صراع أفكار في سوق النفط بين متشائمين ومتفائلين

حائز جائزة نوبل: هذه هي المرة الخامسة التي ينفد فيها النفط منذ القرن الـ 18

TT

منذ بدء عصر النفط والناس قلقون على نفاده، وحتى الآن أثبت الواقع عدم صحة هذا التخوف. فأناس مثل جون روكفللر وبون بيكنز تمكنوا دائما من إيجاد مصادر جديدة. لكن هناك أقلية من الخبراء الان تقول إن إنتاج النفط العالمي قد بلغ ذروته. والآبار الموجودة حاليا قد وصلت نقطة الانهاك ، وان الاكتشافات الجديدة خيبت الآمال لأكثر من عقد. والتقييمات لما تبقى من نفط في أكبر الاحتياطيات في الشرق الأوسط هي كما يرونها ليست أكثر من تخمينات.

ويقول ماثيو سيمونز مصرفي الاستثمارات ومؤلف كتاب جديد حول احتياطيات النفط في السعودي «ليست هناك وجهة نظر متوازنة. والنفط هو مصدر محدود. والنقاش الوحيد يجب أن يدور حول متى نصل إلى نهاية التوسع».

ويعود ارتفاع أسعار الوقود حاليا إلى عرقلة إعصاري كاترينا وريتا لإنتاج النفط في خليج المكسيك، وتستطيع الامدادات القادمة من الاحتياطيات في الولايات المتحدة تعويض النقص المؤقت، ولكن إذا كان أنصار نظرية «بلوغ انتاج النفط ذروته» على حق سيصبح النقص المؤقت في الامدادات والأسعار العالية قريبا أمرا ثابتا، فكما يحدث في حقل النفط عندما يصل الى نقطة الذروة وتصبح تكلفة الاستخراج مرتفعة فان انتاج النفط العالمي وصل الى نقطة الذروة حسب اعتقاد هذا الفريق ، فمنذ عام 2000 ارتفعت تكاليف العثور على مصادر جديدة للنفط وتطويرها بمعدل 15% سنويا، حسب شركة جون هرولد الاستشارية. ومع تصاعد الطلب العالمي سيجد المستهلكون الأميركيون في حرب مزايدة مع الآخرين في شتى أنحاء العالم من أجل الحصول على امدادات نفط نادرة. وهذا ما سيدفع أسعار البنزين ووقود التدفئة وكل المنتجات النفطية الأخرى إلى سنياريوهات عالية جدا.

وقال كينث دفيز الأستاذ في جامعة برينستون «السيناريو الأقل سوءا هو الكساد العالمي الحاد الذي يكون أسوأ من ذلك الذي جرى خلال ثلاثينات القرن العشرين. والحالة الأكثر سوءا هي تفشي الحروب والجوع والأوبئة والموت».

وهو لا يمزح في هذا التوقع: فانتاج الأسمدة الكيميائية والمواد المبيدة للحشرات التي تحتاجها المحاصيل تعتمد على كميات كبيرة من المواد الكيميائية المستخرجة من النفط. وقال أموس نور من جامعة ستانفورد إن الصين والولايات المتحدة يمكنهما أن ينجرا إلى «نزاع عسكري» بسبب النفط.

