محمد اليازغي: لا بد من استفتاء كل الشعب المغربي إذا كان الحكم الذاتي في الصحراء سيمضي بعيداً

الأمين العام للاتحاد الاشتراكي قال لـ : ما طرحه المغرب هو الفرصة الأخيرة لحل النزاع

TT

قال محمد اليازغي، الامين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ووزير البيئة واعداد التراب الوطني والماء في الحكومة المغربية، ان المغرب يوجد في وضع مريح اكثر من الماضي بخصوص نزاع الصحراء، مشيرا الى ان ما كان مطروحا في الماضي هو تنظيم استفتاء لتقرير المصير على اساس سؤالين هما: الاندماج او الاستقلال، وظل ذلك قائما عدة سنوات، ولما وصلت قضية الصحراء الى المأزق كان المغرب هو الذي عرض لاول مرة الحل السياسي او الحل الثالث. بيد ان اليازغي اوضح انه اذا كانت صيغة الحكم الذاتي التي سيقترحها ستسير في اتجاه بعيد فلا بد من استفتاء الشعب المغربي بأسره، ولا يمكن ان يقتصر الاستفتاء فقط على منطقة الصحراء. في ما يلي نص الحديث:

> التقرير الذي اعدته لجنة تقصي الحقائق التابعة للمنظمة المغربية لحقوق الانسان حول أحداث العيون اشار الى ان السلطات ارتكبت اخطاء صغيرة أدت الى نتائج صعبة، كما ان امين عام المنظمة عبر عن اسفه لعدم انخراط الاحزاب السياسية في ملف الصحراء. هل تعتقدون ان الاحزاب السياسية غائبة بالفعل عن الصحراء؟

ـ بالعكس اذا كانت هناك مسألة حاضرة فيها الاحزاب السياسية بقوة فهي قضية الصحراء. فانطلاق القضية عام 1974، كان سببا في دخول المغرب مرحلة سياسية جديدة في العلاقة بين الحكم والاحزاب. وما ميز قضية الصحراء في الواقع هو ما طرحهُ الراحل عبد الرحيم بوعبيد في حينه على الملك الراحل الحسن الثاني حين خاطبه ونحن رفاقه في السجن، ومقرات الحزب مغلقة بالشمع، إذ قال للملك الراحل ان الشعب المغربي مستعد للبيعة من اجل القضية الوطنية، ونحن اولا حزب وطني، ولا بد ان نقف الى جانبه من اجل قضيته الاساسية، لكن لا تظنوا ان هذا الشعب سيقبل ان تقلص حرياته.

وبعد تولي الملك محمد السادس الحكم، اصبحت الاحزاب حاضرة والتشاور مستمر داخل الحكومة التي كانت في السابق لا تناقش قضية الصحراء، ولا تقدم لها عروض سواء من طرف وزير الخارجية او الوزير المنتدب في الخارجية. منذ يوليو (تموز) 1999 اصبحت الحكومة على علم بكل شيء، وكثير من الاجوبة والمواقف التي تقدم بها المغرب تم بشأنها تداول بكيفية او بأخرى. وفي هذه المرحلة الاخيرة لما وصلت قضية الصحراء الى المأزق كان هناك تشاور، وكانت هناك، كما تعلمون، تعبئة للاحزاب ولأمنائها العامين للاتصال بدول وبمؤسسات سواء كانت في الجهاز التنفيذي اما رؤساء دول او رؤساء حكومات او وزراء خارجية او بالمؤسسات المنتخبة مثل البرلمانات او احيانا الاحزاب. لذلك لا يمكن القول ان الاحزاب غائبة، ربما كانت غائبة عن ملف الصحراء في الماضي، اما اليوم فاعتقد انها حاضرة > على مستوى المبادرة السياسية المتعلقة بقضية الصحراء يلاحظ ان الاحزاب تسجل وتستمع وفي احسن الاحوال تستشار، لماذا لا تأخذ الاستشارة الطابع المؤسسي، بمعنى العودة الى مجلس الأمن القومي؟

ـ هكذا ممكن، وان كنتم تتذكرون انه سبق ان اعلن عن تشكيل لجنة متعلقة بالصحراء اعدت مذكرة للملك بشأن المجلس الاستشاري الصحراوي، وكانت بطبيعة الحال مقترحات وافكاراً عرضت على الملك، بعد ذلك أتى خطاب الجلوس الذي طرح قضية الحكم الذاتي، وتمت حول ذلك مشاورات.

