لغة خمس العالم تطرق أبواب المعاهد الأميركية والإقبال على تعلمها يزداد في أوساط رجال الأعمال

لأن وضع الصين الاقتصادي يتغير ومعدل نموها السنوي يبلغ الـ10% تقريبا

TT

يصل عدد سكان الصين الى 1.3 مليار نسمة يمثلون خمس سكان العالم. وينمو اقتصاد الصين بأسرع معدلات في العالم، وستصبح من القوى العظمى الجديدة التي ستنافس الولايات المتحدة. وبالرغم من كل هذه المعلومات، فإن قلة محدودة من الاشخاص يهتمون بتعلم اللغة الصينية، بل ان عدد المدارس والمؤسسات الاكاديمية التي تعلم اللغة الصينية، ولا سيما في اوروبا الغربية والولايات المتحدة، محدود للغاية. في الولايات المتحدة يشير الخبراء الى انه يمكن لمعظم الاميركيين، اذا ما توفر لهم الوقت والدافع، تعلم المبادئ الاساسية للغة الصينية مثل عبارات التحية والارقام وربما طلب الطعام في المطاعم.

ولكن بالنسبة لرجال الاعمال تمثل اللغة الصينية مجموعة من العقبات. ما هي ترجمة عبارة «ارباح السهم الواحد؟ او اجمالي الناتج القومي»؟ وكيف تقول «معدل النمو في شركتك جذاب اريد الحصول عليها».

وقد دفع ذلك عددا متزايدا من الطلاب الاميركيين والمديرين إلى الانضمام الى دورات تعليم اللغة الصينية في مجال الاعمال وهدفهم هو: التمييز بين المستثمرين الاجانب في الصين الذين يسعون الى الاستفادة من معدلات نمو الاقتصاد الصيني التي تصل الى 10 في المائة سنويا تقريبا، والعدد الهائل من سكانها.

ويقول اوباي مارتي ، مدير تخطيط منتجات في شركة «انتل» لصناعة معدات الكومبيوتر، «لا يوجد ادنى شك ان رجال الاعمال الصينيين يعتبرون أنك تقف الى جانبهم اذا ما تحدثت لغتهم». وكان مارتي قد تخرج من «ثاندربيرد» وهي كلية متخصصة في ادارة الاعمال في «غلنديل» في ولاية اريزونا، حيث التحق بعدة دورات لتعلم اللغة الصينية في مجال الاعمال بين عامي 2004 و 2005. واوضحت كلية «ثاندربيرد» الى ان برنامجها لتعليم اللغة الصينية لاقى اقبالا في السنوات القليلة الماضية. وهو الان يحتل المرتبة الثانية، بعد الاسبانية، في برامج تعليم اللغات في الكلية بالمقارنة بالمرتبة الرابعة او الخامسة في السابق. كما اصبحت دراسة اللغة الصينية اكثر شعبية من اللغة اليابانية في الكلية.

كما شهد العديد من المؤسسات التعليمية في مجال تعلم اللغة، مثل جامعة ميشغان في «ان اربور»، اهتماما متزايدا بدراسة الصينية في مجال الاعمال.

وقال مارتي «التحدث بالصينية يؤثر على عملائي. ولكنه ايضا يساعدني على توقع ردود افعالهم على مواقف معينة». ويسافر مارتي الى الصين مرة في الشهر، لفترات تستمر أسبوعا او اكثر. ويزور عادة شنغهاي او تشينغدو، حيث توجد اعمال لشركته.

وتعتبر حالة مارتي مشجعة لراغبي تعلم اللغة الصينية. فلم يكن يعرف كلمة واحدة من الماندرين (اللغة الصينية) عندما بدأ دراسته، وهو الان يتحدث بالصينية مع نظرائه الصينيين بسهولة نسبية. وبالرغم من انه لا يزال يستخدم مترجما للمفاوضات الرسمية، فهو على معرفة باللغة بطريقة تسمح له بعدم الاعتماد تماما على المترجم.

