كوكايين أميركا اللاتينية يحوّل طريقه إلى المغرب قبل القفز نحو أوروبا

الشبكات المحلية تقدم خدماتها والبلاد مهددة بالتحول إلى سوق رئيسية

TT

يردد الناس في مدينة طنجة (شمال المغرب) حكايات كثيرة عن استفحال استهلاك مخدر الكوكايين في المدينة التي صنفت في منتصف التسعينات من العقد الماضي من طرف المرصد الدولي للمخدرات كونها كارتيلا دوليا للمخدرات على غرار كارتيل ميدلين في كولومبيا.

وفي الأحياء الشعبية بالمدينة لا يعدم الراغب في هذا المخدر تجارا يمدونه بالبضاعة بالتقسيط ويوفرون له الكمية والنوعية التي يريد في رمشة عين.

وسواء في الأحياء الراقية أو الشعبية فإن مستهلكي هذا المخدر في ارتفاع، بينما يزداد عدد المتاجرين فيه في ظل ارتفاع حاد للبطالة في المنطقة.

ويثير موقع طنجة على مضيق جبل طارق شهية شبكات المخدرات حيث أصبحت منذ سنوات المحطة الأخيرة التي تعبرها المخدرات التقليدية والثقيلة نحو أوروبا، إضافة إلى المهاجرين السريين.

واستطاعت شبكات ترويج المخدرات تكسير أسعار هذا المخدر حيث قسمته إلى طبقات في جودته ومفعوله وصار في متناول الكثيرين بعد ان كان قبل سنوات مخدرا خاصا بالأغنياء.

وأصبح مضيق جبل طارق، الذي كان قبل عقد ونصف العقد مجرد معبر للمهاجرين السريين والمخدرات الخفيفة، واحدا من المعابر الأساسية لتجارة الكوكايين بين القارتين الأفريقية والأوروبية.

ومنذ مطلع القرن الحالي أصبحت مهام هذا المضيق، الذي كان دوما مثار مشاكل بين ضفتي القارتين، أكثر اتساعا مما كانت عليه في السابق. فعصابات الجريمة المنظمة صارت ترى فيه بديلا ممتازا لطرقها القديمة لتجارة الكوكايين التي أصبحت يوما بعد يوم تجد لها أسواقا أوسع في بلدان الاتحاد الأوروبي وبلدان أوروبا الشرقية، لكن اتساع أسواقها وازته بالمقابل حملات أمنية قوية في جنوب القارة الأوروبية التي تشددت فيها الحراسة الأمنية على الشواطئ والموانئ التي كانت تدخل منها البضاعة القادمة من بلدان أميركا اللاتينية، وعلى الخصوص من كولومبيا والبيرو.

وكانت الشبكات الدولية لترويج الكوكايين تختار سابقا استعمال سفن وبواخر تعبر المحيط الأطلسي للرسو في موانئ إسبانية، خصوصا موانئ منطقة غاليسيا شمال شرق البلاد، وهي المنطقة التي تعرف وجودا قويا لشبكات محلية فعالة ولها امتدادات دولية، وأحيانا في السواحل البرتغالية. غير أن هذه الشبكات تلقت ضربات قوية خلال السنوات الماضية حيث ألقي القبض على عدد مهم من زعماء تلك الشبكات وعلى كميات ضخمة من مخدر الكوكايين مما جعل الاستراتيجية تتحول نحو مسالك وطرق أخرى لم تكن من قبل في جدول أعمال المهربين.

معبر رئيسي

* وكان رئيس الفرقة البوليسية الخاصة لمحاربة المخدرات في إسبانيا قد صرح في أغسطس (آب) الماضي بأن الضربات التي تلقتها الشبكات الدولية لتجارة الكوكايين جعلتها تغير استراتيجيتها وتوجه بضاعتها أولا نحو السواحل الأفريقية قبل توجيهها نحو أوروبا.

وفي السنوات الأخيرة صارت السواحل المغربية وسواحل أفريقيا الغربية، بدء من الجنوب المغربي إلى السواحل الليبيرية مرورا بسواحل السنغال، مثار اهتمام هذه الشبكات. وفي نهاية الأسبوع الماضي أعلنت الشرطة الفرنسية والإسبانية أنها فككت شبكة دولية قوية لنقل الكوكايين من أميركا اللاتينية إلى أوروبا عبر المغرب.

