نسختان غير متطابقتين من تقرير ميليس أحرجتاه وأنان

الأولى مدرجة تحت بند «سري» وفيها أسماء خمسة مسؤولين سوريين ولبنانيين رفيعي المستوى والثانية معدلة حذفت منها الأسماء

TT

تلقى أمس تقرير رئيس لجنة التحقيق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق، رفيق الحريري، ضربة قاسية، بعدما اتضح أن تعديلات جوهرية أدخلت عليه بعد تسليمه الى الأمين العام للأمم المتحدة، صباح الخميس الماضي. وكانت أبرز هذه التعديلات حذف أسماء بعض كبار المسؤولين السوريين واللبنانيين، أبرزهم شقيق الرئيس السوري ماهر الأسد، وصهره آصف شوكت. وعقد ديتليف ميليس، رئيس لجنة التحقيق في اغتيال الحريري، مؤتمرا صحافيا، صباح أمس، نُظم بصورة عاجلة، في محاولة لتصحيح الموقف، بعدما أدركت الأمانة العامة للأمم المتحدة، وجود نسختين غير متطابقتين من التقرير الذي قدمه ميليس لأنان، الأولى مدرجة تحت بند «سري»، وفيها أسماء خمسة مسؤولين سوريين ولبنانيين رفيعي المستوى، والثانية نسخة معدلة حذفت منها الأسماء وأضيفت عليها بعض الفقرات. وكانت مجموعة من الصحافيين في مقر الأمم المتحدة تلقت نسخة الكترونية من التقرير الأصلي، وردت فيه إشارات واضحة الى الفقرات التي حُذفت وتلك التي أضيفت، مع تسجيل النسخة الالكترونية التوقيت الذي تم فيه كل تعديل. وسببت هذه المعلومات إحراجاً كبيراً لميليس، والأمانة العامة للأمم المتحدة، لما أثارته من أسئلة حول مدى تدخل الأمين العام في صياغة التقرير، وما اذا كان قد حمل ميليس على حذف هذه الأسماء، وإدخال فقرات جديدة على التقرير، رغم ما أكده المتحدث باسمه «ان أنان لم يبذل أي جهد في أي وقت للتأثير على ما ورد في التقرير»، ورغم تأكيداته السابقة المتكررة بأن أنان لن يعدل التقرير على الاطلاق، بل سيسلمه كما هو الى أعضاء مجلس الأمن والحكومة السورية. وما زاد الموقف حرجاً بالنسبة للمحقق الألماني والأمين العام، أن جهاز الكومبيوتر الذي اسثُخدم في عملية التعديل، أشار بضوح وبشكل غير قابل للتشكيك الى أن هذه التعديلات تمت مباشرة بعد تسليم ميليس تقريره لأنان. وكانت «الشرق الأوسط» قد تلقت نسخة الكترونية تبين هذه التعديلات وتشير الى توقيت كل واحدة منها. وقد بدأت عملية التعديل، حسب ما تظهره هذه النسخة، بعد دقائق قليلة من انتهاء اللقاء الأول بين أنان وميليس، واستمرت حوالي ثلاث ساعات. وقد طلب أنان مقابلة ميليس مجدداً بعدما انتهى من التعديل. وقال المتحدث باسم أنان، ستيفان دوجاريك، ان الأمين العام طلب مقابلة ميليس مجدداً للبحث معه بصورة مطولة أكثر في المرحلة المقبلة من التحقيق، لا سيما في ضوء قرار تمديد مهمة فريق التحقيق. وواجه ميليس سيلا من الأسئلة حول الدور الذي لعبه الأمين العام، كوفي أنان، وكبار المسؤولين في المنظمة الدولية، في التأثير عليه لحمله على حذف أسماء المسؤولين السوريين واللبنانيين في الفقرة 96 من التقرير. وتنص الفقرة التي حُذفت في الساعة 11:55 ـ علماً بأن اللقاء بين أنان وميليس بدأ في الساعة 11:34 تقريباً وانتهى في حوالى الساعة 11:47 ـ الى أن «شاهد عيان من أصل سوري مقيم في لبنان، يدعي أنه عمل لحساب الاستخبارات السورية في لبنان، أكد أنه بعد حوالي أسبوعين من تبني مجلس الأمن، القرار 1559، قرر كل من ماهر الأسد وآصف شوكت وحسن الخليل وبهجة سليمان وجميل السيد، قتل رفيق الحريري». وجاءت في النسخة المعدلة إشارة الى «مسؤولين سوريين ولبنانيين كبار» فقط، بدلا من إدراج الأسماء الموجودة في النسخة الأصلية من التقرير.

