إقرار الوثيقة الختامية لقمة الأمم المتحدة غداً من دون إحراز إصلاحات واسعة

الاتفاق على مفوضية بناء السلام ولجنة حقوق الإنسان

TT

من المتوقع أن يتبنى يوم غد الجمعة قادة الدول، المشاركون في أعمال قمة الأمم المتحدة في نيويورك وثيقة ختامية مخففة اللهجة لم تر النور الا بعد مفاوضات صعبة انتهت باتفاق بين الدول الأعضاء في المنظمة الدولية ـ باستثناء كوبا وفينزويلا اللتين أبديتا تحفظهما ـ في الساعات الأخيرة قبل افتتاح القمة. وجاء التحفظ الكوبي ـ الفينزويلي لأسباب تقنية تتعلق بتأخير ترجمة الوثيقة الختامية التي تضم 35 صفحة، من اللغة الانجليزية الى اللغات الرسمية الأخرى، فلم يتح الوقت الكافي لدراستها من قبل بعض الاعضاء.

وانتهت المفاوضات المكثفة التي انخرطت فيها مجموعة مصغرة من المندوبين الدائمين لدى الأمم المتحدة عشية بدء القمة، حتى بعد وصول بعض الوفود الدولية الى نيويورك. وتوصل المندوبون الى صيغة توفيقية للحفاظ على ماء الوجه، بعد فشل الدبلوماسيين في الاتفاق على التفاصيل المهمة المتعلقة بمجموعة من القضايا الحساسة، وفي مقدمتها مسألة تأسيس مجلس جديد لحقوق الانسان وتعريف الارهاب واصلاح ادارة الأمم المتحدة. وتشكل هذه القضايا وغيرها جزءا من برنامج الاصلاح الطموح الذي قدمه الأمين العام للأمم المتحدة، كوفي أنان، الى الدول الأعضاء في المنظمة الدولية في مارس (اذار) الماضي، عندما حث هذه الدول على تبني البرنامج بكامله من دون تجزئته. وكانت المفاوضات المتعلقة بمسألة توسيع المجلس من عضويته الحالية (15 دولة) الى 25 دولة قد واجهت طريقاً مسدوداً، مع ظهور تنافس حاد بين عدد من الدول البارزة في كل مجموعة اقليمية، وذلك بعد تركيز شبه تام عليها بدون سواها من القضايا المدرجة على جدول أعمال القمة. وكان أنان يعلق آمالاً كبيرة على تحقيق هذه الاصلاحات، خصوصاً في ضوء الانتقادات الشديدة التي تعرضت لها الأمم المتحدة نتيجة الفضائح المادية اخيراً. بيد أن الخلافات الجوهرية التي فرّقت بين الدول في مسائل عدة، من الارهاب الى عدم التسلح ومنع انتشار الأسلحة النووية الى القضايا التنموية والتزام الدول بالحد من مستوى الفقر في العالم، مروراً بقضية الاصلاحات الادارية في الأمم المتحدة ودور الجمعية العامة وتأسيس مجلس جديد لحقوق الانسان المثير للجدل، حالت دون إصدار وثيقة ختامية تتماشى مع التوقعات الطموحة التي رافقت القمة. ويدل اسقاط أية اشارة الى مسألة ازالة أسلحة الدمار الشامل ومنع انتشار الأسلحة النووية من الوثيقة الختامية التي يتبناها غداً رؤساء الوفود على مدى تباين المواقف بين الدول الأعضاء. ووصف الأمين العام للأمم المتحدة عدم الاشارة الى هذه المسألة بـ«الأمر المخزي»، مشيراً الى ضرورة ابداء قادة الدول القيادة المطلوبة خلال وجودهم في نيويورك لإعادة النظر في هذه المسألة. تسوية النقاط الخلافية