وقالت مصالح الأمن في البلدين إنه تم ضبط حوالي ثلاثة آلاف كيلوغرام من مخدر الكوكايين وعدد من قطع السلاح على متن باخرة قادمة من أميركا اللاتينية كانت تعتزم توجيه حمولتها في النهاية نحو أوروبا عبر المغرب. وحسب هذه المصادر فإن الباخرة كانت متوجهة نحو المغرب وضبطت في جنوب جزر الخالدات (الكناري) الموجودة قبالة السواحل الجنوبية للمغرب.

وكانت الباخرة قد انطلقت من السواحل الكوبية نحو سواحل كولومبيا حيث تم شحنها بـ«البضاعة» قبل أن تمخر عباب البحر في اتجاه السواحل الأطلسية للمغرب، وهي محملة بأزيد من ستين كيسا كبيرا مملوءة بالكوكايين.

وحسب مصادر الشرطة الإسبانية فإن الباخرة كانت ستفرغ حمولتها في «مكان ما» من الجنوب المغربي قبل أن يتم حمل البضاعة إلى شمال البلاد بواسطة السيارات أو الشاحنات، لتأخذ بعد ذلك وجهتها نحو الجنوب الأوروبي عبر مضيق جبل طارق ليتم توزيعها بعد ذلك على مختلف البلدان الأوروبية.

وفي بداية شهر سبتمبر (أيلول) الجاري ضبطت الشرطة الإسبانية مئات الكيلوغرامات من مخدر الكوكايين في مدينة ألميريا بالجنوب الإسباني. ويعتقد أن هذه الكمية كانت جزءا من كمية أكبر جاءت من الطريق نفسها بين أميركا اللاتينية وسواحل شمال أفريقيا قبل أن تعبر مضيق جبل طارق نحو الشمال. وقالت الشرطة إن تلك الشحنة وصلت عن طريق مركب كولومبي توقف في نقطة ما من شمال أفريقيا أو سواحل الغرب الأفريقي قبل أن يدفع ببضاعته نحو الشمال.

التعاون مع المافيا المحلية

* وكانت امواج الاطلسي قد ألقت قبل سنوات بكميات كبيرة من الكوكايين عند السواحل المغربية، الشيء الذي فاجأ وقتها المغاربة الذين كانوا يعتقدون أنهم ما زالوا في منأى عن هذا النوع من المخدرات.

وكان عدد من المغاربة وجدوا بالصدفة أكياسا كثيرة بيضاء على ساحل المحيط الأطلسي حيث اعتقد بعضهم أنها أكياس سكر أو دقيق ألقت بها إحدى البواخر. وتلت تلك الحادثة حملة اعتقالات لأشخاص أخفوا ذلك المخدر أو حاولوا بيعه. وكان ذلك الحادث أول إنذار علني للمغاربة كونهم أصبحوا هدفا لعصابات الكوكايين.

وتحاول شبكات الكوكايين من خلال توقفها في السواحل الأفريقية أخذ نفس في انتظار رسم خريطة طريق جديدة نحو أوروبا والتعرف على رجال المافيا المحليين الذين يمكن أن يسهلوا عملية العبور بين ضفتي القارتين.

ولا تجد الشبكات المحلية صعوبات كبيرة في قبول مثل هذه العروض. فنقل مائة كيلوغرام من الكوكايين على متن مركب خشبي عبر مضيق جبل طارق تكون عائداته أكبر بكثير من نقل مائة كيلوغرام من الحشيش العادي. كما أن حجمه يكون أقل ويمكن العبور به بسهولة أكبر في زوارق سريعة تنهب الماء وتسمى «الزوارق الطائرة». كما أنه من الممكن رميه في الماء عندما تفاجئ دوريات الحرس المهربين. ويتواطأ مخدر الكوكايين مع مهربيه حين يغرق في الماء بسرعة بعد أن يرمى في البحر هربا من حالة التلبس، عكس الحشيش الذي يجد مهربوه صعوبة في إخفائه تحت الماء بسرعة بسبب حجمه الكبير وطبيعته التي تجعله لا يغرق بسهولة. وسواء في ما يتعلق بمخدر الكوكايين أو الحشيش فإن المهربين يستعدون للمفاجآت جيدا ويلفون بضاعتهم بقطع بلاستيكية سميكة سوداء لتتماهى مع لون المياه ليلا ويتم رميها في البحر بعد اقتراب الحرس، مع ترك إشارات بسيطة تدل عليه من أجل العودة إليه في وقت لاحق.

