غازي كنعان: «حاكم لبنان» الفعلي السابق.. نجا من الاغتيال ومات منتحرا

TT

ولد غازي كنعان عام 1942 في بلدة بحمرا في محافظة اللاذقية، (مسقط رأس الرئيس الراحل حافظ الاسد) لعائلة من الطبقة الوسطى ومن الطائفة العلوية. ورغم انه لا يمت بصلة قربى الى عائلة الاسد، الا ان تحالفاً وثيقاً كان قائماً بين العائلتين.

تطوع في القوات المسلحة بعد حصوله على الثانوية العامة، وبعد تخرجه من الكلية الحربية بحمص عام 1965 التحق بصفوف القوات المسلحة.

لم يطل كنعان البقاء في الجيش، اذ التحق سريعاً بالاستخبارات السورية، بعد دور بارز قام به بقيادة قوة مقاتلة في الجولان السوري، خلال حرب 1973، ثم ما لبث ان عين رئيساً لفرع استخبارات حمص برتبة عقيد. لكن نجمه بدأ يلمع عقب الاجتياح الاسرائيلي للبنان، عندما قرر الرئيس الراحل حافظ الاسد احداث تغييرات جذرية في الهيكلية العسكرية والاستخباراتية السورية، فنقل غازي كنعان الى لبنان (عام 1982) وعين نائباً للعقيد محمد غانم رئيس جهاز الأمن والاستطلاع للقوات السورية العاملة في هذا البلد آنذاك. وما لبث ان عين رئيساً لهذا الجهاز في يوليو (تموز) 1983، حيث اتخذ من بلدة عنجر البقاعية مقراً له. وفي يوليو 1986، كان كنعان على موعد مع ترقية جديدة اصبح بموجبها عميداً، مع المزيد من المسؤوليات السياسية في ما يتعلق بالملف اللبناني.

وكاد كنعان ان يدفع ثمن امساكه بالملف اللبناني، اذ تعرض في عام 1988 لمحاولة اغتيال اثناء عودته من لقاء مع المرجع الشيعي الشيخ محمد حسين فضل الله، في ضاحية بيروت الجنوبية، فاصيبت سيارته بوابل من الرصاص ونجا باعجوبة. وتردد آنذاك ان عناصر من «حزب الله» نفذوا العملية، رداً على ما قيل انه دور لكنعان في عملية «تأديب» الحزب عبر مجزرة «ثكنة فتح الله»، التي حصلت في محلة البسطا في بيروت، عقب عودة القوات السورية الى العاصمة اللبنانية عام 1987.

بعد اقرار اتفاق الطائف، وتسلم سورية ادارة الملف اللبناني في صورة شبه كاملة، تعاظم دور غازي كنعان حتى بات يلقب بـ«حاكم لبنان» لقوة نفوذه بين السياسيين اللبنانيين، الذين كانوا يحسبون الف حساب لآراء «ابو يعرب»، الذي كان الآمر الناهي، وفقاً لما ادلى به كثيرون من السياسيين اللبنانيين. ولعل ابرز دليل على سطوته كان خلافه مع النائب يحيى شمص، الذي وصفه في جلسة لمجلس النواب بـ«الحجاج بن يوسف»، متهماً اياه بانه يريد رأسه لخلاف بينهما على ملكية ارض، فكان ان دخل شمص السجن بتهمة الاتجار بالمخدرات واسقطت عضويته في مجلس النواب، ثم ما لبث ان اقر المجلس بعد سنوات قليلة قانون عفو عام اعد خصيصاً لاخراج شمص من السجن، بعدما استعاد رضى كنعان.

وفي عام 1995، كان كنعان صاحب الكلمة الاخيرة في اعلان التمديد لرئيس الجمهورية الياس الهراوي، اذ قال في اجتماع حضره عدد كبير من النواب، ان التصويت يجب ان يتم «علانية» ورفع يده في الهواء. وهو ما حصل فعلاً، اذ رفع النواب ايديهم بعد اقل من شهر لتمديد ولاية الهراوي ثلاث سنوات اضافية.

