دوفيلبان يهدد إيران بإحالة ملفها النووي إلى مجلس الأمن

الضغوط على إيران في نيويورك تعيد الذاكرة إلى الحرب على العراق

TT

دعا رئيس الوزراء الفرنسي دومينيك دوفيلبان ايران «بحزم» امام الامم المتحدة الى «التقيد» بالتزاماتها في مجال عدم الانتشار النووي. وجاء التحذير الفرنسي في وقت تحاول الولايات المتحدة الضغط على ايران لتعليق برنامجها النووي، بين ادعاءات بأن هذا البرنامج لديه استخدامات عسكرية في وقت تنفي طهران ذلك, وأعادت الضغوط الدولية على ايران في نيويورك الاذهان الى اجتماع مجلس الأمن قبل ثلاثة أعوام، حين جزمت الولايات المتحدة أمام العالم بأن العراق يمتلك اسلحة دمار شامل تستدعي العمل العسكري ضده.

وحث دوفيلبان طهران أمس على متابعة «الحوار» الدبلوماسي، محذراً من احالة ملفها النووي الى مجلس الامن. وأنذر الوزير الفرنسي في مجلس الامن: «اذا لم تف دولة بالتزاماتها المترتبة عليها بموجب معاهدة عدم الانتشار النووي فانه من المشروع بعد استنفاد سبل الحوار، رفع الامر الى مجلس الامن». واضاف: «من هذا المنطلق تدعو فرنسا ايران بحزم الى التقيد بقرارات الوكالة الدولية للطاقة الذرية والى احترام تعهداتها الدولية وفي المقام الاول اتفاق باريس».

وكان خطاب دوفيلبان أمس مختلفاً عن خطابه قبل ثلاثة أعوام تجاه العراق، عندما ابدى معارضته الشديدة لاستخدام القوة ضد العراق حيال ملف برنامجها النووي والكيماوي. وكان مراقبون توقعوا خضوع رئيس الوزراء الفرنسي لمراقبة دقيقة من قبل الاميركيين الذين لا يزالون يتذكرون خطاباته الحماسية المعارضة للحرب على العراق. وبعد عامين ونصف العام على غزو العراق، تجد الولايات المتحدة نفسها في موقف حرج بسبب الجدل حول اسلحة الدمار الشامل العراقية بعدما عجزت عن العثور عليها في هذا البلد.

واليوم، على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، تحاول إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش إقناع حلفائها بأن ايران تسير بخطى سريعة باتجاه انتاج اسلحة نووية. وقبل شهر من انعقاد جلسات الجمعية العامة في دورتها الستين، اجتمع مسؤولون اميركيون بحلفائهم في فيينا وحاولوا اثبات النشاط النووي الايراني. ومن خلال عرض لصور التقطت بالأقمار الصناعية وإثارة افتراضات مثيرة للقلق، قدم مسؤولون اميركيون «ادلة» عن البرنامج النووي الايراني لدبلوماسيين يمثلون ما يزيد على 12 دولة قي فيينا الشهر الماضي. وقال عدد من هؤلاء الدبلوماسيين ان العرض، الذي قدم تحت عنوان «تاريخ من الغش والمراوغة»، يهدف الى كسب حلفاء الى جانب واشنطن لزيادة الضغوط على الحكومة الايرانية ولتبديد أي غموض بشأن الأدلة على نوايا إيران العسكرية واستبعاد التوضيحات الايرانية البديلة باستخدام البرنامج النووي لأغراض مدنية.