وليس من شك أن الطلب على النفط في حالة تصاعد على المستوى العالمي. ففي السنة الماضية قفز معدل استهلاك النفط بمقدار 3.5% أي ما يساوي 2.8 مليون برميل في اليوم. وتتوقع «إدارة معلومات الطاقة» الأميركية أن يبلغ في عام 2115 حجم الطلب اليومي من النفط 103 مليون برميل بينما يبلغ الاستهلاك اليومي حاليا 84 مليون برميل. وإذا كانت زيادة المصانع والسيارات ستستمر في الصين والهند فإن زيادة الاستهلاك بنصف معدلات الاستهلاك الاميركي ستعني إلى ارتفاع الطلب بمعدل 96% حسبما قال نور. وتوقعات من هذا النوع ترى المستقبل بمنظار أسود جدا. فالكثير ممن يعملون في صناعة النفط يرفضون فكرة أن إنتاج النفط العالمي لا يستطيع مسايرة الطلب. وقال سكوفس دانييل يرغين، الذي فاز بجائزة نوبل لكتابه حول تاريخ صناعة النفط عام 1991 «الجائزة»، «إنها المرة الخامسة التي ينفد عندنا النفط منذ ثمانينات القرن التاسع عشر». ففي يونيو (حزيران) الماضي وصلت مؤسسة سي ايه ار ايه الاستشارية في كمبردج بولاية ماساشوسيتس الى نتيجة هي أن امدادات النفط ستزيد عن الطلب خلال عام 2010. فهناك الكثير من النفط الجديد الذي يتوقع العثور عليه في الشرق الأوسط وعند ساحل البرازيل ونيجيريا حسبما قالت هذه المؤسسة. وقال بيتر جاكسون أحد المشاركين في وضع الدراسة «هناك الكثير من النفط الذي لم يتم اكتشافه بعد».

واستنادا إلى التكنولوجيا الحالية فإن بلوغ ذروة إنتاج النفط لن يتحقق قبل عام 2020 حسبما ذكرت س ايه ار ايه، بل حتى لو حدث ذلك فإن حجم إنتاج النفط لن يهبط مباشرة. وكلا الطرفين المتجادلين حول «وصول النفط ذروته » يوافقون على أن النفط هو مصدر محدود وأنه مع مرور كل سنة يستهلك العالم نفطا أكثر مما يتم اكتشافه. عدا ذلك فالخلاف قائم متواصل بين الطرفين. فالمؤمنون بأننا وصلنا إلى «الذروة في إنتاج النفط» ينتقدون بحدة أولئك الذين لا يتفقون معهم باعتبارهم مجرد «اقتصاديين» مستعبدين من قبل سحر السوق أو ذوي تفكير «متفائل» ساذج يعتبرون اكتشاف كل بئر نفط سيغير من المسار. لكن يرغين الحائز على جائزة نوبل قال إن دراسة مؤسسة سي ايه ار ايه الاستشارية تستند إلى جيولوجيين ومهندسي نفط لا علماء اجتماع. وقال يرغين حول سيمونز «إنه مدهش في إثارة الجدل وقذف عبارات خطابية... ولبعض الناس تبدو هذه القضية كأنها كهنوتية بينما بالنسبة لنا هي قضية تحليل». وحينما لا يتبادل الطرفان الشتائم فإنهما لا يوافقان معا على احتمال تحقق قفزة كبيرة في التكنولوجيا مستقبلا، مثلما يسمى بمصادر الطاقة غير التقليدية كرمال النفط. ويقول سيمونز في كتابه انه من المستحيل على الانتاج العالمي أن يستمر على تصاعد الطلب ما لم تتمكن السعودية من زيادة الانتاج اليومي على الانتاج الحالي البالغ 9.5 مليون برميل يوميا وتواصل الضخ بيسر لعقود عدة. والحقيقة ان يرغين يعتمد على السعوديين للوصول الى 13 مليون برميل يوميا بحلول عام 2015.

اما يرغين فأكثر تفاؤلافاذا كان الماضي مرشدا من نوع معين، فان التقدم التكنولوجي سيعيد صياغة الطلب والعرض، كما يقول. ففي سبعينات القرن الماضي، على سبيل المثال، فان الآبار الأعمق في المياه جرى حفرها على عمق 600 قدم في المياه. أما اليوم فان بئرا لشركة شيفرون في خليج المكسيك يستخرج منه النفط من عمق يزيد على 10 الاف قدم.

ويمكن للاستخدام الواسع للتكنولوجيا مثل الاستشعار عن بعد واواستخدام التكنولوجيا الرقمية في »حقول النفط ان تعزز احتياطيات النفط العالمية بمقدار 125 مليار برميل وفقا لجمعيات أبحاث الطاقة في كمبريدج. وفي الوقت الحالي حسنت البرامج الإلكترونية المتقدمة وأجهزة القياسات الدقيقة لمتابعة ما يجري في البئر قد حسنت معدلات المردود في بعض حقول بحر الشمال من متوسط في الصناعة يبلغ 35 في المائة الى 60 في المائة وفقا لما قاله جاكسون. كما ان التكنولوجيا لا تقف، كما يقول ييرغن، مكتوفة الأيدي في جانب الاستهلاك من المعادلة. ويضيف انه «بحلول عام 2025 أو2030 من المحتمل أن نكون نتحرك بسيارات مختلفة تماما عن تلك التي نقودها في الوقت الحالي. وقد نقود عربات تسير 110 أميال في الغالون الواحد».