وهناك وسيلة أخرى لعبور البضاعة عن طريق حاويات الشاحنات التي تعبر مضيق جبل طارق في السفن بحيث يعتبر إخفاؤها أيضا مسألة سهلة بالمقارنة مع الحشيش أو المهاجرين السريين.

وفي السنة الماضية قالت الشرطة الإسبانية إنها اكتشفت طريقا جديدة لعبور الكوكايين من أميركا اللاتينية إلى أوروبا عبر البلدان الأفريقية تلعب فيها السواحل المغربية دور المحطة الأخيرة لهذه البضاعة التي تلقب بـ«الذهب الأبيض».

وتعتقد الشرطة الإسبانية أن المافيا الكولومبية استطاعت ربط صلات وثيقة مع مافيا الحشيش التي تتكون عادة من مغاربة وإسبان. وتعتمد الشبكات الكولومبية على الخبرة الكبيرة للشبكات الإسبانية والمغربية في طريق الحشيش عبر البحر المتوسط ومضيق جبل طارق لكي تجعل منه طريقا جديدا للكوكايين.

وألقت الشرطة الإسبانية خلال عملية سابقة القبض على شبكة تعتبر نموذجا للبنية البشرية التي تميز الشكل الجديد للشراكة بين الحشيش والكوكايين. ففي هذه العملية ألقي القبض على مغربي من مدينة طنجة وإسبانيين وكولومبيين. غير أن هذه التشكيلة البشرية أصبحت تتغير بسرعة عبر ازدياد الشبكات القادمة من أوروبا الشرقية. كما أن وجود مستعمرتين لإسبانيا في شمال أفريقيا هما سبتة ومليلية يساهم إلى حد كبير في تركز شبكات إسبانية في الجزء الجنوبي من البحر الأبيض المتوسط وتعتبر امتدادا للشبكات الموجودة في شبه الجزيرة الايبيرية. إضافة إلى تركز شبكات قوية للتهريب وتبييض الأموال في منطقة ماربيا (جنوب إسبانيا) والتي تعتبر واحة غناء لشبكات التهريب وتبييض الأموال من مختلف مناطق العالم.

من معبر إلى سوق

* ويثير تحول المغرب إلى محطة رئيسية لعبور الكوكايين تخوف المغاربة من انتشار هذه الآفة وكسبها لمستهلكين جدد.

ولا تتوفر السلطات المغربية على أرقام دقيقة حول عدد مستهلكي الكوكايين في البلاد. غير أن حملات أمنية جرت بينت أن هناك ارتفاعا مستمرا في عدد المستهلكين في عدة مدن مغربية، وخصوصا المدن الكبرى، وأن مستهلكي هذا المخدر الذي كان إلى وقت قريب يعتبر مخدر النخبة، تحول اليوم إلى مخدر شعبي بحيث يمكن العثور عليه في الأحياء الشعبية بعد أن تحول عدد مهم من تجار الحشيش التقليدي إلى المتاجرة في الكوكايين بسبب مردوده العالي وإمكانية إخفائه بسهولة والاستفادة من رقعة انتشاره التي تزداد كل يوم.

ولا تقتصر التخوفات من النشاط المتزايد لمافيا الكوكايين بين أوروبا وأفريقيا من زيادة رقعة انتشاره فحسب. فتجار الكوكايين، وهم الأكثر احترافية وقسوة بين كل الشبكات الأخرى، يتوفرون عادة على أسلحة متطورة يستخدمونها في حالة الضرورة، أو لتصفية الحسابات في ما بينهم. وفي عدد كبير من العمليات التي قامت بها الشرطة الأوروبية في السنوات الأخيرة تم العثور على عدد كبير من قطع السلاح في البواخر أو الحاويات التي تحمل الكوكايين. وفي إسبانيا هناك أرقام تميل إلى الدقة حول العدد المتزايد لمستهلكي الكوكايين، خصوصا بين الشباب والمراهقين. وأفاد تقرير نشر نهاية السنة الماضية الى أن استهلاك الكوكايين بين المراهقين الإسبان (بين 14 و18 سنة) تضاعف أربع مرات بين 1994 و2004. وأشار التقرير الذي أشرفت عليه السلطات الإسبانية الى أن أزيد من نصف الذين تم استجوابهم اعتبروا انه أصبح من السهل الحصول على مخدر الكوكايين، وأن إسبانيا تحولت من طريق للكوكايين نحو أوروبا إلى سوق رئيسية، وهذا ما يمكن أن يثير تخوفات كبرى في المغرب أيضا.