اللجنة العليا المغربية ـ الإسبانية تلتئم اليوم في إشبيلية وسط أجواء متفائلة بمساهمة مدريد في متطلبات التنمية الاقتصادية بالمغرب

توقع أن يحضر أعمالها رئيسا حكومتي الأندلس وجزر الكناري

TT

يلتقي اليوم في مدينة اشبيلية، الحاضرة الاندلسية التي ما زالت محتفظة بالاسم الذي تداوله العرب المسلمون اثناء وجودهم بالاندلس، رئيسا وزراء المغرب ادريس جطو، وخوصي لويس ثباتيرو، في اطار اجتماع اللجنة العليا المشتركة بين البلدين، المحدثة بموجب معاهدة الصداقة وحسن الجوار المبرمة بين الرباط ومدريد عام 1991.

ومن المتوقع ان يحضر اعمال اللجنة العليا المشتركة لاول مرة رئيس حكومة اقليم الاندلس، مانويل تشابيس، ورئيس حكومة اقليم جزر الكناري، ادان مارتين.

ويسافر جطو الى اشبيلية، بعد ان ودع اول من امس نظيره الفرنسي دومينيك دو فيلبان، الذي اشرف معه على اجتماعات مماثلة اسفرت عن نتائج وقرارات ذات طابع اقتصادي ومالي خلفت عند المغاربة رضى واستحسانا، لاسيما وان المغرب دخل في ورش كبيرة للتنمية البشرية، اطلقها العاهل المغربي الملك محمد السادس، ويشرف عليه ميدانيا، ويتابعه في التفاصيل الصغيرة بزيارته التفقدية لعدد من المحافظات المغربية لتدشين او تفقد المشاريع التنموية.

ومن المؤكد ان جطو سيقابل ثباتيرو، الذي يعرفه شخصيا، وهو مشبع بروح الاجواء التي طبعت محادثاته مع رئيس وزراء فرنسا، مما سيشجعه على الطلب ان تكون اسبانيا اكثر سخاء وتفهما لمتطلبات التنمية الاقتصادية في المغرب التي ستنعكس ايجابيا على العلاقات بين البلدين، وتزيح من طريقها مشاكل وحواجز ضارة مثل الهجرة السرية والمتاجرة في المخدرات وشيوع الارهاب، وهي المشاكل التي باتت على مائدة المحادثات واللقاءات بين مسؤولي البلدين على مختلف المستويات، مثلما هي موضوع تشاور وتنسيق وتعاون حتى في المجالات الحساسة كالأمن.

وعلى الرغم من ان المغرب يتلقى منذ مدة ضربات اعلامية من وسائل الاعلام الاسبانية التي تحركها مصالح ومطامع، لا يستطيع الاشتراكيون التحكم فيها او لجمها، بل انهم بسبب علاقاتهم الجديدة مع الرباط، ينالون قسطهم الاوفر من الهجوم العنيف الذي تؤجج ناره المعارضة اليمينية التي لم تتخلص حتى الآن من الاحساس بالشماتة خلال هزيمتها في انتخابات 2004 على يد الاشتراكيين.

ورغم هذه الاجواء، فان الاسبان والمغاربة شاعرون بالمخاطر والتحديات التي يواجهانها حاضرا ومستقبلا، ومن بين تلك المخاطر ما هو ذو طابع دراماتيكي وانساني، اي الهجرة السرية التي بلغت ارقاما ومعدلات مقلقة يقر الاسبان ان المغاربة يبذلون كل ما في وسعهم للحد من تدفق المهاجرين على الاراضي الاسبانية عن طريق البحر.

قضية اخرى تلقي بظلالها الاعلامية على محادثات ثباتيرو وجطو، تتمثل في نزاع الصحراء، من خلال جماعات الضغط التي يشترك في تحريكها اليمين الاسباني لأسباب سياسية داخلية تلتقي مع رغبات جبهة البوليساريو الانفصالية، وتصب جميعها في خانة محاولة اضعاف المغرب. ويبدو ان الحكومة الاسبانية لم تعد متحمسة مثل بداية عهدها للاستمرار في دور الوساطة بين المغرب والجزائر، بعد ان مانعت هذه الاخيرة وأفشلت كل المحاولات الدبلوماسية الاسبانية التي اشرف عليها وتتبعها شخصيا وزير الخارجية ميغل انخل موارتينوس، ولذلك فان البلدين سيؤكدان على المبادئ الثابتة اي حل نزاع الصحراء في اطار الامم المتحدة، وربما استمع الجانب الاسباني الى النوايا المغربية الكامنة وراء المبادرة التي صاغها اخيرا الطيب الفاسي الفهري، الوزير المغربي المنتدب في الخارجية لوكالة «اوروبا بريس»، والتي (المبادرة) تضمنت مفردات سياسية جديدة قابلة لتأويلات شتى، خاصة ما يتعلق بامكانية الجمع بين صيغة الحكم الذاتي المقترح من المغرب، وإخضاعه للاستفتاء.

