رسالة الظواهري للزرقاوي.. الرجل الثاني ينضوي «عمليا» تحت زعامة الفتى المتمرد

نائب بن لادن يستكشف إمكانية ذهابه للعراق ويعترف باحتجاز إيران 100 من أعضاء «القاعدة» ويعتبر إخراج الأميركيين هدفا مرحليا

TT

تكشف رسالة ايمن الظواهري، الرجل الثاني في تنظيم «القاعدة»، الى زميله أبو مصعب الزرقاوي، قائد تنظيم «القاعدة» في العراق، جوانب مهمة وخفية تكشف عن وضع التنظيم الآن، وطبيعة العلاقة بين جماعة الزرقاوي والقيادة الأم لتنظيم «القاعدة» في الخارج.

هذه الرسالة التي نشرت السلطات الأميركية امس نصها الكامل، من دون أن تحمل عنوانا معينا، مؤرخة بـ«يونيو/حزيران 2005» يلفت النظر فيها عدة مسائل، أهمها أن الظواهري يطلب من الزرقاوي تسهيل أو إيجاد طريقة له من أجل القدوم الى العراق، كما تكشف عن أن التنظيم تعرض لضربة قوية باعتقال أبو الفرج الليبي (اعتقل في مايو/ أيار الماضي في باكستان وسلم الى واشنطن).

حيث قال الظواهري بالنص: «العدو قد وجه إلينا ضربة أيضا بالقبض على أبي الفرج، فك الله أسره، ولكن لم يقبض على أي أخ عربي وحاول الإخوة، ونجحوا الى حد كبير، في احتواء سقوط أبي الفرج». كما يشير الظواهري الى انقطاع خطوط الإمداد المالي للتنظيم، بعد اعتقال أبي الفرج الليبي، وان كان وصفها بـ«الجيدة» عموما، إلا انه طلب من الزرقاوي إمداده بمبلغ مائة ألف، ومن المرجح انه يقصد مائة ألف دولار، مما يعني أن كفة الزرقاوي في قيادة التنظيم بدأت ترجح على غيره.

وشكا الظواهري للزرقاوي من ضراوة الجيش الباكستاني في ملاحقة فلول «القاعدة» على الحدود الباكستانية ـ الأفغانية، مما يؤكد الرواية القائلة بتركز أنصار «القاعدة» في تلك المنطقة، وربما زعيم التنظيم أسامة بن لادن، ولكن الظواهري لم يكشف عن مكانه أو يشير إليه، وان كانت الرسالة توحي بوجود الظواهري في الأراضي الباكستانية. ربما تكون هذه أهم النقاط اللافتة في ما يخص وضع تنظيم «القاعدة» في باكستان ووضع رجاله، بالإضافة طبعا لبعض النقاط ذات الطابع الحميم مع الزرقاوي، حيث ذكر انه أثنى عليه في شريط قناة «الجزيرة»، وأرسل له بعض كتبه وإصداراته الصوتية هدية له.

وكان مسؤولون أميركيون قد لخصوا في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي محتوى الرسالة التي تقع في 13 صفحة، وتقول القوات الأميركية إنها عثرت عليها أخيرا في العراق ثم نشرت أمس نص الرسالة بالكامل.

وبخصوص نصائح الظواهري للزرقاوي، فخلاصتها تكمن في كلمة واحدة: أنت على صواب ونحن معك، ولكن خفف من الحماس ووحد الهدف الذي تريد ضربه، وكف عن الشيعة، وتجهز للخطوة التالية بعد خروج الأميركيين، الذي هو قادم ووشيك حتما، حسب تصور الظواهري.

ومن الواضح أن الظواهري في هذه الرسالة يريد ممارسة دور المنظر والمخطط الاستراتيجي لحركة «الفتى» أبو مصعب الزرقاوي، وتوجيه حركته العامة، الأمر الذي كان الظواهري يتمتع به مع صديقه أسامة بن لادن، فهو يتحدث عن أن العراق مجرد خطوة في الطريق، وهو يجب أن يكون قاعدة للانطلاق وليس هدفا نهائيا، أو كما قال الظواهري إن هناك أهدافا «مرحلية» وأهدافا نهائية، أما المرحلية فهي إخراج القوات الأميركية، وأما النهائية فهي إقامة الخلافة الإسلامية على امتداد بلاد الشام والعراق ومصر، باعتبار أن هذه هي«عقيدة» الظواهري السياسية التي لا يزال مؤمنا بها. ومن اجل ذلك ينصح الزرقاوي بتوسيع قاعدته في العراق عبر إشراك من سماهم بـ«الشرفاء» من أهل العراق معه وعدم الاستئثار بالسلطة، إذا خرجت أميركا، لأن ذلك هو خطأ طالبان الذي وقعت به، فقصرت السلطة على أتباعها من الطلبة، بل على أهل قندهار تحديدا، مما سرع بانهيار الإمارة لما ضربتها أميركا، لعدم وجود الأنصار الكافين.