حقيقة ان المبادرات غير موجودة لان المغرب في اعتقادي، عكس ما يظن الكثيرون، يوجد في موقع مريح اكثر من الماضي، لماذا؟ لان ما كان مطروحا في الماضي هو تنظيم استفتاء لتقرير المصير على اساس سؤالين هما الاندماج او الاستقلال، وظل ذلك قائما عدة سنوات. ولما وصلت قضية الصحراء الى المأزق كان المغرب هو الذي عرض لأول مرة الحل السياسي أو الحل الثالث، لكن لم يكن بالضرورة في ذلك الوقت يمكنه ان يقول ما هو هذا الحل. ومن هنا جاءت تجربة المبعوث الشخصي للامين العام للامم المتحدة الى الصحراء، جيمس بيكر المتمثلة في أطروحته الاولى. ثم رفضت الجزائر مشروع القرار المتعلق بها، فكانت خطة بيكر الثانية، التي رفضها المغرب. ولا شك انكم تذكرون انه طرحت على مجلس الأمن قبل ان يشتغل بيكر على مخططه الثاني، اربعة اقتراحات حلول: الاول، هو ان يفرض مخطط السلام على الاطراف، الثاني، هو الذي جاءت به الجزائر آنذاك أي تقسيم الصحراء، على اساس ان يأتي هذا الخط الذي يقسم الصحراء من الحدود الجزائرية، ويسير نحو المحيط الاطلسي، بمعنى انه لن تبقى للمغرب علاقة بأي دولة افريقية اخرى. أما الاقتراح الثالث فهو انسحاب الامم المحتدة من الصحراء، بينما يهدف الاقتراح الرابع الى تكليف مجلس الأمن بمقترح يأخذ من مخطط السلام الاصلي الذي يتضمن الاستفتاء، وتحديد الهوية وغير ذلك من الاجراءات، والشيء الآخر هو ما طرحته الاطراف ، وبالتالي فمشروع بيكر الثاني خرج اعوج لانه حاول التوفيق بين شيئين متناقضين تماما، وبذلك فالمجتمع الدولي لم يقتنع بذلك، وبيكر نفسه استخلص العبرة وانسحب من الميدان. وآنذاك اصبحت لغة الامم المتحدة وخصوصا مجلس الأمن هي الحل السياسي النهائي والعادل والمتوافق عليه ما بين الاطراف وما بين الدول المجاورة.

> قلتم إن المغرب يوجد في وضعية مريحة بخصوص ملف الصحراء هل نفهم من هذا انكم بصفتكم امينا عاما لحزب الاتحاد الاشتراكي وعضو في الحكومة الحالية، مرتاحون لتدبير هذا الملف من طرف القصر؟ ـ أولا، نحن دائما في الاتحاد الاشتراكي، قلنا ان النقطة الاساسية في هذه القضية هي نجاح المغرب في تحقيق الوحدة الوطنية، وبالتالي الامر لا يتعلق بقضية التدبير الدبلوماسي سواء الملكي او الحكومي، فالوحدة الوطنية ازاء قضية الصحراء، هي الركيزة الاساسية التي تحمي المغرب، لذلك فتدبير ملف الصحراء لا يمكن ان يكون الا تدبيرا وحدويا. لذلك ففي هذه القضية، يتجه الملك باستمرار الى الرأي العام والى الاحزاب. اعتقد ان المغرب في وضع مريح نظرا لان المنتظم الدولي وجزءاً كبيراً من الاعضاء الدائمين في مجلس الأمن، لا يتكلمون الا عن الحوار والتفاهم بين الجزائر والمغرب.

> أعلن الوزير المغربي المنتدب في الخارجية اخيرا عن مشروع مبادرة لمنح اقاليم الصحراء المغربية الجنوبية حكما ذاتيا واستعداد المغرب للتفاوض بشأن ذلك في اطار الامم المتحدة، بالنسبة لكم كأحزاب هل اطلعتم على هذ المشروع بكيفية واضحة؟ ـ يجب ان نعي شيئا هو ان فكرة الحكم الذاتي في اطار السيادة الوطنية، ورد بكيفية واضحة في الخطاب الملكي بمناسبة عيد الجلوس، وتعبير المغرب عن استعداده التفاوضي مؤشر مهم. لما عين الامين العام للامم المتحدة مبعوثه الشخصي، وكلفه اخراج قضية الصحراء من المأزق الذي توجد فيه. بقي ان يستجيب المغرب لنداء وجهه مجلس الأمن لاطراف النزاع في قراره الصادر في ابريل (نيسان) 2005. وكما قال الامين العام للامم المتحدة فإن هذه القضية لا يمكن ان تحل الا اذا ساهمت كل الاطراف في ايجاد هذا الحل، مؤكدا أنه لن يفرض حل في هذه القضية. فهذا شيء واضح. وبطبيعة الحال هذه القضية عرفت في يوليو الماضي مشاورات ونقاشاً، بيد أن الصيغة التي ستأخذها المبادرة لم تحدد بعد، لكن الافكار التي جاء بها الوزير المنتدب في الخارجية هي افكار واضحة، فالمغرب مستعد لأن يكون هناك تدبير إقليمي اي حكم محلي يسمح للسكان في الصحراء بتدبير شؤونهم بكيفية ديمقراطية.

