الأدلة على تورط سوري في اغتيال الحريري كما وردت في تقرير ميليس

تقرير لجنة التحقيق يطالب باستجواب سوريين «خارج سورية» ويشير إلى عدم تعاون دمشق وإعاقتها التحقيق

TT

طالبت لجنة التحقيق الدولية في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في تقريرها باستجواب سوريين «خارج سورية». وجاء في التقرير الذي سلمه رئيس لجنة التحقيق، القاضي الألماني ديتليف ميليس، الى الأمين العام للأمم المتحدة، كوفي أنان «خلصت اللجنة الى أن عدم إبداء الحكومة السورية تعاونا جوهريا مع اللجنة أعاق التحقيق وجعل من الصعب متابعة بعض الخيوط التي أبرزتها الأدلة التي تم جمعها من مصادر مختلفة». وجاء في الأدلة عن التورط السوري «يمكننا التفكير بطريقة عقلانية أن قرار اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري ما كان ممكنا اتخاذه من دون موافقة مسؤولين رفيعي المستوى في أجهزة الأمن السورية وما كان ممكنا تنظيمه من دون اشتراك نظرائهم في الأجهزة الأمنية اللبنانية».

(...) «ثمة ادلة متطابقة تؤكد في آن معا التورط اللبناني والسوري في هذا العمل الإرهابي. وانه لأمر معروف ان جهاز الاستخبارات العسكرية السورية كان له وجود مكتسح في لبنان، وعلى الأقل حتى انسحاب القوات السورية بموجب القرار 1559. وهو الذي كان يعين كبار قدامى المسؤولين الأمنيين في لبنان». «نظرا الى تغلغل أجهزة الاستخبارات السورية واللبنانية التي عملت بالتنسيق في ما بينها، في المؤسسات والمجتمع اللبنانيين، سيكون من الصعب تخيل تنفيذ سيناريو أو مؤامرة لعملية اغتيال شديدة التعقيد من دون علمهما».

العلاقات بين الحريري وسورية:

25 ـ ان تحقيقات اللجنة اكدت ما يقوله كثيرون في لبنان حول ان ان كبار ضباط الاستخبارات السورية كان لهم تأثير كبير واستراتيجي على حكم لبنان، والصراع الكبير الواضح بين الحريري المسؤولين السوريين الكبار، بمن فيهم الرئيس بشار الأسد، كان جزءا محوريا في المعلومات التي قدمت الى اللجنة من خلال الوثائق والشهادات. وفي لقاء في دمشق بين الحريري والرئيس الأسد في 22 أغسطس (آب) 2004 ظهر الخلاف، وفي هذا اللقاء الذي دام بين عشر الى خمس عشرة دقيقة، أعلم الرئيس الأسد الحريري الذي كان في وقتها لا يزال رئيسا للوزراء، بضرورة أن يمدد لبنان ولاية الرئيس لحود، وهو أمر كان الحريري يعارضه.

26 ـ الشهود اللبنانيون والسوريون، ووفقا لمدونات اللقاء بين الحريري ونائب وزير الخارجية السوري وليد المعلم، قدموا الى اللجنة نسخة مغايرة لما قيل في هذا اللقاء، والكثير من الشهود اللبنانيين، بمن في ذلك الوزيران مروان حمادة وغازي العريضي والزعيم وليد جنبلاط ونجل الحريري سعد، قالوا ان الرئيس الحريري قال لهم ان الرئيس الأسد أبلغه بقراره بتمديد ولاية الرئيس لحود وهدد بتكسير لبنان على رأس الحريري وجنبلاط اذا لم يوافقا على دعم تمديد ولاية الرئيس لحود. إن المسؤولين السوريين وصفوا هذا اللقاء بشكل مغاير. فوزير الخارجية السوري فاروق الشرع والجنرال رستم غزالي المسؤول عن الاستخبارات السورية في لبنان، وصفا اللقاء بشكل ايجابي. اللواء غزالي قال للجنة ان الحريري قال له ان الرئيس الأسد اخبره بأنه صديقه، ووصف اللقاء بأنه يتمتع بالاحترام، وان الرئيس الأسد استشار الحريري في موضوع التمديد.