* من بين القضايا التي شكلت عائقاً اساسياً أمام مفاوضات الدبلوماسيين في محاولتهم للخروج بوثيقة جماعية؛ مسألة تأسيس مجلس مصغر لحقوق الانسان لا تتعدى عضويته 24 دولة. وهذا ما تسعى اليه الولايات المتحدة والدول الغربية، للحد من فرص انضمام الدول التي تعتبرها واشنطن وبعض العواصم الغربية منتهكة لحقوق الانسان الى المجلس الجديد. بيد أن الصيغة النهائية للوثيقة ألغت بعض التفاصيل المتعلقة بعضوية هذا المجلس وآلية عمله بعد ابداء دول «الجنوب» النامية اعتراضها عليها. واكتفت الوثيقة بتخصيص أربع فقرات قصيرة لهذه المسألة مع إرجاء التفاصيل المتعلقة بحجم المجلس وعمله الى وقت لاحق خلال الدورة الـ60 للجمعية العامة. وكانت الولايات المتحدة قد اضطرت الى اسقاط شرطها بانتخاب أعضاء المجلس بأغلبية ثلثي أعضاء الجمعية العامة، بعد اصرار شديد أبدته بعض الدول على أن يتم ذلك بأغلبية بسيطة.

وفي ما يتعلق بمسألة الاصلاحات الادارية في الأمم المتحدة، انتهت المفاوضات الى عدم تحويل صلاحيات تنفيذية واسعة من الجمعية العامة الى الأمين العام للأمم المتحدة، رغم المحاولات الأميركية بتحقيق ذلك. واكتفت الوثيقة، التي خصصت صفحتين كاملتين لهذه المسألة، بدعوة الأمين العام الى تقديم اقتراحاته الى الجمعية العامة في ما يتعلق بالشروط والاجراءات اللازمة لتحقيق التزاماته الادارية. وكانت الدول النامية وقفت ضد أية محاولات لتقليص سلطة الجمعية العامة ومنح الأمين العام سلطات أوسع في ظل غياب نظام فعال للمراقبة والشفافية.

أما في ما يتعلق بمسألة تعريف الارهاب، فنصت الوثيقة الختامية على ادانة شديدة للارهاب بكافة أشكاله، مع التشديد على ضرورة بذل الجهود اللازمة لعقد اتفاقية شاملة حول الارهاب خلال الدورة الحالية للجمعية العامة، ولكن بدون تقديم أي تعريف للارهاب. وكانت الدول العربية والاسلامية قد حققت نصراً صغيراً في الفقرة السادسة من الوثيقة التي تضم 163 فقرة، تحت عنوان «المبادئ والقيم»، مع الإبقاء على اشارة الى اعادة التزام قادة الدولة بتأييد «حق تقرير المصير للشعوب التي لا تزال تعيش تحت السيطرة الاستعمارية والاحتلال الأجنبي». وفي ختام المفاوضات التي أدت الى ولادة الوثيقة الختامية بعد جهود متواصلة بذلها مندوبو 32 دولة اعترفت الولايات المتحدة بأنها لم تحصل على كل ما كانت تسعى اليه. وقال نائب وزير الخارجية الأميركي، نيكولاس بورنز، ان ما تم التوصل اليه «يشكل بداية جيدة، وإن لم يكن يمثل نصراً كاملاً». واعتبر مندوب بريطانيا الدائم لدى الأمم المتحدة، امير جونز باري، الذي تفاوض على الوثيقة باسم الاتحاد الأوروبي، ان الاتفاق على الوثيقة الختامية هو «انجاز كبير». وعبر مدير مكتب الأمين العام، مارك مالوك براون، بدوره عن ارتياح الأمانة العامة لإقرار الوثيقة الختامية قبل بدء القمة، مشيراً الى الوضع المحرج الذي كانت ستجد الوفود الدبلوماسية نفسها فيه لو وصل رؤساء الدول الى حفل الافتتاح من دون وجود الوثيقة الختامية. واعترف بأن نتيجة المفاوضات لم تأتِ بكل ما كان يتمناه الأمين العام، مؤكداً في الوقت نفسه على أن الوثيقة تعكس حصول الأمم المتحدة على مسائل حيوية عديدة، بما فيها تأسيس مجلس لحقوق الانسان ومفوضية جديدة لبناء السلام. واعتبر المسؤول أن «الفشل الوحيد في الوثيقة هو عدم تطرقها الى مسألة التسلح ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل».