قبيلة «المغاربة» في السودان تحن إلى جذورها وتنظم حفلا استثنائيا لوفد مغربي زار الخرطوم

عددهم في حدود مليون نسمة ويتحدر معظمهم من مدينة فاس

TT

كثيرة هي المعالم التي تثير فضول زائر السودان، خاصة عاصمته الخرطوم، فلربما استرعى انتباهه الطراز المعماري الفريد لمساجدها ومآذنها، وقد يستوقفه ذلك المنظر العجيب «ملتقى النيلين» الأبيض والأزرق في صورة قل نظيرها، ولربما دفعه حب الاستطلاع إلى التجوال في أسواقها الشعبية، التي توارى عنها المنتوج المحلي، مفسحا المجال لنظيره الصيني ليستأسد في محالها ومتاجرها، لكن أكثر ما يثير استغراب الزائر من المغرب بالضبط هو وجود سودانيين من أصل مغربي.

غير أن حالة الاستغراب هذه سرعان ما تتبدد، حينما يعلم الوافد الى هذه الربوع، أن هناك قبيلة تحمل اسم «قبيلة المغاربة»، لها مكانة مرموقة وصيت ذائع داخل المجتمع السوداني، بفضل الاحترام والتقدير الكبير الذي تحظى به، بالنظر الى أن الوافدين الأوائل من المغاربة، قدموا إلى هذا البلد بغية نشر الدين الإسلامي وبالخصوص ما يعرف بالإسلام الصوفي. قال كامل عبد الماجد المستشار في المجلس الوطني السوداني (محافظ سابق في عدد من محافظات السودان) وأحد المنتسبين لقبيلة المغاربة بالسودان، في حديث لوكالة الانباء المغربية، بمناسبة الاستقبال الحار الذي خصصته هذه القبيلة للوفد المغربي، الذي شارك في فعاليات «الخرطوم عاصمة الثقافة العربية 2005» ( 26 سبتمبر الى اول اكتوبر الجاري)، إن «أسلافنا المغاربة أتوا منذ حوالي 500 أو 550 عاما إلى السودان، لنشر الاسلام، قادمين من عدة مناطق بالمغرب، خاصة من فاس، ولعل ذلك ما يفسر القول المأثور عند أهل السودان «فاس اللي ما وراها ناس»، اعتقادا منهم بأن فاس لا توجد وراءها يابسة.

وأضاف أن أغلب هؤلاء الوافدين كانوا من علماء الدين ورجالات التصوف، وعندما دخلوا إلى أرض السودان استقر بعضهم قرب شواطئ النيل الأبيض في منطقة تسمى (حريدانة)، في حين استقر الكثير منهم بمنطقة شرق النيل (تقع مباشرة شرق الخرطوم بحري).

وأشار إلى أن المنتسبين لقبيلة المغاربة يوجدون بكثرة في شمال منطقة «المناقل»، التي تسمى منطقة غرب الجزيرة، حيث تنتشر القبيلة في 36 قرية. كما يوجد البعض منهم في وادي مدني، ثاني حواضر السودان، ومنتشرين في قرى تقع في منطقة الجزيرة من قبيل قرية (كعويرة)، بالإضافة إلى قرية اسمها «المغاربة»، مما يدل على أنهم كلهم مغاربة، بمعنى أن انتشارها شمل حيزا جغرافيا صغيرا، حيث قلما تجد أفرادا من القبيلة وسط أو غرب أو جنوب البلاد، خلافا للقبائل الأخرى المنتشرة بمختلف أرجاء السودان. أما المعاقل الحقيقية لقبيلة المغاربة بالسودان، فتأتي في مقدمتها قرية «الشيخ الأمين ولد بلة» (حوالي80 كلم شرق الخرطوم)، التي تحمل اسم أحد أحفاد الشيخ سيدي أحمد زروق أبو المغاربة السودانيين, دفين مدينة مصراتة على الحدود الليبية ـ المصرية، فضلا عن قرى أخرى مثل سوبا الشرقية ودار السلام والهلالية (شرق النيل باتجاه الجنوب)، وتبقى قرية (محراز) من بين أكبر هذه المعاقل.

