بناء جدار شبيه بـ«الجدار الإسرائيلي» حول سبتة ومليلية

جدل في إسبانيا حول خيار إطلاق النار على المهاجرين

TT

اصبحت عمليات الكر والفر التي يمارسها المهاجرون الافارقة المتربصون على اطراف مدينتي سبتة ومليلية اللتين تحتلهما اسبانيا شمال المغرب امرا عاديا، لم يعد يشكل مفاجأة صباحية للإسبان والمغاربة. وتوجد جموع المهاجرين في حالة تربص في انتظار لحظة الانقضاض على الأسلاك الشائكة والسياجات المعدنية.

وفي هذا السياق، قامت مجموعة مهاجمة جديدة فجر امس بمحاولة اقتحام حدود مدينة مليلية، وهي الرابعة التي تتم في ظرف اسبوع، ساعد عليها الطقس الدافئ في الليل وانتشار الضباب. وكما حدث في المواجهات السابقة بين المهاجمين وقوات الحرس المدني الاسباني، فقد خلفت المحاولة الاخيرة جرحى وإصابات خفيفة في صفوف الجانبين. وتمت المحاولة بعد يومين من الهجوم الضخم الذي شارك فيه اكثر من 700 مهاجر سري. وفقا لما ذكرته وكالات الانباء، فان الإصابات التي تراوحت بين الكسور والجروح والرضوض في الرأس، ليست ناتجة عن استخدام القوة من قبل الاسبان او المغاربة، بقدر ما يكون السبب فيها اصرار الافارقة وعنادهم على تخطي الحدود والسياجات مهما كلف الأمر.

وانتقل موضوع الهجرة السرية الى داخل اسبانيا، وتحول الى قضية داخلية تتصارع الآراء والمواقف حولها بين الاحزاب والمنظمات والهيئات الانسانية، منها من يلوم الحكومة ويتهمها بالتقصير، داعية الى إبداء مزيد من الصرامة والقوة، وبينها من يدعو الى معالجة جديدة للمشكلة التي بدأت منذ سنوات، في عهد الحكومة السابقة التي كان يقودها الحزب الشعبي المعارض، لدرجة ان مسؤولين في الحزب المذكور يعودون الى ملفات نزاع قديمة مع المغرب، ويعيدون الى الاذهان في هذا الصدد الخلاف المغربي ـ الاسباني حول جزيرة ليلى ليخلص اليمين الاسباني الى ان المغرب لا يؤمن جانبه.

وفي خضم النقاش الدائر حاليا في اسبانيا، أثيرت مسألة بالغة الحساسية وهي هل يحق للقوات المسلحة ان تطلق النار على المهاجرين الافارقة الذين يقتحمون الحدود بكيفية غير قانونية؟

اللجوء الى إطلاق الرصاص ضد الافارقة امر غير وارد في نظر وزير الدفاع الاسباني خوسي بونو، فضلا عن ان مطاردة المهاجمين تثير بدورها قضايا اخرى ترتبط بوضعية الحدود الاسبانية، ذلك ان ثغري سبتة ومليلية، يمثلان ارضا يطالب بها المغرب منذ قرون، ولا توجد حدود مرسومة بين الجانبين معترف بها دوليا، لان المغرب يرفض ذلك استنادا الى حقه التاريخي، علما انه يتجنب اثارة المشكلة الحدودية مع اسبانيا في خضم الحرب المعلنة على الافارقة المهاجرين، غاضا الطرف عن عمليات تتبعهم حتى ولو دخلت القوات الاسبانية التراب المغربي، ما دام أن البلدين يتمسكان بالتعاون الذي تعترف به حتى الاوساط المنتقدة للحكومة الاشتراكية الحالية.

وفي هذا السياق، ذكرت مصادر متطابقة ان الحكومة الاسبانية قررت تعزيز السياج الأمني على اطراف سبتة ومليلية عن طريق بناء جدار معدني يشبه الجدار الإسرائيلي، يصعب على المتسللين اقتحامه. وسيكون الحاجز الجديد مثبتا في الارض يتعذر اقتلاعه ومربوطا بشبكة اسلاك داعمة. وتقرر هذا الاجراء في اجتماع لمجلس الوزراء الاسباني الذي سجل ان التعزيزات الأمنية بايفاد عناصر من الجيش، لم تكبح المهاجرين. وقد منحت صفقة بناء الجدار الى شركة متخصصة ومشهورة في مجال الحماية الأمنية. وبهذا الاجراء ستضطر اسبانيا الى تصرف يشبه ما قامت به اسرائيل في الارض الفلسطينية مع وجود فارق طبعا. واستنادا الى مصادر اعلامية، فان بناء السور اصبح امرا عاجلا. وورد على لسان مسؤولين حكوميين ان السياجات الحالية المقامة حول سبتة ومليلية لا تكفي لحماية مزرعة.

الى ذلك، ربط خافيير سولانا، مسؤول السياسة الخارجية والدفاع في الاتحاد الاوروبي، تعاون هذا الاخير مع الدول المصدرة للهجرة، بما تقوم به للحد منها، مضيفا ان الموضوع سيطرح بحدة ويوضع على طاولة القمة الاورو ـ متوسطية في برشلونة نهاية الشهر المقبل.

من جهتها، قالت الينا اسبينوسا، وزيرة الفلاحة والصيد الاسبانية ان بلادها مستمرة في التعاون مع المغرب لمعالجة مشكلة الهجرة السرية، لكنها ناشدت الاتحاد الاوروبي العمل على تحمل مسؤولية جماعية بهذا الخصوص. واشارت الى ان اتفاق الصيد المبرم اخيرا بين بروكسل والرباط من شأنه المساعدة على ايجاد فرص عمل. كما ان اسبانيا مستمرة في دعم المغرب اقتصاديا واجتماعيا. وخلصت الوزيرة الاسبانية الى ان توفير ظروف العيش الملائم في البلدان المصدرة للهجرة هو السبيل الوحيد لوقف الظاهرة في منابعها.

وتقرر ان تتوجه اللجنة التقنية التي قرر الاتحاد الاوروبي ايفادها الى سبتة ومليلية والمغرب قبل 12 من الشهر الجاري، حتى تتمكن من رفع تقاريرها الى اجتماع وزراء العدل والداخلية الاوروبيين المقرر يوم 12 من الشهر الحالي. وحددت مهمة اللجنة في صياغة اجوبة عن الاسئلة التالية: ماذا حدث؟ ماذا يحدث الآن؟ وماذا في إمكان الاتحاد الاوروبي ان يفعله؟

على صعيد آخر، اعترف ناطق باسم الاتحاد الاوروبي امس، بأن المفاوضات مع المغرب بخصوص اتفاق لاستقبال واستعادة المهاجرين الذين يعبرون اراضيه ويتم طردهم من الدول الاعضاء، لم تنته (المفاوضات) الى نتيجة. ولاحظ الناطق ان المشكلة ذات جوانب معقدة، وتتطلب مزيدا من الدراسة والبحث، مؤملا ان يتوصل الجانبان الى الاتفاق قبل نهاية العام الحالي.