فرنسا: جدل سياسي حول توقيت اعتقال 9 أصوليين يشتبه في أنهم خططوا لتفجير محطة مترو أو مطار

مشروع قانون يدعو إلى طرد أئمة العنف وسحب الجنسية وتمديد فترة التوقيف الاحترازي للمشبوهين

TT

احتدم الجدل في فرنسا حول قيام السلطات اول من امس باعتقال تسعة اصوليين من الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية. ومرد هذا الجدل هو ان وزير الداخلية نيكولا سركوزي شارك الليلة قبل الماضية، أي بعد ساعات فقط على عمليات الاعتقال، في برنامج تلفزيوني أشار فيه الى ان هذه «الاعتقالات الوقائية» تظهر «فعالية أجهزة المخابرات كما نظهر وجود خلايا (إرهابية نائمة) على الأراضي الفرنسية». والحال ان البرنامج التلفزيوني تم تسجيله في 21 سبتمبر (ايلول) الحالي، أي قبل ستة ايام من موعد بثه، ما جعل البعض يرجح بأن تكون الاعتقالات وقت لها لتتزامن مع بث البرنامج. وانقض الحزب الاشتراكي الفرنسي على وزير الداخلية لما في هذا العمل من «استهتار» بأمن المواطنين وتعريض «الأمن الوطني للخطر» وتسخير الحرب على الإرهاب لغرض شخصي ودعائي. وطلبت أمانة الحزب الاشتراكي من سركوزي أن يشرح ما حصل، وهو ما وصفته بالأمر «المؤسف». إلا أن ناطقا باسم وزارة الداخلية، فرانك لوفيه، نفى أن يكون البرنامج مسجلا واتهم الاشتراكيين بافتعال أزمة سياسية.

وكانت الأجهزة الأمنية الفرنسية، بناء على معلومة من جهاز مخابرات أجنبي يعتقد أنه الاستخبارات الجزائرية، قد ألقت القبض على أفراد خلية من تسعة اشخاص بينهم امرأتان في مدينتي أيفرو وتراب القريبتين من باريس. وكان على رأس الخلية الفرنسي الجزائري الأصل صافي بوراده المشتبه في انه كان يسعى لتنفيذ عمليات إرهابية على الأراضي الفرنسية. وبحسب المعلومات المتداولة في باريس والمنسوبة الى أوساط التحقيق، فإن الخلية القريبة من المجموعة االسلفية للدعوة والقتال، كانت تحضر لعملية في مترو الأنفاق في باريس، على غرار ما حصل في لندن أو ضد أحد مطاري العاصمة (أورلي ورواسي) أو ضد مقر المخابرات الداخلية الفرنسية. لكن تحضيراتها لم تكن قد وصلت بعد الى مرحلة الاقتراب من التنفيذ وفق مصادر أجهزة الأمن. وكان صافي بوراده قد حكم عليه وأدخل السجن عام 1998 لدوره في العمليات الإرهابية التي ضربت فرنسا عام 1995. ولم يخرج صافي بوراده من السجن إلا بداية العام 2003. وقبل اعتقاله، كان بوراده قد أمضى عدة أسابيع في تركيا كما أقام اربعة أشهر في القاهرة العام الماضي.

وكان وزير الداخلية قد قرع ناقوس الخطر، خلال برنامج «الأدلة» الذي بثته القناة الثالثة وفي كلمة توجه بها الى رجال الدرك في باريس صباح أمس، واعتبر أن التهديد الإرهابي الذي يطأ بثقله على فرنسا حقيقي. وقال سركوزي: «نحن نعرف أن فرنسا ليست في منأى (عن العمليات الإرهابية) فما حصل في مدريد أو لندن أو نيويورك كان يمكن أو قد يحصل عندنا».

التهديد الإرهابي، كما قال سركوزي هو «في الدرجة الرابعة، من سلم من خمس درجات» ما يبرر الحاجة الى قانون جديد لمحاربة الإرهاب يتيح لقوى الأمن الفرنسية، وفق ما أكده وزير الداخلية، أن تضع يدها على الإرهابيين وعلى شبكات الدعم التي تسهل حركتهم، «قبل أن ينتقلوا الى مرحلة التنفيذ».

ولذا، فإن القانون الجديد يسمح لقوى الأمن وخصوصا لجهاز المخابرات الداخلية المعروف باسم مديرية الرقابة على الأراض ومديرية المخابرات المركزية بمزيد من التحرك لجمع المعلومات واستباق الإرهابيين.

وشرح وزير الداخلية مضمون مشروع القانون الجديد الذي سيحال على البرلمان الفرنسي لمناقشته وإقراره الشهر القادم والذي يشدد على ضرورة توفير المعلومات و«زيادة الكوادر وتعزيز التقنيات (الاستعلامية) وإيجاد مصادر معلومات إضافية والاستماع الى كل شيء ورؤية كل ما يحدث إذا كان ذلك ممكنا».

ومن التدابير التي أكد عليها سركوزي طرد كل إمام مسجد يدعو الى العنف ويروج للإرهاب مذكرا أن 34 إماما طردوا حتى الآن. وكشف سركوزي أن عشرة أشخاص سيتم طردهم قريبا. وقال سركوزي: «ليست هناك عملية خلط من أي نوع: الأئمة أو غير الأئمة الذين يروجون لقيم غير قيم الجمهورية عليهم أن يعرفوا أنهم سيوضعون خارجا». وأضاف الوزير أن إحدى العقوبات الممكنة هي سحب الهوية الفرنسية من المتشددين لأنه «عندما يحصل أحدهم على الجنسية الفرنسية ويسمح لنفسه بأن يتحول الى إرهابي أو شريك للإرهاب، عندها أريد أن أسحب منه الهوية الفرنسية واريد طرده» من فرنسا.

ويتيح نص المشروع الجديد زيادة عدد كاميرات الفيديو احتذاء بما هو معمول به في بريطانيا حيث استطاعت الشرطة كشف هويات ارهابيين بفضل صور الرقابة التي وفرتها كاميرات مترو الأنفاق. لذا يتعين تغيير عدد من النصوص التشريعية النافذة وابدالها بنصوص أخرى تتيح وضع آلات تصوير الفيديو في المخازن الكبرى وأماكن العبادة ومحطات القطارات وخلافها.

ويدعو المشروع الى تشديد الرقابة على مقاهي الإنترنت المتكاثرة في باريس وخارجها وهي عادة ما يلجأ اليها المتشددون للتواصل في ما بينهم، كما يطلب من شركات الهاتف الاحتفاظ بمعطياتها لعام كامل. ويريد الوزير الفرنسي توفير معلومات إضافية حول تنقل شريحة معينة من الفرنسيين الى بلدان «مشبوهة» أو «مصدر خطر» مثل باكستان أو العراق أو سورية. وقال سركوزي: «ليس من الطبيعى أن شابا يسكن أحياءنا يسافر فجأة لأربعة أشهر الى أفغانستان وثلاثة أشهر الى سورية وخمسة أشهر في بلد آخر». وأضاف سركوزي: «نريد أن نعرف من يسافر والى أين وكم من الوقت ومتى يعود». وتريد الحكومة انطلاقا من سعيها لمحاربة عمليات تمويل الإرهاب، أن تمدد فترة التوقيف الاحترازي من أربعة الى ستة أيام في حال حصول عمليات تحويل مالية مشكوك بأمرها.