> وماذا عن التفاوض مع جبهة البوليساريو؟

ـ مجلس الأمن يطلب التفاوض بين ما يسميه «الاطراف» وبين الدول المجاورة، وهذا كان مطروحا باستمرار. لكن الملاحظ ان الشيء الجديد الذي جاء به المغرب هو ان ذلك يمكن ان يتوج باستفتاء يشارك فيه كل سكان الصحراء كما جاء بذلك مخطط بيكر الاول. إذن، هذا سيجعلنا امام حكم ذاتي، لكن ليس معنى ذلك أن من سنتفاوض معه تحت مظلة الامم المتحدة، هو الذي سيكون عنده الحكم الذاتي، بل السكان كلهم الذين سيُصادقون عليه. فهذه تبقى نقطة اساسية، لأنه عندما نتأمل مثلا في الحكم المحلي في كاتالونيا او الباسك او الاندلس، فان الكتالانيين لا يشاركون وحدهم في التصويت، بل يشارك فيه جميع سكان اقليم كاتالونيا، ونحن نعرف ان فيهم عددا كبيرا من الاندلس ومن فالنسيا ومن الباسك، لكنهم يستفيدون من الحكم المحلي.

> هذه شروط ترفضها جبهة البوليساريو أي أن يجري الاستفتاء بالمقاييس المغربية؟ ـ الواقع ان ما طرحه المغرب هو الفرصة الاخيرة لإيجاد حل تفاوضي لقضية الصحراء. وسيخطئ كثيرا اخواننا الجزائريون اذا لم يتركوا الحرية لقيادة البوليساريو للدخول في مفاوضات على هذه الاسس. لماذا؟ لان فكرة الانفصال عن الصحراء اصبحت شيئا لا يقول به احد في العالم، كما ان 36 دولة سحبت اعترافها بـ «الجمهورية الصحراوية»، ولو ان دولتين افريقيتين (جنوب افريقيا وكينيا)، مع الاسف، في الفترة الاخيرة، وتحت ضغوط معينة معروفة، اعترفتا بـ «الجمهورية» لكن اعترافهما جعلهما خارج اللعبة نهائيا، فلا افريقيا الجنوبية ولا كينيا يمكنهما لعب اي دور في حل هذه المشكلة. بل حرمتا نفسيهما بسبب هذا الاعتراف من ان يكون لهما اي دور. ففكرة الانفصال الان لا تحظى بالدعم، لذلك لاحظ الجميع ان قيادة جبهة البوليساريو تعمل من أجل ان يأتي صوت الانفصال من داخل المغرب، وتلك اشياء لا نعتبر ان لها اهمية، لماذا؟ لان الأطروحة الانفصالية لم يعد لها سند دولي. اعتقد انه من مصلحة المغرب العربي ومصلحة العلاقة الثنائية بين المغرب والجزائر أن يسمح الجزائريون لقيادة جبهة البوليساريو بحرية اكثر، لان هناك تناقضاً غريباً، فعندما يطرح الناس ان الامور تحتاج الى مفاوضات وحوار مغربي جزائري يقول الجزائريون نحن لسنا طرفاً، فالمشكلة متعلقة بالصحراويين والمغاربة، لكن عندما لا يسمح لهؤلاء الصحراويين الانفصاليين بقبول الدخول في الحوار، نكون امام موقف عدمي، واستمرار للازمة. > بخصوص هذه الدعوة للتفاوض تحت اشراف الامم المتحدة لاقامة حكم ذاتي في الصحراء. هل هناك مخطط مكتوب وملموس بشأن ذلك أعدته الحكومة المغربية أو طرح عليها؟

ـ الامور لا تكون بهذا الشكل، فالمغرب احزابا وحكومة درسوا كل التجارب بما فيها ملف اندونيسيا ومنطقة «اتشي» وكذلك التجارب المعروفة في اسبانيا وفي شمال النرويج وشمال السويد، وشمال ايطاليا، فالتجارب متعددة، وبالتالي اعتقد ان ما طرحه المغرب كفكرة اساسية ذهبت الى ابعد ما يمكن ان نتصور. > ولكن فكرة الحكم الذاتي التي يطرحها المغرب تضاف لها كل مرة كلمة: احيانا حكم ذاتي، احيانا حكم ذاتي موسع، احيانا حكم ذاتي بصلاحيات واسعة، احيانا حكم ذاتي حقيقي؟ هل هناك خطوط حمراء يجب على المغرب ان لا يتنازل عنها مهما كانت الصيغ؟ ـ نحن في الاتحاد الاشتراكي نقول انه اذا كانت صيغة الحكم الذاتي ستسير في اتجاه بعيد، فلا بد من استفتاء الشعب المغربي بأسره، ولا بد من استفتاء وطني، ولا يمكن ان يقتصر الاستفتاء على منطقة الصحراء. > هل سيكون حكماً ذاتياً حقيقياً؟ ـ بالفعل سيكون حقيقيا، حتى الان، الميثاق الجماعي (قانون البلديات) يمنح سلطات حقيقية للبلديات. لان الاشكالية هنا تكمن في حكم محلي، لكن بتفاوض تحت مظلة الامم المتحدة. ولا بد على المغرب في اطار اظهار ارادته للخروج من هذا المأزق أن يطرح مبادرات احيانا ويعطي تفسيرات. ومن هنا جاءت مختلف الصيغ التي تفضلت بالاشارة اليها، وذلك لمخاطبة الطرف الآخر ومخاطبة المبعوث الشخصي للامين العام ليشعر بالفعل ان المغرب ليس هو الذي يعرقل الحل في الصحراء.