ويقول الخبراء ان اهم ما يجب على الشخص الاهتمام به هو ان الطلاقة ليست ضرورية للنجاح. «بل ان تعلم الحضارة اهم من تعلم اللغة» كما تقول البروفسور جين كيو التي تدرس اللغة الصينية في مجال الاعمال في كلية «ثاندربيرد» منذ عام 1974. وتضيف ان «العديد من رجال الاعمال الصينيين يتحدثون الانجليزية، ولذا فان معرفة كيف يدير الصينيون اعمالهم اكثر اهمية من معرفة اللغة نفسها».

وقالت كيو ان الخطأ الذي يقع فيه العديد من الاميركيين هو عدم الاهتمام بوجود الحزب الشيوعي. «فالانتقال من اقتصاد مخطط الى اقتصاد سوق عملية في غاية الحساسية. وفي العادة فإن الاشخاص الذين تود اجراء اعمال معهم فاسدون، واذا لم تكن تمثل شركة كبيرة ذات علاقات طيبة مع الحكومة، فسينتهي بك الامر إلى حالة تخبط. ولا تزال الصين دولة نامية في ما يتعلق بسياسات الحكومة».

وهناك بعض الاخطاء التي تبدو بسيطة ولكنها تترك اثرا دائما. فالهيكل التنظيمي في المؤسسات في الصين يحظى باحترام كبير، ويعني تجنب استخدام الاسماء الاولى لاصحاب المناصب الكبرى. واوضح مارتي «كان من المفروض ان تقضي الثورة الثقافية على تلك الطبقية. ولكنها فشلت، واصبحت الصين اكثر هيكلية من قبل».

وحتى بعض الكلمات البسيطة مثل نعم تعاني من سوء الفهم. ففي الصين كلمة «نعم» لا تعني ان الشخص يوافق معك على ما قلته، بل يمكن ان تعني ان الشخص يفهم موقفك وسينظر في الامر. ولذا يجب على رجال الاعمال المسافرين تجنب طرح اسئلة تتطلب اجابة بالنفي او التأكيد.

وتوضح كيو ان فصولها الدراسية تغطي العديد من الجوانب الاساسية، بما في ذلك مفردات مجال الاعمال، والنطق والكتابة. وطبقا لاحتياجات طلابها، يمكنها اعداد دورات خاصة للتركيز على قضايا مثل الموارد البشرية او التمويل. وتجدر الاشارة الى ان الصينية لمجال الاعمال لا تزال محدودة، لغة اجنبية داخل لغة اجنبية اخرى. الا ان الراغبين في دراسة اللغة الصينية لن تواجههم مشكلة في العثور على كلية بالقرب منهم تقدم مثل هذه الدورات، ولا سيما في الولايات المتحدة. وفي نيويورك تقدم كل من جامعات «كولومبيا» و«بيس» و«سيتي» و«نيويورك» دورات لتعلم اللغة الصينية في مجال الاعمال سواء في فصول تقليدية او عبر دورات في الخارج. ويجب على المبتدئين معرفة انه فيما تعتبر الماندرين لغة الصين الرسمية، واللغة التي تدرس في معظم برامج تعليم اللغة الصينية في مجال الاعمال في الولايات المتحدة، فإن المدن الكبرى الصينية لديها لهجات خاصة. فسكان شنغهاي والمناطق المحيطة بها، ويعيش فيها نحو 20 مليون نسمة، يتحدثون الشنغهانيزية بينما يتحدث سكان هونغ كونغ واقليم هوانغدونغ، وهي منطقة يسكنها 95 مليون نسمة، اللغة الكانتونية. وقبل فترة عاد الاخصائي في البرامج الإلكترونية، آرت ويركنثين، من جولة في الصين وفي شنغهاي بصفة خاصة وهو على قناعة ان البلد يمر بما يصفه بـ«الثورة الصناعية». وهو يعتبر ان «شنغهاي تتفجر. انهم يشيدون الشقق والحدائق الصناعية. انهم يبنون مشروعا اثر آخر».

