الجزائر: توقع نسبة تصويت عالية لصالح مشروع السلم اليوم

تكثيف إجراءات الأمن خشية تعكير «العرس»

TT

يتوجه الجزائريون اليوم الى صناديق الاقتراع للتصويت على «ميثاق السلم والمصالحة الوطنية» الذي يعتبره الرئيس عبد العزيز بوتفليقة «الحل الوحيد» للأزمة الأمنية التي خلفت 150 ألف قتيل وألحقت خسائر بالبنية التحتية قدَّرها بوتفليقة نفسه بـ 30 مليار دولار. وأعدت السلطات 40 ألف مكتب انتخاب في 48 ولاية، والمئات من صناديق الاقتراع لفائدة البدو الرحل، وجندت 400 ألف عنصر إداري لتأطير العملية الانتخابية والآلاف من رجال الأمن الذين أخذوا مواقعهم في محيط مراكز الاقتراع. وشددت السلطات الأمنية من مراقبة المناطق والطرق التي توجد فيها الجماعات المسلحة تحسبا لأي اعتداء يعكر اجواء «عرس» المصالحة. وأعلنت وزارة الداخلية قبل أيام عن منع نشاط عربات نقل البضائع وصهاريج الوقود منذ بدء اليوم السابق للاقتراع (امس) الى منتصف ليل الخميس / الجمعة، ما عدا عربات نقل المؤونة. وقد دعي نحو 18 مليون جزائري للتوصيت بـ«نعم» أو «لا» على سؤال واحد هو : هل أنتم موافقون على مشروع الميثاق من أجل السلم والمصالحة الوطنية المطروح عليكم ؟». وسيختار الناخب واحدة من ورقتين يجدهما في مكتب الاقتراع : واحدة زرقاء تعني القبول بميثاق السلم، واخرى بيضاء تعني رفضه. ويتوقع مراقبون نسبة تصويت عالية لصالح ميثاق السلم.

ويتضمن مشروع الرئيس بوتفليقة إجراءات عملية وصفت إعلاميا بأنها آلية أمنية، لأنها تتوجه بالأساس إلى أفراد الجماعات المسلحة الذين ما زالوا في الجبال وحتى الذين تخلوا عن السلاح، وإلى عائلات ضحايا الإرهاب وأسر المفقودين الذين اختفوا خلال فترة الازمة. وينص المشروع على إبطال المتابعات القضائية والأحكام الصادرة في حق الأشخاص الذين يسلمون أنفسهم، والمتورطين في دعم الإرهاب، والأشخاص المطلوبين داخل الجزائر وخارجها من المحكوم عليهم غيابيا، شريطة أن لا تكون هذه الفئات متورطة في المجازر الجماعية وفي انتهاك الحرمات ووضع المتفجرات في الأماكن العامة. وينص المشروع أيضا على العفو عن المحبوسين بتهمة الإرهاب على أن لا يكونوا معنيين بالشروط سالفة الذكر. ويتناول المشروع «رفع المضايقات عن الأشخاص الذين جنحوا إلى اعتناق سياسة الوئام المدني»، أي الذين أقلعوا عن الإرهاب بموجب مشروع العفو الذي كان الرئيس بوتفليقة قد اصدره عام 1999 واستفاد منه نحو 6 آلاف مسلح، عدد كبير منهم دعم ترشح بوتفليقة لولايتين رئاسيتين (1999 و2004)، وشارك معه في حملة الترويج الميداني لميثاق السلم.

كما يقترح ميثاق السلم تقديم تعويضات مادية الى عائلات المفقودين. كما يدعو الميثاق الى تكفل الدولة التام بضحايا الإرهاب، وأبناء وزوجات الإرهابيين، ويدعو المجتمع إلى عدم نبذهم على أساس أنهم لا يتحملون ذنب من التحق بالجبل. ومن أكثر الإجراءات إثارة للجدل في المشروع انها تمنع النشطاء الذين دعوا إلى «الجهاد» من ممارسة السياسة نهائيا، وجاء الحديث عنهم في المشروع بهذه الصيغة: «إن الشعب الجزائري، وإن كان مستعدا للصفح، ليس بوسعه أن ينسى العواقب المأساوية التي جناها عليه العبث بتعاليم الإسلام، دين الدولة». وقال متتبعون ان حظر النشاط السياسي يخص أفراد «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» المحظورة. وكان هذا الموضوع سببا في رفض قيادات من الجناحين السياسي والعسكري للإنقاذ، ميثاق السلم.

