ضابط مارينز سابق في القاعدة الأميركية بالدوحة يتعاقد مع قناة «الجزيرة» للعمل مراسلا

اتهامات له في أميركا بالخيانة .. والنقيب السابق يؤكد أنه لن يكون بوقا ضد بلاده

TT

تعلم ضباط المارينز الاميركيين أن يخططوا للأمور مسبقا. لذلك فإن جوش راشنغ، النقيب في فيلق قوات المارينز حتى أكتوبر(تشرين الاول) الماضي ظل متوقعا قدوم الأسئلة المزعجة.

وأثيرت مقارنات بينه وبين الاميركية التي عرفت باسم طوكيو روز والتي كانت تبث عبر الراديو الياباني خلال الحرب العالمية الثانية تحث اليابانيين للقتال ضد أميركا؟ وهذا ما أثار أسئلة من نوع: هل بوق دعاية (بروباغندا) ضد بلده الذي سبق له أن خدم في قواته المسلحة؟ أم هو عميل للعدو؟

قبل راشنغ، 33 سنة عرض العمل لقناة الجزيرة الفضائية القطرية التي قال عنها دونالد رامسفيلد إنها «راغبة تماما أن تنشر الأكاذيب للعالم.. ولديها نمط ثابت يعتمد على تكرار البروباغندا باستمرار» لجمهورها الذي يبلغ عدده الخمسين مليون شخص أكثرهم من العالم العربي.

ووصفها بيل أوريلي من محطة فوكس نيوز بأنها «شبكة دعاية تميل إلى تشجيع العنف وتتعاطف مع الإرهابيين». بينما قامت الحكومة العراقية بإغلاق مكاتبها في بغداد قائلة: إن الجزيرة تحرض المتمردين كي يقوموا بأعمالهم من خلال إظهار هجمات وتصريحات لأسامة بن لادن ومساعديه على أفلام فيديو.

لكن راشنغ، الذي سيظهر عبر محطة الجزيرة الناطقة بالإنجليزية ابتداء من الربيع، يعتبر قراره بالعمل معها نبيلا وليس هادفا للتحريض. وقال «أنا منحت كل سنوات الرشد من حياتي إلى صحة وخير هذه الأمة (اميركا). وأنا لا أريد أن أقوم بأي شيء لتهديدها». وقال «ما دربني فيلق المارينز عليه هو أن أمثل ما هو الأفضل فيما تقف الولايات المتحدة من أجله أمام جمهور أجنبي. وهذا هو بالضبط ما سأقوم به».

تستند محطة الجزيرة في التمويل بالدرجة الأولى الى ما يمنحه أمير قطر من أموال. وهي تقول إنها تمثل الأخبار التي تعكس وجهات نظر جميع الأطراف وتتهم محطات الإعلام العربي الأخرى بانها مجرد أبواق لحكوماتها.

ويرى راشنغ محطة الجزيرة الناطقة بالإنجليزية باعتبارها منصة للوصول إلى ملايين المسلمين الذين لا يفهمون أميركا التي يعرفها وللوصول إلى الملايين الذين يظن أنهم يعرفون القليل عن العالم المسلم بمن فيهم الأميركيون.

وقال راشنغ إن «مركز ثقل ذلك سيبرز كل الوقت... إن موقعي سيضعني حيث يكون هناك قتال جيد، ضمن محطة ستكون جسرا يوصل أميركا ببقية العالم».

لكن هذه الرؤية لا تحظى بالقبول من الجميع. اذ قال كليف كينسيد محرر مجلة أكيورسي المحافظة «أنا لا أرى كيف يمكن أن يعمل في الجزيرة إذا كان حقا يمتلك ضميرا. فهي تحرض العرب والمسلمين على قتل الأميركيين».