وذلك اكثر من مجرد تخمين. فموديل بريوس 2001 من تويوتا تسير 48 ميلا في الغالون، أما موديل 2005 فيصل الى 55 ميلا. واذا ما ركزت شركات تصنيع السيارات على كفاءة الطاقة وحدها فان معدل 110 أميال في الغالون ليست مستحيلا.

غير أن الاختراقات التكنولوجية لا تحدث بصورة مجردة، وفي اواخر التسعينات وبعد أن هبطت أسعار النفط الى 12 دولارا للبرميل، فان شركات النفط الكبرى قلصت الانفاق على الأبحاث. وفي الوقت الحالي يتساءل بعض ممن كانوا يرتابون بـ «الذروة النفطية»عما اذا كانت الصناعة معدة لتطوير الابتكارات الضرورية. ويقول روجر أندرسون من مرصد لامونت دوهرتي للمراقبة الأرضية في جامعة كولومبيا انه «قبل عام 1998 كنت في الجانب الذي يقول ان التكنولوجيا تحل جميع المشاكل. والمشكلة بعد سعر 12 دولارا للبرميل ان شركات النفط تصرفت كرد فعل في اطار الاندماج وسرحت أعدادا كبيرة من موظفيها التقنيين». وفي الوقت الحالي تقدر الوكالة الدولية للطاقة في باريس ان هناك حاجة لانفاق 5 تريليونات دولار خلال السنوات الثلاثين المقبلة على خطط تكوير الاستكشاف والانتاج. وبينما تبقى اسعار النفط، التي تبلغ الآن حوالي 63 دولارا للبرميل، مرتفعة فان ما يسمى بعروض النفط غير التقليدية تصبح عملية اقتصاديا فهناك المستودعات الهائلة للرمال الكندية النفطية التي تمكن من استخراج ما يزيد على 170 مليار برميل من النفط. وتلك هي الأنباء السارة. أما الأنباء غير السارة فهي ان استخراج النفط من تلك الرمال امر صعب ومكلف ويتطلب كميات كبيرة من المياه والغاز الطبيعي، وهو نفسه وقود أعلى سعرا. ويسمي ديفيز الحديث عن انتاج النفط في الرمال التي تحتوي على القار «خيال الاقتصاديين»، وفي الشهر الخيرة تلقى فريق «الذروة النفطية» دعما من بعض الجهات الهامة وبينها حكومة الولايات المتحدة. وتوصلت دراسة ضمت 91 صفحة أعدت في فبراير لوزارة الطاقة الى أن «العالم يصل سريعا الى الذروة الحتمية لانتاج النفط التقليدي في العالم، واعتبرتها مشكلة لا تشبه أيا من المشاكل التي يواجهها المجتمع الصناعي الحديث». وحتى الآن فانه ما من أحد في الحكومة الاميركية يدعو الى اجراءات عاجل بسبب حجة الوصول الى «الذروة النفطية». ولكن في مقابلة أجريت أخيرا مع »يو أس أي توداي« بدا وزير الطاقة صاموئيل بودمان أقل تفاؤلا بشأن المستقبل.

ويقول بودمان، الأستاذ السابق لهندسة الكيمياء في معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا «هناك الكثير من النفط للتعامل معه على المدى القريب أي على مدى خمس سنوات. ولكن اذا ما تطلعتم الى السنوات العشرين أو الخمس والعشرين المقبلة فاننا نتوقع زيادة في الطلب بنسبة 50 في المائة ليصل الى 120 مليون برميل يوميا. ولا اريد أن أعبر عن رأي بان هذا متيسر. ان هذا ممكن لكنني لا أعرف».

* خدمة «يو أس أي توداي» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»