وقال دبلوماسيون ومسؤولون اميركيون ساعدوا في تنظيم هذا العرض انه يهدف الى إثبات ان الادلة المتوفرة تشير بقوة الى نتيجة مفادها ان البرنامج النووي الايراني يهدف الى انتاج اسلحة نووية، إلا ان الاستخبارات الاميركية نفسها اقرت بأن الاخرى واردة، رغم انه ليس هناك ما يثبت ذلك. واعترف مسؤول اميركي بأن المشكلة تكمن في ان الادلة المقدمة ليست حاسمة ونهائية. وقال المسؤولون الاميركيون الذين اطلعوا الدبلوماسيين على جوانب النشاط النووي الايراني انه ليس بالإمكان التوصل الى نتائج اخرى. وقال المسؤول الاميركي، الذي وافق على الحديث حول الجلسات التي جرت من خلف الكواليس شريطة عدم نشر اسمه، ان الإطلاع على الوضع النووي الايراني كان شهر قبل انعقاد الجمعية العامة للامم المتحدة. ويعتزم الرئيس الاميركي جورج بوش ووزيرة خارجيته كوندوليزا رايس انتهاز فرصة انعقاد الجمعية العامة للامم المتحدة في محاولة التوصل الى اتفاق حول التهديد بفرض عقوبات دولية على ايران. وتعتبر مشاركة الرئيس بوش بصورة مباشرة في هذه القضية تصعيداً لمساع وجهود على مدى عامين لمثول ايران أمام مجلس الأمن، الذي يملك سلطات لفرض عقوبات على طهران ما لم تتخلى عن تكنولوجيا تمكنها من تخصيب اليورانيوم. وأقر مسؤولون اميركيون بصعوبة الحملة ضد ايران في ظل معارضة دول حليفة رئيسية لواشنطن، تخشى ان تكون هذه الجهود مقدمة لحملة عسكرية ضد ايران. وقال عدة دبلوماسيين ان العرض الذي قدم باستخدام شرائح توضيحية على شاشات عرض خاصة يذكرهم بالعرض الفاشل الذي قدم كدليل على امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل بواسطة وزير الخارجية الاميركية السابق كولن باول أمام مجلس الأمن في فبراير (شباط) 2003.

واعترف روبرت جوزيف، المساعد بوزارة الخارجية الاميركية لشؤون الحد من التسلح والأمن الدولي، الاسبوع الماضي بأنه على الرغم من التأييد الاوروبي لموقف الولايات المتحدة في هذه القضية، فإن إدارة الرئيس بوش واجهت صعوبات في إقناع الدول الاخرى بضرورة مواجهة ايران عواقب على برنامج نووي تعمل على إقامته سراً. وتشارك عدة دول، مثل الهند وروسيا والصين وجنوب افريقيا، الولايات المتحدة شكوكها إزاء النوايا الايرانية، إلا ان ثمة خلافات عميقة بينها وإدارة الرئيس بوش إزاء التعامل مع هذه القضية. وتبدي هذه الدول شكوكا تجاه أهداف بوش الذي قال في وقت سابق ان «كل الخيارات مطروحة على الطاولة فيما يتعلق بالتعامل مع ايران». من جانبه قال الرئيس الباكستاني برويز مشرف، وهو حليف مقرب لإدارة الرئيس جورج بوش، ان التجربة العراقية تؤثر على النقاش حول ايران. ورفض مشرف لدى سؤاله حول هذه القضية التكهن بما اذا كانت ايران، التي تلقت سراً مساعدة من كبار علماء باكستان النوويين، قد حصلت على تصميمات لإنتاج اسلحة نووية. إلا ان مشرف قال انه يشعر بالثقة في ان اهداف ايران حاليا سلمية وان لا حاجة الى إجراء من جانب مجلس الأمن. ونظمت في نيويورك لقاءات للرئيس الايراني محمود احمدي نجاد، الذي يشارك في قمة الامم المتحدة، ويقول مسؤولون ايرانيون انه سيستغل هذه القمة للرد على الاتهامات الموجهة الى ايران بشأن برنامجها النووي. وظل دبلوماسيون ايرانيون على اتصال وثيق مع دول مثل اليابان، التي تعتمد بصورة رئيسية على النفط الياباني. ومن المتوقع ان تظهر النتيجة النهائية لمساعي وجهود الجانبين يوم 19 سبتمبر لدى اجتماع دبلوماسيي 35 دولة في الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا للتوصل الى ما اذا يجب عرض مسألة ايران على مجلس الأمن.

* خدمة «واشنطن بوست» (خاص بـ«الشرق الاوسط»)