وقال كيث ديلب الذي كان يعمل في فيلق المارينز لخمسة أعوام «آمل أن أتمكن من الاعتماد عليه في تعزيز جهودنا» في الحرب ضد الإرهاب «بدلا من عرقلتها». وقال ديلب عبر الإنترنت إنه سيراقب «جوش عن كثب».

أما الصحافي البريطاني هيو مايلز الذي ألف كتابا عن محطة الجزيرة فقال إنها «حوكمت وثبت أنها مذنبة في أعين أغلب الأميركيين وخصوصا في أعين إدارة بوش... الكثير من الناس سيرون جوش راشنغ باعتباره متواطئا مع بروباغندا العدو».

لكن راشنغ يرد قائلا «أنا أرى أن أميركا عزيزة جدا علي والقيم التي تقف من أجلها لا يمكن أن تكون مهددة بأية طريقة من هذا النوع من المعلومات التي تطرحها هذه القناة.. إضافة إلى ذلك فإن رجل المارينز هو دائما رجل المارينز».

يمكن القول إن الكيفية التي أوصلت راشنغ للعمل في الجزيرة لا تحدث إلا في أميركا. فهو قد نشأ في لويزفيل بتكساس. وكان يلعب كرة القدم الأميركية في المدرسة حتى أصيب معصمه وأدى إلى ما يعتبر أمرا تقليديا بالنسبة لسكان الضواحي. فهو في سن الثامنة عشرة قدم طلبا للالتحاق بفيلق المارينز. وقال راشنغ «أنا كنت غير ناضج بشكل كاف للتفكير في الدراسة الجامعية ولم أكن ناضجا إلا إلى تحقيق ذلك».

كان راشنغ يعمل يوم 11 سبتمبر 2001 ضابطا في مجال العلاقات العامة في قاعدة ميرامار الجوية بشمال سان دييغو. وكان في حلقة دراسية مع عدد من ضباط العلاقات العامة حينما هاجم الإرهابيون نيويورك وواشنطن، وتساءل راشنغ «كيف يمكنك أن تشاهد أحداث 11 سبتمبر بدون أن تقول: الحياة أصبحت مختلفة الآن؟» وقال إنه طلب من مسؤوليه أن يبعثوه للخدمة في الخارج.

وفي أوائل عام 2003 حينما أنشأت القيادة العسكرية الوسطى مركز عمليات بالدوحة في قطر لشن الحرب ضد العراق صدر قرار كي يذهب إلى هناك. وعلى الرغم من أنه أصغر الضباط العاملين في حقل العلاقات العامة فإنه عمل ضابط اتصالات مع قناة الجزيرة.

وقال راشنغ «أنا أردت تعلم العربية وحينما ظهر رجال من الجزيرة كانوا أول العرب الذين التقيت بهم.. لذلك كنت أتعلم كل يوم جملة عربية منهم».

كان هناك الكثير من الصحافيين في المركز الاعلامي في القاعدة الاميركية في قطر ولم يكن لدينا سوى تسعة من المتحدثين فقسمناهم الى مجموعات. وقال المسؤول: يا راشنغ لديك علاقة طيبة جدا مع هؤلاء الأشخاص العاملين في الجزيرة، فلماذا لا تأخذهم؟».

وعندما جاءت المخرجة السينمائية المصرية جيهان نجم أول مرة الى المركز الاعلامي للسنتكوم في الدوحة، اعتقد راشنغ والموظفون الآخرون في قسم الشؤون العامة بأنها كانت تعمل فيلما طلابيا عن تغطية وسائل الاعلام للحرب. وبدلا من ذلك فان فيلمها الوثائقي «غرفة التحكم»، أثار اهتماما عالميا واسعا، وحقق لراشنغ قدرا متواضعا من الشهرة. فهو الأميركي الوحيد الذي يظهر بصورة رئيسية في الفيلم الذي يركز على تغطية الجزيرة للأيام الاولى للحرب.

