربو. الطريقة الجديدة والتي طالما انتظرها ملايين المرضى تغني عن الحقن اليومي المتكرر لدواء الأنسولين عبر الوخز تحت الجلد، خاصة تلك التي تؤخذ عادة قبل تناول الطعام. والدواء الجديد بعد صدور الموافقة النهائية لإدارة الغذاء والدواء بالولايات المتحدة والتي عادة ما تصادق على قرار اللجنة العلمية التابعة لها، سيكون له استخدام ذو صدى واسع لدى الملايين من مرضى السكري البالغ عددهم في الولايات المتحدة وحدها فقط حوالي 18 مليون إنسان في مختلف الأعمار، لينشئ من ذلك سوقاً جديداً بحجم مليوني دولار سنوياً للشركات المنتجة. بخاخ أنسولين

* طريقة تناول الأنسولين عبر استنشاق الفم تضافرت في تطويره وإنتاجه جهود أميركية ـ فرنسية لشركة فايزر العملاقة للأدوية وشركة سانوفي ـ أفنتس، بالإضافة إلى خبرات حلول شركة نكتار في تقنيات وصول الأدوية عبر الفم إلى الرئتين. ونقلت وكالة «أسوشييتد برس» عن الدكتور بول وولف رئيس اللجنة وطبيب أمراض الغدد في مركز كروزر شيستر الطبي في أبلاند بولاية بنسلفانيا، أن دواء إكسيبيرا يحتوي على أنسولين من النوع السريع المفعول والقصير أمد التأثير، وهو يغني عن جرعات الأنسولين المأخوذة عادة قبل تناول وجبات الطعام. بيد أن هذا لا يعني أن استخدامه يعفي المرضى من تناول الأنسولين ذي المفعول البطيء، لكنه فعال لوقت طويل لأن حاجتهم تظل باقية إليه. فكما هو معلوم فإن هرمون الأنسولين المعالج لارتفاع سكر الدم والذي يتم حتى اليوم تناوله عبر حقن الإبر تحت الجلد، هو في الحقيقة عبارة عن عدة منتجات تتوفر في الصيدليات، منها ما يكون فعالاً بسرعة لكن لساعات محددة ومنه ما يأخذ ساعات كي يبدأ عمله، لكن يظل فعالاً لساعات طويلة، وعلاج المرضى ممن يعانون من ارتفاع السكر يكون عبر برتوكول مكون من كلا النوعين للتمكن من تغطية خفض ارتفاع السكر في فترات اليوم كلها.

مضاعفات

* الصعوبة التي واجهها دواء أكسيبيرا تمثلت في جانبين; هما عدم وثوق الأطباء من تمكن المرضى من استخدام طريقة استنشاق الدواء بصورة سليمة وفاعلة، وهو ما يظل المشكلة الرئيسية في وسائل إعطاء الأدوية عبر الفم إلى الرئتين، وهي نفس المشكلة التي يعاني منها مرضى آخرون، خصوصا مرضى الربو. والأمر الآخر هو الخوف من مضاعفات قد يحدثها تراكم مسحوق الأنسولين في الرئتين علي قدرات الرئة في أداء وظائفها. وهناك معوقات أخرى تمثلت في عدم مناسبة الطريقة الجديدة لمرضى السكري من المدخنين، إذ بحسب الدراسات التي تمت حتى اليوم فإن امتصاص الرئة لدى المدخن لمادة الأنسولين المستنشقة هو أعلى مما يتم في غير المدخنين، الأمر الذي قد يؤدي إلى مضاعفات نتيجة دخول كميات عالية نسبياً من الأنسولين إلى الدم، وبالتالي خفض أقوى لنسبة السكر مما يخشى منه حصول حالات الإغماء.

الشركة المنتجة ذكرت أن الدراسات التي تمت واستغرقت سنوات، أشارت إلى أن هناك قصورا يحصل في قدرات الرئة الوظيفية نتيجة دخول الأنسولين إلى الرئة بشكل متكرر يومياً، لكنه أمر مؤقت يزول أثره السلبي بعد أسابيع من الاستخدام المتواصل، كما أن المتابعة عبر الدراسات تشير إلى أن سنتين من الاستخدام لم تظهرا انخفاضاً سيئاً في قدرات الرئة على الإطلاق، وأن التوقف عن تناوله يعيد حال الرئة إلى سابق عهدها، أي أنه قصور بسيط، ولا يتطور مع الوقت، ويزول بوقف تناول الدواء على حد قول شركة فايزر المنتجة، لكن هناك نسبة من المرضى ستعاني من سعال ذي درجة بسيطة، كما صرح مندوبو الشركة المنتجة وإدارة الغذاء والدواء. التدخين أو وجود أمراض في الرئة سيكونان مانعاً من تناول الأنسولين عبر هذه الطريقة، الأمر الذي علق عليه الدكتور جيمس ستوللر من كليفلاند الذي صوت ضد القرار لأن العديد من مرضى السكري لديهم أمراض في الرئتين لم يتم اكتشافها، وطالب بمزيد من الدراسة لبيان تأثير مسحوق الأنسولين على الرئتين. وتزمع الشركات المنتجة المتنافسة متابعة الدراسات حول تأثيره على الرئة حتى عام 2019.

ريبيكا ولكز كيليون ممثلة المرضى في اللجنة صرحت للوكالة بأن توفر طريقة استنشاق الأنسولين سيسهل تقبل الكثير من مرضى السكري لتناول الأنسولين ممن لا يقبلونه اليوم، وتظل الإبر عائقاً أمام استفادتهم من علاجه، فبحسب قولها إن أربع حقن يومياً شيء في غاية القسوة والكثيرون قد تعبوا من ذلك حقاً وبعضهم قد حل به الرعب من مجرد ذكرها. والحقيقة أن معاناة المرضى هي أساس البحث في الأمر وهم المعنيون بالدرجة الأولى من كل القضية، وموازنة الأطباء بين أمر السماح من عدمه، هو أمر غاية في الحساسية، فمن غير المعقول مقارنة المخاطر المحتملة من تناول الأنسولين عبر استنشاق الفم لإيصاله إلى الرئتين بصعوبات تناوله عبر حقن الإبر لعدة أمور، منها أن أحداً لم يقل إن حقن الإبر آمن حتى اليوم، فهناك الحساسية الجلدية التي تنشأ لدى المرضى، وهناك تحلل طبقة الدهون التي تحت الجلد بتكرار الحقن اليومي لسنوات طويلة، وهناك احتمالات حصول التهابات في موضع الحقن، وهناك الصعوبات التي لا يدركها سوى المباشرين للعلاج من صعوبة حفظ الأنسولين في درجات حرارة مناسبة وحمل حقيبة خاصة به في كل مكان يذهب إليه المريض وصعوبة حساب الكمية عند ملء الإبرة، خاصة ممن لديهم ضعف في النظر وهم كثر بين مرضى السكري أو من قبل الأطفال.

إن توفر وسيلة لتناول الأنسولين غير طريقة الإبر أصبح ضرورة، أضف إلى هذا ما يواجهه الأطباء من امتناع المرضى عن تناول الأنسولين بمجرد ذكر أنه يجب أن يتم عبر الإبرة مما يجعل ملايين المرضى يعانون من مضاعفات ضعف التحكم بنسبة السكر، الأمر الذي يقود إلى مضاعفات توصف بحق أنها مهددة لحياة الإنسان على المديين المتوسط والبعيد. وتظل مسألة الآثار على الرئة محل دراسة، لكنها لم تثبت حتى اليوم بشكل مؤثر والحديث عن نشوء سرطان الرئة يظل حبيس التخمينات.

الخطوة اليوم في توفير أنسولين مستنشق هي خطوة أولية أسوة بما مر من أول أيام استخدام الأنسولين، إذْ كان من النوع سريع المفعول قصير أمد الأثر، ثم تطور بظهور أنواع أمضى أثراً، وهو المتوقع اليوم، فأول الإنتاج الآن هو السريع المفعول والأيام القادمة يجب أن تشهد جهوداً من الباحثين لإنتاج الأنواع ذات المفعول الطويل الأثر، الأمر الذي سيغني عن حقن إبر الأنسولين بالكلية.