وفي اطار الاستفادة من هذه السوق غير المستثمرة بالكامل ينوي ويركنثين، الذي تتخصص شركته في الادارة العامة لبرامج التدريب، أن يفتح مكتبا في الصين في المستقبل القريب.

وعلى الرغم من ان الاتصالات باللغة الانجليزية مع المقاولين الآخرين لم تمثل مشكلة فان ويركنثين يريد ان يتعلم لغتهم وثقافتهم على اعتبار «انها مسألة لياقة».

وهو واحد من 12 طالبا يتلقون دروسا في لغة الماندرين في جامعة «هيوستون» في كلير ليك.

ومع الكثير من الأصوات والنغمات غير المألوفة التي يمكن ان تؤثر على معاني الكلمات وحفظ الحروف، يعتبر تعلم الصينية تحديا كبيرا لغير ابناء البلاد. ولكن بما ان الصين في طريقها لتصبح لاعبا رئيسيا في الاقتصاد العالمي تصاعد الاهتمام باللغة الصينية.

وعلى الرغم من انها تتلكأ خلف اللغات الأخرى فان الطلب على تعلم الصينية أعلى من السابق في العديد من المؤسسات التعليمية في الولايات المتحدة، الا ان الظاهرة تمتد إلى خارج الولايات المتحدة، فقد ذكرت بعض التقارير الصحافية ان «الأميركيين اللاتينيين يتوجهون بشكل واسع الى صفوف تعلم الصينية للاستفادة من الصلات الاقتصادية المتنامية بين بكين والمنطقة».

وفي جامعة «هيوستون» بكلير ليك، وعلى الرغم من ان أعداد المسجلين لتعلم الصينية اقل بكثير من أعداد المسجلين لتعلم الإسبانية (70 طالبا) بل وحتى الفرنسية (30 طالبا) فإن الرقم في تزايد مستمر.

وقالت كريستين بول مديرة برنامج اللغات الأجنبية في الكلية انه «لم يكن لدينا مثل هذا العدد الكبير في صفوف المبتدئين. فالدراسات الشرقية ينظر اليها باعتبارها صعبة جدا وتعتبر الصينية عادة من اللغات الأقل من ناحية عدد المسجلين لتعلمها، ولكن لدينا مجموعة جيدة حقا الآن وأعتقد أن المجموعة ستكون اقوى لان الوضع الاقتصادي يتغير».

وفي صف زاو يو المسائي في جامعة هيوستون بكلير ليك يتسم طلاب اللغة الصينية بدوافع مختلفة. فبعضهم يدرسون لأنهم معجبون بالثقافة الصينية القديمة أو لأنهم يعتزمون قضاء اجازة هناك. الا ان البعض الاخر، مثل ويركنثين، يريدون تعزيز قدراتهم التنافسية بتعلم اللغة الصينية في المستقبل.

وقال جاي هيات المهندس الذي يعمل مع شركة بوينغ والمسجل في صف تعلم الإسبانية ولكنه انتقل الى صف تعلم الصينية «لست واثقا الى أي حد سأمضي، ولكن في المرحلة الحالية أفكر في الالتحاق بهذا الصف لتعلم الحروف على الأقل». وقال «لا استطيع ان أقرر. لا أعرف الام سأتجه، ولكن الصينيين يطورون برنامجا فضائيا».

وتكيف المعلمة يو دوراتها الدراسية طبقا لاحتياجات طلابها وما اذا كانوا سيزورون الصين في يوم من الايام. وقالت ان «هذه ليست سوى دورة في اللغة، ولكنني أضفت مفهوما ثقافيا. اللغة جزء واحد. أما ابلاغهم بما يجري، وكيفية تفاعلهم مع الناس فجزء آخر. واذا ما اراد المرء تعلم ذلك فان امامه احتمالا أكبر للنجاح».

ويتفق مع يو الباحث في قضايا البيئة ليو ساليناس الذي قال ان الشركة التي يعمل فيها، وهي شركة داو للكيمياويات، تدرس امكانية استثمار ما يقرب من 10 مليارات دولار في اقامة مجمع كبير للكيمياويات.