27 ـ الآتي مقتطفات من مقابلات أجريت من قبل اللجنة في ما يتعلق باجتماع 26 أغسطس 2005، وأجزاء من رسالة السيد الشرع إلى اللجنة، وجزء من نسخة عن حوار مسجل بين السيد الحريري والمعلم.

رسالة وزير خارجية الجمهورية العربية السورية إلى اللجنة في 17 أغسطس 2005:

«حصل لقاء بين الرئيس بشار الأسد ورئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري في دمشق في 26 آب / أغسطس 2004 في إطار التشاور السياسي المتواصل بين القادة السوريين واللبنانيين.. وجرت مراجعة عامة للتطورات المحلية والإقليمية بما في ذلك احتمال التمديد لإميل لحود، رئيس لبنان، في ضوء الظروف الإقليمية المضطربة واستناداً إلى المصلحة المشتركة في الحفاظ على الاستقرار في لبنان. وقد طلب السيد الحريري في حال وجود إجماع على التمديد للحود في مجلس الوزراء أن تقوم سوريا بمساع لدفع الرئيس لحود إلى تعاون أفضل خلال الفترة الآتية، وقد طلب الرئيس من السيد الحريري ان يتشاور مع جماعته ومع مَن يراهم مناسبين واتخاذ الموقف المناسب.

إفادة رستم غزالي المكتوبة غير المؤرخة التي قدمت الى لجنة التحقيق في 17 اغسطس 2005.

«كان لي في ذلك التاريخ لقاءان 26 أغسطس 2004 مع الحريري، الاول كان في صباح 26 اغسطس 2004 وهو في طريقه الى دمشق لمقابلة الرئيس الاسد، والثاني بعد عودته من دمشق الى بيروت بعد لقائه الرئيس الاسد. واللقاء الاخير تم ايضاً في مكتبي في عنجر.

وقد ناقشنا لقاءه مع الرئيس الاسد، وبدا (الحريري) مرتاحاً وقال إن اللقاء كان ودياً وموجزاً، وإن الرئيس الأسد قال له: ابو بهاء نحن في سورية كنا دائماً معك كأصدقاء، واليوم أنا اتحدث معك كصديق وكرئيس وزراء للبنان، ووفقاً للظروف الصعبة التي تشهدها المنطقة ولبنان في وسطها، فإن رأينا أنه من أجل مصلحة لبنان هو استمرارية النظام الحالي من خلال تمديد ولاية الرئيس لحود، وكصديق نود منكم ان توضحوا موقفكم في ما يتعلق بهذه القضية. نحن لسنا مستعجلين لمعرفة الجواب، ويمكن أن تفكروا بالأمر إذا أردتم». شهادة مروان حمادة المكتوبة في 27 يونيو (حزيران) 2005:

«في 24 او 25 من اغسطس تمت دعوة السيد الحريري والسيد جنبلاط والسيد نبيه بري الى دمشق من أجل أن يتم إعلامهم بقرار تمديد ولاية الرئيس لحود، السيد جنبلاط أعلم غزالي بأنه يجب أن يناقش الأمر مع الرئيس الأسد، ولكن غزالي أصرّ على أن الجواب يجب أن يكون «نعم» قبل تحديد أي موعد، ونصح جنبلاط أن يتعامل بايجابية مع الموضوع لأن هذا الموضوع قضية استراتيجية بالنسبة للرئيس الأسد، لكن جواب جنبلاط كان سلبياً، وبعد ساعة اتصل جنبلاط بي (أي بحمادة) وقال إن المخابرات السورية ألغت لقاءه مع الرئيس الأسد. وفي المساء ذهبت أنا وجنبلاط لزيارة الحريري، الذي قال لنا إن غزالي أصرّ على أنه طالما أن الجواب لن يكون ايجابياً فإنه لن يؤكد لقاءه أيضاً مع الأسد، وطلب منه أن يذهب الى دمشق وأن يبقى في بيته حتى إشعار آخر، وفي اليوم التالي دُعي الى لقاء صغير، وفي اليوم الذي التقى فيه الحريري بالرئيس الأسد كنت أقابله في منزل جنبلاط مع السيد باسم السبع وغازي العريضي، ورأينا موكب الحريري تدعمه سيارة «بي إم» ما يعني أن اللقاء في دمشق كان قصيراً للغاية، لقد رأينا يومها الحريري متعباً ويتصبب عرقاً، وقال لنا، نحن الأربعة، بأن التمديد للحود سيتم وإلا سأدفع ثمناً غالياً، وقال بأن الأسد قال له بأني سأكسر لبنان على رأسك وعلى رأس جنبلاط». شهادة غازي العريضي في الأول من يوليو 2005:

