خبيرة بريطانية : التعاون الأوروبي ـ المتوسطي لمكافحة الإرهاب لا يزال «حبراً على ورق»

TT

أثار خبراء وسياسيون امس تساؤلات حول سلامة بعض الاجراءات الامنية التي اعلنت عنها بريطانيا وجدواها العملية. ولفتت اليزابيث ويلهيرست، وهي الموظفة السابقة التي اشتهرت في اطار الكشف عن تردد المدعي العام البريطاني اللورد بيتر غولدسميث بالمصادقة على قرار الحرب على العراق، الى ان «حق الحماية من التعذيب مطلق» لا يمكن التفريط به او المساومة عليه مهما كانت الاسباب. وجاء هذا في مؤتمر عقده امس «المعهد الملكي للشؤون الخارجية» بلندن حول مسائل «العدالة والارهاب في المنطقة الاورو ـ متوسطية» بمناسبة مرور عشرة اعوام على اطلاق عملية برشلونة للشراكة الاوروبية ـ المتوسطية، واشار الى ان التعاون بين الكتلتين على صعيد التصدي للإرهاب لا يزال نظرياً الى حد لا بأس به خصوصاً ان الجانبين لم يتفقا بعد على تعريف واحد للارهاب، على رغم توقيعهما عدداً من الاتفاقيات والمواثيق بشأن سبل مكافحته.

يُشار الى ان وزير الداخلية البريطاني، تشارلز كلارك، اعلن الاسبوع الماضي في ختام اجتماعات وزراء العدل والداخلية في دول الاتحاد، عن نيته وزملائه وضع مسائل العدل والداخلية على اجندة قمة الدول الاورو ـ متوسطية المقرر عقدها في برشلونة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وتحفظت ويلهيرست، رئيسة برنامج القانون الدولي في المعهد، على الموقف الرسمي البريطاني القائل إن التشريعات الاوروبية لم تعد تحقق التوازن بين احترام الحريات وتوفير الحماية والامن للمواطنين المدنيين، الامر الذي يتطلب اعادة النظر بهذه التشريعات لجعلها متوازنة من جديد بما يتناسب مع الواقع الجديد. وقالت الخبيرة التي كانت لسنوات نائبة رئيس القسم القانوني في وزارة الخارجية، قبل استقالتها عشية الحرب على العراق لاعتبارها ان قرار المشاركة بالغزو غير قانوني، إن «ثمة حقوقاً يمكن الجدال حولها وحول فرض قيود عليها لسبب او آخر مثل حرية التعبير وحرية العلاقة، لكن هناك حقوقا مطلقة لا يجوز الحديث عن تقليصها بأي شكل من الاشكال كحق الحماية من التعذيب واساءة المعاملة». واضافت «لا يمكن تقليص هذا الحق المطلق في أي ظرف من الظروف وإرسال شخص الى بلد يمكن ان يتعرض فيه للتعذيب». ومن ناحيته، اعتبر النائب العمالي جون دنهام، وهو رئيس لجنة الشؤون الداخلية التابعة لمجلس العموم، في كلمة الافتتاح ان الاجراءات الامنية التي بدأت بريطانيا بتطبيق بعضها «لا تمثل حزمة اجراءات شاملة بدرجة كافية»، ولفت الى ان هذه الاجراءات، التي وصفها في مناسبة سابقة بـ«المتسرعة»، اغفلت معالجة جوانب اخرى للحرب ضد الارهاب. وتناولت الاوراق المقدمة ثلاثة محاور هي «أمن المدنيين والديمقراطية» و«دور العدالة وسيادة القانون في الحرب ضد الارهاب» و« الديمقراطية وسياسات الامن». وسلط الضوء على التعاون الاورو ـ متوسطي الذي يمكن تصنيفه في ثلاث مراحل تمتد الاولى من 1976 وحتى الحادي عشر من سبتمبر ( ايلول)، وتنتهي الثانية بتفجيرات مدريد في مارس (آذار) 2004 ، حيث تبدأ المرحلة الثالثة التي لا تزال مستمرة. وشهدت كل من هذه المراحل اتخاذ قرارت لتعزيز التعاون في سياق مكافحة الارهاب والجريمة المنظمة. وقد ضمنت اتفاقية الشراكة بنوداً تتعلق بـ«التعاون على صعيد مكافحة الارهاب»، كما ان الاستراتيجية العامة التي تبنتها دول الاتحاد الاوروبي حيال حوض المتوسط تنص صراحة على الحاجة لتوثيق التعاون في مجال مكافحة الارهاب والتعهد بتشجيع شريكاتها المتوسطيات على الالتزام بقرارات الامم المتحدة وعلى الحرص على احترام حقوق الانسان ومبادئ القانون الدولي اثناء تصديها لهذه الآفة. الا ان الاتفاقات بين الطرفين لم توضع دائماً موضع التطبيق من قبل دول الكتلتين جميعها. واتفقت هذه البلدان في اجتماع لوزراء خارجيتها في مايو (آيار) الماضي بلوكسمبورغ مجدداً على تعزيز التعاون بين اجهزة الشرطة وتبادل المعلومات التي تساعد على مواجهة خطر الارهاب سواء كان مصدره افراداً او منظمات. إلا ان هذه الدول لم تنجح في تذليل العقبة الاساسية التي اعترضت هذا التعاون دائماً، وهي العثور على تعريف للارهاب يقبله الجميع. ولفت السفير اللبناني السابق سمير الخوري، الذي مثل بلاده في فريق صياغة اتفاقية الشراكة الاصلية، الى ان من الصعب جسر الهوة نهائياً بين دول المتوسط العربية وشريكاتها الاوروبية، لعدم إمكان التوفيق بين انظمة ديمقراطية واخرى لا تقيم في الغالب اعتباراً لحقوق الانسان «وتجرد المواطن من حرياته باسم حماية الامن الوطني». ودعا الدول الاوروبية الى «معالجة الاسباب الكامنة» وراء الارهاب او «الوحش العالمي» الذي باتت الحركات الجهادية تمثله، كما حثها على «عدم استعداء المسلمين» الذين يعيشون على اراضيها من خلال سياسات مكافحة الارهاب، وحمايتهم من العنصريين.

أما الدكتور عمر الشوبكي، مدير وحدة البحث في مركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية ، فاشار الى ان الارهاب عائد الى السياق اكثر مما هو ناجم عن الفكر او العقيدة. وناقش بان النصوص التي يستند اليها الجهاديون في تبرير نشاطاتهم كانت موجودة منذ قرون، بيد ان التفسيرات «الجهادية» التي تنبع من «فهم خاص» لهذه النصوص هي الجديدة وقد لا يزيد عمرها عموماً عن عشرات السنوات.