جدل حول وجود المهاجرين الأفارقة في المغرب

«طنجة» مقصد القادمين من افريقيا والمشرق على مر التاريخ

TT

لأول مرة يثير وجود المهاجرين الأفارقة في المغرب جدلا واسعا بعد احتجاج جمعيات حقوقية الأسبوع الماضي على وصف هؤلاء بـ«الجراد الأسود» في تحقيق صحافي نشرته صحيفة »الشمال« المحلية في طنجة.

وسلط هذا الجدل الضوء على موضوع ظل يعتبر في خانة المواضيع المسكوت عنها وهو تزايد عدد المهاجرين الأفارقة في المغرب ومدى تقبل المجتمع المغربي لهم.

وتعتبر طنجة على رأس المدن المغربية التي تستقبل أعدادا وافرة من هؤلاء الذين يقصدونها في انتظار فرصة الهجرة عبر مضيق جبل طارق إلى سياحل الجنوب الإسباني على غرار ما فعله عشرات الآلاف من مواطنيهم خلال العقدين الماضيين.

غير أن الحملات الأمنية في السنوات الأخيرة وقيام السلطات الإسبانية بتكثيف الحراسة في عرض مياه جبل طارق، جعل أعداد هؤلاء تزداد مما طرح سؤال العنصرية في المجتمع المغربي فيما إذا كان مستعدا لاستقبالهم أم لا.

وكانت صحيفة «الشمال» الأسبوعية في طنجة نشرت موضوعا عن هؤلاء المهاجرين الأفارقة بعنوان عريض سماهم »الجراد الأسود»، غير أن مدير الأسبوعية خالد مشبال اعتذر بالقول إنه خطأ مهني جسيم وأن ذلك تم خلال غيابه عن الجريدة.

يقول مهاجر نيجيري يدعى «ماثيو» لـ«الشرق الأوسط» تعليقا على ذلك «أنا لم أحس من قبل بالعنصرية، لكني لا احب أن يتم تسميتي بذلك». ويضيف ماثيو «نحن نركب القوارب جنبا إلى جنب مع المغاربة، ونحن سواسية في رغبتنا في الهجرة».

ولا يشير الكثيرون من المهاجرين الأفارقة إلى أنهم يعانون من العنصرية، لكنهم لا يفهمون أحيانا لماذا يناديهم بعض الناس بأسماء بعينها. ويتساءل شاب إفريقي جاء من غامبيا: لماذا يناديني الناس في الشارع «بصفة تدل على لوني، مع أنهم لا يعرفونني؟».

ويقول مهاجر من السنغال يدعى سيرج: الفقر يوحدنا جميعا. فسواء كنا من الشقر أو السود فإن حالتنا المادية هي التي تحكم علينا. الغني يوحد الأغنياء، والفقر يوحد الفقراء.

والسود في طنجة مثلهم مثل الشقر أو غيرهم من الأجناس التي استوطنت هذه المدينة التي يندر أن تجد عرقا بشريا لم يستوطنها أو لم يمر منها على الأقل.

ولا أحد يعرف متى وجدت هذه المدينة، لذلك لا أحد يمكنه أن يعرف متى حل بها السود أو الشقر أو من باقي الأجناس. ويتحدث البعض عن رسوّ سفينة النبي نوح في هذه المدينة حين عمّ العالم الطوفان. غير أن هذه الأطروحة تقترب من الأسطورة الشعبية لا غير، وإذا كان الأمر صحيحا فإنه من المحتمل أن يكون في السفينة سود نزلوا فيها وأصبحوا من سكانها الأصليين. لكن لا أثر لسفينة نوح في طنجة، بل مجرد بقايا أخشاب مراكب الهجرة السرية التي يهرب فيها السود الأفارقة عبر مضيق جبل طارق جنبا إلى جنب مع المغاربة والجزائريين والباكستانيين والصينيين أحيانا.

ولا تشرح الأساطير إن كان هرقل، العملاق الأكثر شهرة في العالم والذي فصل إفريقيا عن أوروبا بعضلاته القوية، أسمرا أم لا. ومن المرجح جدا أن يكون من أصل يوناني أو أحد العبيد في عهد ما قبل نشوء إمبراطورية روما، والعبيد في ذلك الوقت لم يكن لهم أي علاقة باللون، بل في أغلب الأحيان كانوا من الشقر أو البيض المتوسطيين.

الوجود الملحوظ للسمر في طنجة بدأ مع وصول العرب إلى المدينة قبيل فتح الأندلس الذي انطلق من شواطئها. فالكثير من الجنود الذين جاءوا مع عقبة بن نافع كانوا من السمر، وحين عبروا مضيق جبل طارق فإنهم نقلوا إلى هناك أيضا جنسا آخر لم يكن معروفا في جنوب أوروبا.

وحين سقطت الأندلس نهائيا سنة 1492 فإن الكثير من العائدين منها استوطنوا مدينة طنجة، وبينهم كان أحفاد الجنود السمر الأوائل الذين فتحوا البلاد قبل ثمانمائة عام، وبعضهم من مختلطي الأجناس.

طنجة كانت أيضا مأوى للمهاجرين على مدى التاريخ للقادمين من بلدان إفريقيا والمشرق والمغرب. كانت القبائل تعبر الفيافي والقفار بحثا عن الرحيل لمجرد الرحيل أحيانا، وحين تصل طنجة لا تجد أمامها سوى البحر فتستقر هنا. هذا ما يفسر ربما العدد الملحوظ نسبيا للطنجاويين السمر. إن أغلبهم يقولون إن وجودهم في المدينة ضارب في أعماق التاريخ. لكن الكثير منهم مازالوا يعرفون أن أجدادهم أتوا من مكان محدد قبل عشرات السنين، والكثيرون منهم أبناء الجنود المغاربة الذين دخلوا المدينة بعد سقوط عهدها الدولي.

هناك أيضا المنفى السياسي الاختياري الذي كانت تعنيه طنجة بالنسبة لعدد من سلاطين المغرب ومسؤوليه الكبار مثل مولاي عبد العزيز ومولاي عبد الحفيظ والصدر الأعظم باحماد والوزير المنبهي وغيرهم كثيرون. هؤلاء كانوا يعتزلون السياسة في المدينة ويأتون معهم بكثير من أفراد الحاشية الذين يألفون المدينة وتألفهم.

وفي السنوات الأخيرة استوطن المدينة المئات من شباب بلدان أفريقية جنوب الصحراء استقروا فيها بعد أن فشلوا في عبور مضيق جبل طارق. هؤلاء سيشكلون جيلا إضافيا للمدينة التي كانت دائما معبرا ومستقرا لكل الأجناس والديانات.