لكن كنعان نفسه كان يتعمد ان يغمز من قناة الهراوي. وتردد انه نما اليه ان الاخير كان يلتقي مسؤولين اميركيين سراً، فاتصل به متحدثاً بالانجليزية قائلاً: «صباح الخير فخامة الرئيس» في اشارة منه الى معرفته بالامر. يقول الذين كانوا يلتقون كنعان انه كان يبدل كلامه عن الرئيس الراحل رفيق الحريري وفقاً لرضاه عنه. فاما ان يقول انه افضل الناس، او يرفض من زواره ان يلقبوا الحريري بالرئيس امامه. ومع هذا فقد تلقى ابنا كنعان دروسهما في جامعة جورج تاون الاميركية بمنحة كاملة من مؤسسة الرئيس الحريري.

وقد كشف النائب ايلي سكاف الاسبوع الماضي، ان كنعان كان يوجه اليه «شتائم مذلة وكلاماً كبيراً» قائلاً، ان كنعان استولى على قطعة ارض يمتلكها وانه لعب دوراً اساسياً في وقوعه تحت عبء دين كبير، ناقلاً عنه قبل مغادرته لبنان قوله له: «انا الذي خلقت لك المشاكل. وانا الوحيد الذي بامكانه ان يحلها».

قلده رئيس الجمهورية اللبنانية ارفع وسام لبناني وجرى تسليمه مفتاح مدينة بيروت في حفل رسمي حضره رئيس الحكومة. كما قلّد عدد من الأوسمة بمناسبة انتهاء عمله في لبنان عام 2002، بعدما أمضي فيه عقدين ونصف العقد، متمتعاً بثقة مطلقة من قبل الرئيس السابق الراحل حافظ الأسد.

وبعد انتهاء عمله في لبنان، عاد إلى سورية ليتولى منصب مدير إدارة الأمن السياسي في سورية في الفترة ما بين 2002 و2004. وبعدها أسند إليه منصب وزير الداخلية، ويومذاك اعتبر بعض المعلقين في صفوف المعارضة السورية في الخارج تعيينه في هذا المنصب بمثابة رسالة تطمين للولايات المتحدة. رغم ذلك لا يعرف السوريون اسم غازي كنعان، بمقدار ما يعرفه اللبنانيون، الذين سمعوا الاسم ورددوه كثيراً بالخير وغيره، حتى بات يقارب «الاسطورة» لجهة نفوذه، الذي طبع الحياة السياسية اللبنانية، فتعلقت به مصائر الكثيرين من المسؤولين ورجال السياسة اللبنانيين. ولقد قيل الكثير عن دور كنعان في معظم المفاصل السياسية والأمنية في لبنان. وقد نسب اليه الكثير من «الانجازات» التي لو صح نصفها لاصبح رجل القرن بامتياز. كانت آخر «مآثر» كنعان في لبنان قانون الانتخابات النيابية المعمول به حالياً، والمعروف باسم «قانون غازي كنعان». اذ ان مجلس النواب اقر قانوناً للانتخابات عام 2000، تميز بتقسيمات غريبة استفاد منها بعض السياسيين الموالين لسورية في تعزيز نفوذهم.

لكن الصدام وقع بعد ذلك بين كنعان وبعض المسؤولين النافذين في لبنان، ابرزهم المدير العام السابق للأمن العام اللواء جميل السيد، فحاول الاول اطاحته من دون ان يستطيع (وفقاً للنائب وليد جنبلاط). وكان ان عاد كنعان الى سورية بعدها بنحو سنتين، اذ نقل عام 2002 الى رئاسة دائرة الأمن السياسي هناك، ثم ما لبث ان عين وزيراً للداخلية. وقد قال عنه السيد بعد ذلك انه «كان يتعاطى مع طبقة سياسية يمشي معها لتمشي معه وبالعكس».

وبعد اغتيال الحريري، تم تداول اسم كنعان في عدد كبير من سيناريوهات الاغتيال. وقد اعلنت الادارة الاميركية عن تجميد حساباته في الولايات المتحدة. وبررت ذلك بان كنعان «خلال فترة قيادته للاستخبارات السورية، اكد ان يظل ضباطه مشاركين الى حد كبير في الشؤون السياسية والاقتصادية اللبنانية».

وامس اتصل كنعان باذاعة «صوت لبنان» لنفي التهم الموجهة اليه في احدى المحطات التلفزيونية، طالباً توزيع حديثه على عدد من المحطات الاعلامية، مبرراً ذلك بان كلامه «قد يكون آخر تصريح يدلي به». وهكذا كان. متزوج وله ستة أولاد أربعة ذكور وابنتان.