وقال ساليناس ان «اللغة تحدد هويتك كمجتمع. ودراسة اللغة تساعدني على التعمق قليلا في معرفة البلد. ان القرن الحادي والعشرين هو قرن الصين».

وفي بورتلاند ستصبح مدارسها المكان الرئيسي لدراسة لغة الماندرين حيث سيزيد على الضعف عدد الطلاب الذين يتعلمون اللغة من رياض الأطفال حتى الصف الثاني عشر. وفضلا عن ذلك وكجزء من مبادرة قومية تعتمد على الأمن فان طلاب بورتلاند الذين وعدوا بالاستمرار في دراسة اللغة في الكلية سيكونون مؤهلين للحصول على منح دراسية كاملة من جامعة «أوريغون» بقيمة 15 ألف دولار سنويا وسنة دراسية مجانية في الصين.

وقد عقد مسؤولون من الولاية وجامعة اوريغون اجتماعا في مدرسة «وودستوك» الابتدائية في جنوب شرقي بورتلاند للاعلان عن توسيع البرنامج الذي بات محتملا بعد تلقيه منحة قيمتها 700 ألف دولار من وزارة الدفاع الاميركية. وبورتلاند هي المنطقة الدراسية الوحيدة في البلاد التي تلقت المنحة متجاوزة مناطق في مدن فيها عدد أكبر من السكان الصينيين الاصل مثل سان فرانسيسكو. ويمكن للمنطقة أن تحصل على المنحة سنويا وبدون وقت محدد وفقا لما قاله مايكل بيكون منسق تدريس اللغات في المنطقة.

وتمول وزارة الدفاع منحا لتعزيز تدريس أربع لغات تعتبر هامة للأمن القومي، وهي الماندرين والروسية والكورية والعربية.

وقال روبرت سلاتر مدير برنامج التعليم في مجلس الأمن القومي «نحن في بلد يتميز برفض خطير لأهمية اللغات الأجنبية بالنسبة لأمننا القومي. نريد لهذا البرنامج أن يكون منارة لتعليم اللغة في الولايات المتحدة».

وخلال خمس سنوات تهدف الجامعة الى تخريج 20 باحثا يمكنهم القراءة والكتابة والتكلم في مستوى جامعي بلغة الماندرين ولكن لديهم درجات في حقل آخر مثل البزنس أو الاقتصاد أو البيولوجي.

ويعتزم مسؤولو الجامعة تعليم قوة عمل في أوريغون يمكن أن تمارس الاتصالات في اقتصاد متزايد العولمة وفقا لما قاله كارل فالسغراف مدير مركز الجامعة لدرسات اللغات التطبيقية.

وهناك عدد قليل من سكان بورتلاند البالغ عددهم نصف مليون يتحدثون اللغة الصينية في الوقت الحالي. ووفق استفتاء أميركي أجري عام 2000 فان هناك ما يقرب من 5200 من المقيمين في بورتلاند يتكلمون لهجة صينية داخل المنازل. وقال فالسغراف ان «ما نقوم به تقليديا هو الانتظار حتى يكبر الاطفال قليلا الى عمر يبدأون فيه تعلم اللغة. ان مهاراتهم اللغوية ليست هي التي تعوق تقدمهم عندما ينهون هذا البرنامج».

وتأمل منطقة بورتلاند بارسال ما لا يقل عن 12 من أفضل الخريجين الى الجامعة في الخريف المقبل باعتبارهم أول صف دراسي. وسيأتي كثير من طلاب الصف الأول من معهد اللغات العالمي، وهو برنامج مدرج في مدرسة فرانكلين الثانوية بجنوب بورتلاند يقوم بتدريس الطلاب الناطقين بالماندرين مواضيع مثل البيولوجيا والانسانيات بلغة الماندرين. وتسعى المنطقة الى جذب طلاب آخرين من مدارس ثانوية في بورتلاند من المتقدمين أكاديميا ويتمتعون بكفاءة عالية بالانجليزية والماندرين.