من «الرحمة» إلى «المصالحة»: 10 سنوات من محاولات إسكات صوت السلاح

TT

قال الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة يوم الإعلان عن «ميثاق السلم والمصالحة الوطنية» منتصف الشهر الماضي، ان المشروع يعد باكورة سياسة انتهجتها الدولة على صعيد إيقاف نزيف الدم، بدأت بـ «قانون الرحمة» وستتواصل بعد «المصالحة» بإجراءات اخرى لم يكشف عنها.

وقد وضع الرئيس السابق الجنرال اليمين زروال، عام 1995 «قانون الرحمة» الذي تضمن سلسة تدابير أمنية لفائدة المسلحين دون غيرهم تنص على تخفيف العقوبات الصادرة ضدهم في حال تسليم أنفسهم للجيش. وكانت فترة منتصف التسعينات من القرن الماضي من أصعب الفترات التي عاشتها الجزائر، اذ اعتقد كثيرون حينها بان الدولة مهددة بالانهيار تحت ضربات الإرهاب العنيفة. ورفضت «الجماعة الإسلامية المسلحة» بزعامة جمال زيتوني حينها، القانون معلنة مواصلة العمل المسلح «حتى قيام الدولة الإسلامية». وتشير معلومات مستقاة من مصادر أمنية أن قانون الرحمة نجح في إقناع حوالي 500 مسلح بالتخلي عن العمل المسلح. وكان تعداد أفراد الجماعات المسلحة آنذاك لا يقل عن 20 ألف فرد بحسب ذات المصادر. ولا يزال «التائبون عن الارهاب» في تلك الفترة، يشتكون إلى اليوم من «تملص السلطات من مسؤوليتها تجاهنا» بحيث يشيرون إلى عدم حصولهم على حقوق مثل جواز السفر أو إيجاد عمل ويواجهون صعوبة في استخراج الوثائق الإدارية بسبب «ماضيهم الإرهابي».

وتقول مصادر عليمة ان «اليد الممدودة» للسلطات تجاه المسلحين في منتصف التسعينات، كانت سببا في استقالة زروال من الرئاسة. فبعد أن تأكد الأخير من «محدودية» نتائج قانون الرحمة، اقترح على النافذين في مصادر القرار اتباع سياسة أكثر تشددا مع الجماعات المسلحة لقهرها، لكنه لم يجد تجاوبا، فقرر التنحي من الرئاسة واعتزل السياسة نهائيا.

وواصل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة نفس النهج بمجرد أن انتخب رئيسا في ربيع 1999، حيث أصدر قانون «الوئام المدني» الذي تضمن إجراءات لمصلحة عناصر «الجيش الإسلامي للإنقاذ». وانتهى المشروع بصدور عفو رئاسي لفائدة 6 مسلحين عادوا كلهم إلى أهاليهم، وغالبيتهم يتهمون الآن السلطات بعدم الوفاء بوعودها. وفيما يقول زعيم جيش الإنقاذ مدني مزراق ان تنظيمه وقع اتفاقا مع الجيش أفضى إلى هدنة عام 1997، ذكر بوتفليقة أنه لم يجد شيئا مكتوبا بين الطرفين عندما جاء إلى الحكم، لكنه وعد بتسوية أوضاع «التائبين» بموجب المراسيم والقوانين التي ستقنن ميثاق الصلح بعد استفتاء اليوم. ويحلو للرئيس الترديد بان «سياسة الوئام المدني كان لها الفضل في استرجاع السلطات لـ 6 آلاف قطعة سلاح وفي استتباب الأمن جزئيا. ويعد بوتفليقة بتقديم «جرعات» إضافية للشعب الجزائري بحسب تعبيره، بعد ميثاق المصالحة الذي قال إنه أقصى ما يمكن أن يقدمه حاليا، وبأن «التوازنات الوطنية» لا يمكن أن تسمح بأكثر من هذا المشروع، وقرأ البعض ذلك بأنه اعتراف من الرئيس بأن القوى النافذة في السلطة لم تسمح له بتنفيذ كل ما كان يريد على الأقل في المرحلة الحالية.