ومن اجل توسيع القاعدة الشعبية ينصح الظواهري زميله الزرقاوي بالتخلي عن الممارسات التي تنفر الجمهور، فالجمهور «قليل العلم» ويجب أن «نعلمه السباحة قبل أن نلقيه في البحر» كما يقول، لذلك يجب أن يتوقف الزرقاوي عن مهاجة عوام الشيعة، والقتل عن طريق الذبح. ويذكر ايمن الظواهري زميله الزرقاوي بأن إيران الشيعية تحتجز لديها قرابة مائة من أعضاء تنظيم «القاعدة»، فكيف ينسى الزرقاوي ذلك؟! وإذن، فدلالات رسالة الظواهري الأخيرة هي:

> يجب تحييد الشيعة عن الصراع في العراق من اجل كسب إيران، وكذلك من اجل توسيع القاعدة الداخلية في العراق، وخارجه، بسبب أن «نصف المعركة هي في الإعلام» كما يقول الظواهري. ومن هنا نصيحته له بعدم ذبح الرهائن.

> يجب إشراك قطاع أوسع من السنة العرب في الحكم. > يجب إعداد خطة للخطوة التالية لانسحاب القوات الأميركية تكمن في مشروع إنشاء إمارة جديدة على ثرى العراق على غرار طالبان مع تجنب الوقوع في أخطائها.

> تركيز «القاعدة» الحالي على ساحة العراق لأنها هي الساحة الأقرب الى قلب العالم العربي والإسلامي، والظواهري يذكر في رسالته هذه أن حروب كشمير والشيشان وأفغانستان، وغيرها من بلدان الأطراف ليست إرهاصات للصراع الحقيقي في بلاد الشام والعراق ومصر، التي يجب خلعه حكوماتها الكافرة وإقامة الخلافة الإسلامية على أنقاضها. ومن هنا تأتي أهمية الساحة العراقية.

الظواهري واع تماما بأهمية الدعم الجماهيري توفير الغطاء الشعبي وهو ينصح زميله الزرقاوي بعدم إغفال هذا الجانب والاستهانة به، ويقول إن الجمهور العربي والإسلامي لا يتحمس للمعركة ما لم يكن فيها عدو أجنبي، خصوصا إذا كان يهوديا أو أميركيا، ولذا بجب التركيز في خطاب «القاعدة» على هذه الجزئية، وبما معناه إخفاء الأجندة الحقيقية لـ«القاعدة» من أجل كسب الجمهور، وعدم التركيز عليها في اسوأ الأحوال.

هذه النصيحة التي أرسلها الظواهري للزرقاوي، ليست الأولى التي يتلقاها المتشدد الأردني الذي اشتهر بأعماله القاسية والمرعبة في العراق، فقد سبق أن وجه المقدسي، صديقه وشيخه في الفكر، نصيحة له يحثه فيها على تجنب استهداف الشيعة بسبب التحريض الإعلامي. والمشترك بين نصيحة الظواهري والمقدسي لزميلهما الزرقاوي هو التأكيد على أنهم معه وفي صفه، وأنهم بعيدون عن الساحة، ولكنه واجب النصيحة.

يبقى القول إن أنظار العيون الأصولية تتجه الآن صوب العراق بعد أن اثبت الزرقاوي لشيوخه السابقين الذين سبق أن شككوا به، ودعموا معسكره في هيرات بعد تردد، ولكن هي يعني ذلك أن حضورهم في باكستان بات هزيلا وشاحبا، ولذا بدأ إنشاء خطاب جديد «يمركز» العراق في الهم «القاعدي» الأعلى؟ هذا ما ستكشفه الأيام.