السرقة في المغرب لم تعد تطال منازل المواطنين بل امتدت إلى القصور الملكية

الأمن يحقق مع 11 من الموقوفين ضمنهم شارب الشاي في كؤوس الملك الراحل الحسن الثاني

TT

تعد حوادث السرقة، بكل اصنافها، امرا عاديا في المغرب، ولا تكف الصحف اليومية والاسبوعية عن نشر وقائع سرقات مثيرة او خارجة عن المألوف، تقف وراءها عصابات مدربة، تنجح بالحيلة وطول المراس في اقتحام البيوت والسطو عليها في واضحة النهار او ظلمة الليل، مثلما تستطيع الإفلات من مطاردة الشرطة السرية والعلنية.

واذا كانت بعض الحوادث مدعاة للتسلية وفضول الناس بسبب ما يحيط بها من مبالغات تبعد او تقترب من الحقيقة، فإن رواة قصص اللصوص وغاراتهم، اصابتهم حيرة اثر تداول اخبار عن تطاول فئة خاصة من اللصوص على بيوت غير عادية، محاطة بالهيبة والاحترام، قبل ان تكون مسيجة بانواع الحراسات التي لا ترحم من يحاول الدنو من حماها. يتعلق الامر بقصور او اقامات ملكية، إذ تداولت الصحف في الايام الاخيرة اخبار السطو على بعض محتوياتها، وعرضه للبيع في اسواق عمومية. وتولي مصالح الشرطة التحقيق في هذا الصنف الخطير من الجرائم، التي لم يسمع بها احد حتى في حالة صحة وقوعها في أزمان ماضية، اذ ما يجري داخل اسوار القصور الملكية او وراءها، يعتبر شأنا خاصا لا يحق للناس الخوض فيه.

ومنذ حوالي سنة او اكثر، بدأت بعض الصحف «المستقلة» تروي أفعالا غريبة منسوبة لأشخاص يعملون في القصور الملكية، يفترض فيهم التحلي بالإخلاص التام والأمانة المطلقة، لكن الشيطان أغواهم فامتدت ايديهم الى المحرمات، ومارسوا صنوف الغش والتدليس مثلا في فواتير المعاملات التجارية المحسوبة على القصور الملكية. وانطلقت شرارة تلك القصص التي لا يوجد لها نظير إلا في الروايات البوليسية او في وثائق الشرطة السرية، من مدينة اغادير(جنوب المغرب) حيث حامت التهم حول تصرفات تتنافى مع الامانة، صدرت عن «متهم» يحمل رتبة عسكرية رفيعة، عرض ملفه على العدالة، مما اعتبر في حينه بمثابة رفع حجاب السرية عما يمكن ان يرتكب من مخالفات في أماكن لها علاقة بالملك، لذلك لم يكن مستغربا ان تطفو على سطح الاحداث في الايام الاخيرة، واقعتان من نفس صنف السرقة والاختلاس؛ اولاهما في مراكش، وابتدأت بمأساة وفاة أحد المتهمين، التاجر حسن الزبيري الذي لم يصمد أمام التحقيق، فخارت قواه ومات بسبب متاعب صحية كان يعاني منها اثناء استنطاقه، وفقا لتقرير طبي شرعي، بينما تشكك عائلته في صحة التقرير الذي اعتمدته وزارة العدل المغربية.

وبينما الألسنة مستمرة في تناول وتداول «خبايا» ما وقع فعلا او تخيلا، في القصر الملكي بمراكش، طلعت امس بعض الصحف اليومية المغربية، ومنها من هي مقربة من دوائر القرار، بتفاصيل قصة اختلاس جديدة، تعرضت لها احدى الاقامات الملكية بالرباط، التي نهبت منها اوان نفيسة، نقشت عليها الاحرف الاولى من اسم الملك الراحل الحسن الثاني.

وحسب قصاصة لوكالة الانباء المغربية التي استندت بدورها الى ما تناقلته تلك الصحف، وتلك سابقة، فان الشرطة داهمت صباح اول من امس منزل من اقتنى تلك الاواني الملكية، بمدينة الدار البيضاء، حيث اعترف رب المنزل بأنه اشترى تلك الادوات النفيسة من المدعو جمال حماشي، الذي كشف بدوره اسماء 11 شخصا من مشتري المسروقات، ضمنهم، فاضل العراقي، الذي له صلة بعالم الصحافة باعتباره احد المساهمين في اسبوعيتي «لوجورنال» (بالفرنسية) و«الصحيفة» (بالعربية)، والذي يبدو انه تعود على شرب الشاي في كؤوس الملك الراحل الحسن الثاني.

وقال العراقي لوكالة الصحافة الفرنسية، انه كان يعلم ان ما اشتراه من كؤوس البلار واوان فضية، تعود الى القصر الملكي، لكنه اقتناها من السوق، لذلك لم يقم بإخفائها حين حضرت الشرطة الى بيته.

واشارت الوكالة الفرنسية الى انه يوجد من بين الاشخاص 11 من الموقوفين على ذمة التحقيق، ضمنهم مشتر من طنجة، وسائق وأمين مخزن بالاقامة الملكية بالرباط، في حين ترفع رواية اخرى عدد الموقوفين الى 15.

ويتباين موقف الناس من هذه الحوادث الخارجة عن العادة، فمنهم من يرى فيها مؤشرا مقلقا على تصاعد قوة اللصوص الذين لم يعودوا يفرقون بين الكوخ والقصر، وبين الغني والفقير. فالأشياء العائدة للعائلة المالكة دأب الناس على تهيبها، اكثر من السلاح الممنوع، بينما ترى فئة اخرى فيما حدث دليلا على «الشفافية» التي يريد العهد الجديد في المغرب ان تطال كل الملفات والمرافق. فإذا كانت الدولة قد أخرجت من الكهوف المظلمة، والغرف المعتمة، الكثير من الأسرار المزعجة، فلماذا تتستر على من خان الأمانة، وامتدت يده الى ما يتجنب الناس حتى الحديث عنه، احتراما وتوقيرا لشخص الملك وما يتصل به.