وعندما عرض الفيلم عام 2004 علق النقاد على صراحة ونزاهة راشنغ. وابلغ راشنغ «ذي فيليج فويس» ان الاعلام الأميركي لا يقول الحقيقة كلها عندما يقوم بتغطية الحرب. وبعد ذلك بقليل طلب من راشنغ ان لا يتحدث الى وسائل الاعلام حول الفيلم. وقال الكولونيل ستيفن كاي، مساعد مدير الشؤون العامة لفيلق المارينز «لم اكن أعتقد انه من المناسب بالنسبة له ان يتحدث عن فيلمه الوثائقي ويروج له. كان ذلك قرارا كان علي اتخاذه كقائد عسكري له».

وكان راشنغ يجادل ما اذا كان عليه أن يقدم طلبا للتدريب كضابط في قسم الشؤون العامة في المارينز أو مغادرة الفيلق. وقرر ان الوقت قد حان للمغادرة.

ويقول راشنغ ان الجزيرة اتصلت به في وقت مبكر من العام الحالي ليلتحق بالقناة الجديدة. وكان خارج العمل، يلقي خطابات بينما يحاول أن يقرر ماذا يفعل لاحقا.

وكانت الشبكة قد وظفت عاملين منذ ما يزيد على السنة في القناة التي ستكون ناطقة بالانجليزية. وقالت المتحدثة كاتي بيرغيوس في رسالة بالبريد الإلكتروني ان القناة «قد قطعت نصف الطريق هناك» في تشغيل «مئات» من الأشخاص ممن تحتاجهم. وفي تصريحات سابقة قالت الشبكة انها ستحتاج الى 200 من العاملين.

وقالت بيرغيوس ان الجزيرة عينت حتى الان مخبرين صحافيين ومخرجين من عدد من المؤسسات الغربية المنافسة وبينها أسوشييتدبرس و«بي بي سي» والاذاعة الكندية و«سي إن بي سي» و«سي إن إن» وفوكس نيوز.

وكان نايجل بارسونز، المدير العام للقناة البريطاني المولد، مديرا سابقا للمبيعات في تلفزيون أسوشييتدبرس، وقبل ذلك كان يعمل في بي بي سي. أما الأميركي ويل ستيبنز فهو مدير مكتب واشنطن. وقد جاء ايضا من تلفزيون أسوشييتدبرس. وكان رزق خان الذي سيستضيف برنامج حوار من واشنطن، قد عمل سابقا في بي بي سي، وسي أن أن.

ويعتبر راشنغ الأميركي الأكثر اهمية من بين المعينين حتى الآن. وما سيقوم به يبقى غير محدد بالضبط، ولكن من المحتمل ان يقوم بتوليفة من العمل داخل الاستوديو واعداد التقارير الميدانية. وفي الاعلان عن تعيين راشنغ قال بارسونز ان الأميركي «يفهم اهمية ونتائج توفير الأخبار من جميع جوانب القضية، وهذا ذو قيمة كبيرة بالنسبة للقناة».

ولم يتحدث راشنغ عن المبلغ الذي سيتقاضاه، باستثناء ان راتبه اكثر من 70 ألف دولار سنويا اضافة الى مخصصات السكن التي كان يحصل عليها كضابط في المارينز وما يمكن ان يتوقع الحصول عليه اذا ما ادى عملا في مجال العلاقات العامة.

وسيكون للقناة الناطقة بالانجليزية مراكز بث في الدوحة، والعاصمة الماليزية كوالالمبور، ولندن وواشنطن، حيث يعيش راشنغ في الوقت الحالي. ويقول ان رؤساءه الجدد لن يحاولوا ان يفرضوا عليه ما يقوله في تعليقاته.

ويقول ان «أحد أسئلتي الهامة يتمثل في: هل يريدون ان يتحكموا بما سأقوله؟ أو بوجهات نظري؟ ليس لدي أي احساس بذلك على الاطلاق. من ناحية التحرير يمكنك ان تقول ما تريد».

* خدمة «يو إس إي توداي» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»