وإذا كان عدد القبائل في السودان يفوق الـ600، فإن قبيلة المغاربة هي الوحيدة على الاطلاق التي تحمل اسم الجهة أو البلاد التي أتت منها، وهو معطى لا تنعم به قبائل أخرى تحمل أسماء عادية كقبيلة الكواهلة والعركيين والرفاعة والشكرية، بحيث تنفرد «قبيلة المغاربة»، بالاحتفاظ باسم الجهة التي قدمت منها.

ورغم أنها من القبائل المتوسطة في السودان، لا يتعدى عدد أفرادها مليون نسمة على أبعد تقدير، كما يقول كامل عبد الماجد، فإن قبيلة المغاربة، التي ظلت منحصرة في مساحة ضيقة، بقيت منفتحة على محيطها المباشر وتفاعلت معه وأنجبت العديد من الرموز الذين أثروا في حياة أهل السودان، بمن فيهم السفراء والوزراء والأساتذة الجامعيون، خاصة أن أبناءها ارتادوا التعليم النظامي من مدارس وجامعات منذ انطلاقه بالسودان.

وخلص كامل إلى أنه إذا كان أبناء قبيلة المغاربة يعتزون بأصولهم المغربية ويفتخرون بها، فإن حنينهم لبلدهم الأصلي يبقى حنينا مستداما، فغالبا ما يتحدثون عن جذورهم في المغرب، وإذا سافر الفرد منهم إلى المغرب فإن أول ما يسأل عنه من قبل أفراد القبيلة فور عودته: «هل وجدت أهلا لنا هناك من سلالة أحمد زروق المغربي؟» و«هل سألت عن أجدادك هناك؟».

وجريا على عادة القبائل العربية في إكرام وفادة الضيف، كان الاستقبال الذي خصصته هذه القبيلة للوفد الثقافي المغربي استقبالا منقطع النظير، امتزجت فيه حرارة اللقاء وتكبير وتهليل، كلما ذكر اسم المغرب وطقوس الكرم من نصب للخيام الضخمة وذبائح وقرع على طبل «النحاس»، الذي لا يستعمل إلا في مناسبات ثلاث، أولاها قدوم ضيف عزيز، وثانيتها عودة شيخ القبيلة سالما من مهمة وآخرها وفاة واحد من علية القوم.

ثم جاء دور الكلمة لتعبر عما يختلج السرائر من مشاعر محبة وأحاسيس جياشة عكست في مجملها فرحة الحشود التي توافدت على قرية «الشيخ الأمين» من كل حدب وصوب، حيث أبى زعيم هذه القرية الشيخ الطيب الغزالي (عضو المجلس الوطني السوداني) إلا أن يقيم مأدبة كبيرة على شرف الوفد الثقافي المغربي، حضرها عدد كبير من أفراد القبيلة وأعيانها (أزيد من600 شخص) بمن فيهم الدكتور غازي صلاح الدين العتابني المستشار لدى رئاسة الجمهورية.

وعكست الكلمات والقصائد التي ألقيت بالمناسبة ترقب أفراد القبيلة الطويل لقدوم المغاربة والفرحة العارمة التي غمرت أفرادها وهم يحتفون بهذا اللقاء.. حيث جادت قريحة كامل عبد الماجد بقصيدة مطلعها:

أتى أهلي فأشرقت الديار وغرد في دواخلنا الفخار بنو عمي وإن شط الزمان وعز الوصل واستعصى المزار بمقدمهم سعدنا في احتفاء عظيم والإخاء له إطار إلى أن يقول: إلى الملك التحية فاحملوها «مليك بالبنان له يشار هو الشمس التي في كل أرض بها عند الدياجي يستنار وللشعب العزيز عظيم حبي فرغم البعد ليس لنا انشطار.