«السيد الحريري قال لنا، إن الرئيس الأسد قال له، إذا أخرجني جاك شيراك من لبنان، فإنني سأتخذ خيارات أخرى وسأعلمكم بها، إما أنكم معنا أو ضدنا، وخياري هو إميل لحود للرئاسة، وسأحرص على أن يكون هو الرئيس، وسأنتظر جواب جنبلاط، وقل لوليد جنبلاط بأنه إذا كان عنده دروز في لبنان فإن لديّ أيضاً دروزا في سورية وأنا مستعد لعمل أي شيء». شهادة وليد جنبلاط المكتوبة في 28 يونيو 2005:

«وفقاً للرئيس الحريري فإن الرئيس الأسد قال له: لحود هو أنا، وأنا أريد أن أجدد له، وإذا أراد شيراك أن يخرجني من لبنان، فإني سأكسر لبنان، وخلال زيارته الى منزلي كان الحريري خائب الظن وكان في وضع سيئ للغاية». شهادة جبران تويني في 25 يونيو 2005:

«لاحقاً في العام 2004 عندما كانت قضية التمديد للحود، الرئيس الحريري قال لي إن الرئيس الأسد هدده مباشرة وقال له: إن التصويت ضد التمديد يعتبر بأنه مباشرة ضد سورية، ووفقاً للحريري فإن الرئيس الأسد قال إنه في هذه الحالة فإن السوريين سيفجرونه وأياً من أعضاء أسرته، وبأنهم لن يجدوا الهدوء في أي مكان في العالم». شهادة باسم السبع في 30 يونيو 2005:

«عندما عاد الحريري من لقائه مع الأسد قابلته في منزل وليد جنبلاط، وقال لنا بأن الرئيس الأسد قال له ببساطة، أنا شخصياً مهتم بهذه القضية، التمديد لإميل لحود، والقضية ليست قضية لحود بقدر ما هي قضية بشار الأسد. وسألناه ما إذا استطاع أن يناقش القضية مع الرئيس الأسد فقال بأن الرئيس الأسد قال له بأن القضية ليست موضع نقاش وإنها يجب أن تتم وإلا فإنه سيكسر لبنان، وقال (الأسد) من مصلحة لبنان، فإن عليه أن يفكر بما سيفعله، وبأننا نتعامل مع مجموعة من المجانين الذين قد يقدمون على أي شيء». شهادة سعد الحريري في 9 يوليو 2005:

«ناقشت مع والدي الراحل رفيق الحريري تمديد ولاية اميل لحود، وقال لي بأن الرئيس بشار الأسد هدده وقال له، «هذا ما أريده، إذا كنت تظن أن الرئيس شيراك أو أنت تستطيعون أن تحكموا لبنان فأنتم مخطئون، فذلك لن يحدث. لحود هو أنا وما أقوله له ينفذه، وهذا التمديد سيتم وإلا فإني سأحطم لبنان على رأسك وعلى رأس وليد جنبلاط، وإما أن تفعل ما نقوله لك وإلا فسنتعامل معك ومع أسرتك أينما كنت».