ميثاق السلم يستفيد من دعم أحزاب الوزن الثقيل

* ويستفيد مشروع الرئيس بوتفليقة من دعم الأحزاب ذات الوزن الثقيل، أي أحزاب «التحالف الرئاسي» (جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وحركة مجتمع السلم). ويحظى المشروع ايضاً بمساندة الحزب الإسلامي «حركة الإصلاح الوطني»، و«حزب العمالِ» المحسوب على اليسار بقيادة لويزة حنون. وانخرطت في دينامية المصالحة ايضاً المنظمات والجمعيات المعروفة بولائها لكل رئيس يصل إلى الحكم، مثل منظمات المجاهدين (مقاتلو حرب الاستقلال) وأبناء الشهداء والمنظمات الطلابية. وأعلنت النقابة المركزية القوية (الاتحاد العام للعمال الجزائريين) تزكيتها للمشروع وقامت بالدعاية له. وقام قائد ما كان يعرف باسم «الجيش الإسلامي للإنقاذ»، مدني مزراق، بتنظيم تجمعات للدعاية للمشروع حضرها المئات من «المسلحين التائبينِ». ومن ميزات المشروع المطروح هو انه استطاع أن يجمع «إرهابيين» مع عائلات من قتلوا على أيديهم في الصفوف الأمامية للمهرجانات، بل إن أحد وزراء الرئيس نظم عملا استعراضيا رمزيا شهد تصالح عائلة إرهابي مع عائلة ضحيته. وهكذا أصبحت المصالحة والصفح والتسامح ونسيان الأحقاد نغمة ترددها البلاد بكاملها، اذ لم يدر الحديث في وسائل الجزائرية، منذ اشهر، الا عن المشروع، ولم تخل شوارع المدن والأرياف من الملصقات التي تحمل شعارات الصلح طيلة أيام الحملة التي دامت ثلاثة أسابيع.

معارضو المشروع يريدون «الحقيقة والعدالة»

* وتقف ضد مشروع الرئيس بوتفليقة أطراف لا ثقل لها على الصعيد الشعبي حتى وإن كانت تستفيد من دعم صحف ذات انتشار واسع. وياتي في مقدمتها حزب «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية» العلماني ذي النزعة البربرية بزعامة سعيد سعدي، وأقدم حزب معارض «جبهة القوى الاشتراكية» بزعامة حسين آيت أحمد، إلى جانب الحزب اليساري «الحركة الديمقراطية والاجتماعية». ويعارض المشروع ايضاً «الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسانِ» وقطاع من عائلات المفقودين. وتبرر هذه الأطراف رفضها للمشروع لكونه «يمحو بجرة قلم كل الجرائم التي اقترفها الإرهابيونِ، ويغض الطرف عن تورط قوات الأمن في ملف الاختفاءات القسرية»، ويعتقدون بأن الرئيس بوتفليقة يسعى لتثبيت شرعيته ويمهد لولاية ثالثة يمنعها الدستور الحالي. ويطالب هؤلاء بـ«الحقيقة والعدالة» ويأخذون على الرئيس أنه أعطى لنفسه الحق في العفو في مكان المتضررين من الأزمة. وقد أعلنت غالبية قيادات الجبهة الإسلامية رفضها المشروع، وعلى رأسهم رئيسها عباسي مدني، والرجل الثاني في الحزب المحظور علي بن حاج الموجود في السجن، وقيادات أخرى لاجئة في الخارج. ويرى هؤلاء أن المشروع يحملهم وحدهم تبعات الأزمة الدامية. وتعارض المشروع ايضاً «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» التي وصفته بـ«الخدعة التي تستهدف تثبيط عزيمة المجاهدين»، وأعلن زعيمها عبد المالك دروقدل (المدعو أبو مصعب عبد الودود) مواصلة النشاط المسلح، وعبر عن ذلك بسلسلة من العمليات العسكرية خلفت قتلى في صفوف قوات الأمن في المدة الأخيرة. وتشهد «الجماعة السلفية» نزاعا بين جناح أبو مصعب وآخر يتزعمه قائدها السابق حسان حطاب يدعم المشروع لكنه غير قادر على فرض هذا التوجه على أفراد التنظيم. وتتوجس السلطات من عمل عسكري اسعراضي قد تنفذه «الجماعة السلفية» خلال عمليات الاقتراع، ولذلك كثفت الاجراءات الامنية في هذه الفترة.