الى ذلك، عقدت امس لجنة ابن رشد التي تضم فعاليات فكرية وسياسية واقتصادية وممثلين عن المجتمع المدني في البلدين اجتماعا في مدينة قرطبة، ناقشت خلاله في جو مفتوح، بعض القضايا المدرجة ضمن جدول اجتماع ثباتيرو ـ جطو في اشبيلية.

ويرأس اجتماعات ندوة ابن رشد وزيرا خارجية البلدين، محمد بن عيسى، وموراتينوس. وأحدثت اللجنة عام 1996، لكن اجتماعاتها عرفت تعثرا بسبب الازمات التي مرت بها العلاقات بين الرباط ومدريد اثناء حكم الحزب الشعبي اليميني، وقام العاهلان الاسباني والمغربي، ببعث الحياة فيها اثناء زيارة الملك خوان كارلوس للمغرب في ربيع السنة الجارية. وامام لجنة ابن رشد ملفات يمكن ان تسهمشيها بالرأي، لاسيما قضايا الثقافة والتربية ونشر اللغتين العربية والإسبانية في البلدين، كما انها ستسهم في رسم معالم الصورة التي ستكون عليها جامعة الملكين التي تقرر انشاؤها في مدينة تطوان (شمال المغرب) كبنية اكاديمية مخالفة للانظمة الجامعية الموجودة في المغرب واسبانيا.

اضافة الى ذلك، ستصدر عن اللجنة جملة اقتراحات تتعلق بمجمل مجالات التعاون الاخرى، بما فيها الجوانب الاقتصادية والتجارية. وسيعرض وزيرا الخارجية، بن عيسى وموراتينوس، ما انتهى اليه حكماء ابن رشد، على انظار رئيسي الحكومتين.

وقالت روسا اغيلار، عمدة مدينة قرطبة، وعضو لجنة ابن رشد، ان ما يطرح في هذا اللقاء هو «المساهمة انطلاقا من مبدأ الحوار لتعزيز الروابط المتينة الموجودة بين الشعبين من اجل ان يتعرف الواحد على الآخر بشكل أفضل».

وأضافت اغيلار، عضو حزب اليسار الموحد، ان العمل يجب ان يبدأ من المجتمعات المدنية، ويستهدف تقارب المواطنين والبحث عن «مبادرات وحلول للمشاكل التي تعصف بمجتمعينا والتي تؤثر على شعبينا في آن واحد».

وأوضحت اغيلار، ان لجنة ابن رشد «هي هيئة مدنية لا سياسية هدفها التوغل في جميع المواضيع التي تؤثر على الشعب الاسباني وعلى المجتمع المغربي». وقالت «ان على اللجنة العمل من اجل ايجاد مبادرات واقتراحات بناءة ومفيدة ترفع الى الحكومتين، وتقديم الحلول للمشاكل التي يعاني منها المجتمعان». وفي هذا السياق، يبذل المغرب جهودا من اجل انجاح سنة المغرب التي تقرر تنظيمها في اسبانيا العام المقبل، وقد اسندت رئاستها الى سعد الكتاني، عضو لجنة ابن رشد، الذي اشرف على لجنة ترشيح المغرب للمونديال، لكن جنوب افريقيا خطفت منه الفرحة التي كان يتمناها ابناء وطنه.

ويتوقع المغرب ان تصطدم جهوده ومساعيه بحملات اعلامية معارضة ورافضة من بعض جيوب الرأي العام الاسباني، لكنه في نفس الوقت اصبح مقتنعا ان السكون والغياب عن الساحة، يفيد خصوم وحدته الترابية من جهة، ويعقد مسار علاقاته الثنائية مع اسبانيا، لذلك لا بد من خوض معركة التعريف بالنفس بالوجه الحقيقي وإبراز الصورة التي لم تصل بعد بالوضوح المطلوب الى سائر قطاعات الرأي العام الاسباني وهي مهمة ليست بالسهلة.