حوار مسجل لرفيق الحريري مع وليد المعلم في الأول من فبراير (شباط) 2005:

«في ما يتعلق بقضية التمديد فإن الرئيس الأسد أرسل لي وقابلني لمدة 10 الى 15 دقيقة، وأرسل في طلبي وقال لي: انت دائماً تقول إنك دائماً مع سوريا، الآن حان الوقت لتثبت بأنك كنت تقصد ما تقوله، أو شيء آخر. ولم يطلب مني رأيي، وقال: لقد قررت. ولم يتعامل معي كرئيس وزراء أو كرفيق الحريري أو أي شخص آخر، وقال: أنا قررت، وهذا ما أثار دهشتي، كان ذلك أسوأ يوم في حياتي، ولم يقل لي إنه يرغب بتمديد ولاية لحود، وكل ما قاله «أنا قررت أنا افعل ذلك، ولا تجبني.. فكّر وعد إليّ». لم يتم التعامل معي كصديق أو كشخص معروف وإنما طلبت، وقيل لي: أنت معنا أو ضدنا! هذا كل ما في الأمر، وعندما انتهى لقائي معه، أقسم لك، ان حارسي الشخصي نظر اليَّ وسألني لماذا أنا شاحب الوجه؟!».

28 ـ وفي اللقاء مع السيد المعلم اشتكى أنه يعتقد أن الرئيس الأسد، لم يتم إخباره بشكل دقيق من أجهزة الاستخبارات ومن الوزير الشرع عن السيد الحريري، وكان هناك الجملة التالية من الحريري في هذا اللقاء: «لا أستطيع أن أعيش في نظام امني متخصص في التدخل بعمل الحريري ويقوم بنشر إشاعات عن رفيق الحريري وبعد ذلك ينقلها الى الرئيس الأسد، لكن لبنان لن يبتعد عن سورية وهذا لن يحدث ابدا».

29 ـ وخلال هذا اللقاء قال المعلم للحريري بأننا نحن وأجهزة الأمن وضعناك في الزاوية، وتابع: رجاء لا تأخذ الأمر بسهولة. 30 ـ هذا اللقاء المسجل يناقض شهادة السيد المعلم في 20 سبتمبر (أيلول) 2005، الذي وصف هذا اللقاء بأنه ودي وايجابي، ورفض إعطاء الأجوبة اللازمة.

التعاون السوري مع اللجنة 31 ـ المعلومات المذكورة آنفاً والأدلة التي تمّ جمعها من قبل اللجنة، كما شرحناها، والتي تشير الى التخطيط للاغتيال، تشير الى احتمال أن المسؤولين السوريين كانت لهم علاقة باغتيال السيد الحريري، وعندما حاولت اللجنة الحصول على تعاون الحكومة السورية في متابعة هذه الأدلة، فإن اللجنة ووجهت بتعاون شكلي فقط.

32 ـ إن الاتصال الأساسي بين اللجنة والسلطات السورية حدث في 11 يوليو 2005، عندما أرسل السيد ميليس رسالة الى وزير الخارجية السوري فاروق الشرع، طالباً اللقاء مع ممثلين عن الحكومة السورية، الشرع أجاب في 11 يوليو 2005، مؤكداً دعم الحكومة السورية للتحقيق بعبارات عامة. وفي يوليو طلبت اللجنة مقابلة عدد من الشهود، بمن فيهم رئيس الجمهورية العربية السورية، وفي 26 أغسطس وبطلب من الحكومة السورية حدث لقاء بين رئيس اللجنة وممثلين عن وزارة الخارجية السورية في جنيف في سويسرا، وفي ذلك اللقاء أعطيت لرئيس اللجنة رسائل من أربعة شهود، وأشاروا الى أن الرئيس الأسد لن يكون مستعداً لأي شهادة، وأكد رئيس اللجنة على مقابلة هؤلاء الشهود وقيل له إن هذا الطلب لا يزال تحت الدراسة والنقاش، ولكن الرئيس الأسد لن يكون متاحاً للشهادة.