وحاول ميليس في مؤتمره الصحافي أن يقلل من شأن ظهور أكثر من نسخة واحدة من التقرير، مشيراً الى وجود «مسودات عدة للتقرير». ولم يجب ميليس على سؤال لـ«الشرق الأوسط» عن النسخة التي سلمها الى الأمين العام، مكتفيا بالقول: «سلمت التقرير الى الأمين العام»، مضيفاً أن «التعديلات لم تحصل نتيجة تأثير من أحد». وقال ميليس ان «لا أحد خارج فريق التحقيق أثر على هذه التغييرات»، مشدداً على أنه «ليس شخصاً يمكن له أن يقبل بتغييرات من الخارج». وتابع قائلا: «لقد صغنا هذا التقرير وفي اعتقادنا أنه سيبقى سريا». وعندما سئل عما إذا كان سيبقي أسماء المسؤولين السوريين واللبنانيين في النسخة النهائية من التقرير، لو لم يكتشف في آخر لحظة أن التقرير سيعمم على الصحافيين، اعترف ميليس بأنه على الأرجح كان أبقى على هذه الأسماء. وكان ميليس حاول تفسير حذف الأسماء، «كونها مبنية على شهادات، وليس على أدلة ثابتة»، رغم أنه يشير الى أسماء بعض الأشخاص في فقرات أخرى، بناء على ما نقله شهود عيان. وقال: «قررت، بما أن التقرير سيكون علنياً، أن هذه الأسماء ينبغي ألا تكون في التقرير لأنها قد تعطي انطباعاً خاطئاً بأن هذه معلومات مثبتة».

وفي رده على سؤال حول ما اذا كان يرى أن صدقية التقرير تأثرت بصورة حقيقية، عبّر ميليس عن أمله بألا يكون الأمر كذلك، مشدداً على «أن الأمر يتوقف على ما إذا كنتم تصدقون ما أقوله أم لا»، بعدما شكك الصحافيون بصحة ما قاله ميليس حول الأسباب والظروف المحيطة بالتعديلات. وأكد من جهته، المتحدث باسم الأمين العام، ستيفان دوجاريك، أن أنان «لم يبذل أي جهد، في أي وقت، للتأثير على ما جاء في التقرير». وفي رده على سؤال لـ«الشرق الأوسط»، وصف دوجاريك الخطأ الذي حدث في إرسال نسخ الكترونية تتضمن التعديلات الى بعض الصحافيين بأنه «خطأ إداري مؤسف، وليس مؤامرة». ونفى ميليس أي مسؤولية في تسريب بعض ما تضمنه تقريره الى الصحافة الألمانية، وغيرها، مؤكدا أنه لا يسرب أي شيء، كما نفى أن يكون أبلغ بعض السياسيين اللبنانيين عن مضمون التقرير قبل حوالي أسبوعين من صدوره.

وقال المتحدث باسم الأمين العام، إن اللقاء الذي جمع بين أنان وميليس استغرق حوالى ربع الساعة، وان الأمين العام طلب من ميليس لقاء آخر في الساعة الثالثة ما بعد الظهر، للتباحث معه بشكل مطول للحديث في قرار التمديد لمهمته حتى منتصف ديسمبر (كانون الأول) المقبل. وعقد ميليس، صباح أمس، لقاء مع مندوب الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، جون بولتون. وأكد الاخير أن الحديث تركز حول الخطوة التالية وانه سيجري لقاءات مع كل أعضاء مجلس الأمن في هذا الشأن. ووصف بولتون التقرير بالمهم، مشيرا الى أنه يؤكد أن اغتيال الحريري ما كان ليحدث من دون معرفة السلطات اللبنانية والسورية. وتابع قائلا ان «هذا التقرير قوي للغاية، وما زلنا بقوم بدراسته». ورد المندوب السوري، فيصل مقداد، على ما جاء في تقرير ميليس من انتقادات موجهة الى الحكومة السورية بعدم التعاون مع لجنة التحقيق، فقال: « تعاوننا بشكل كامل مع التحقيقات، وكل الاتهامات الموجهة ضد بلدي عارية عن الصحة».

ومن المتوقع أن يبحث مجلس الأمن، الثلاثاء المقبل، تقرير ميليس في جلسة مخصصة أيضا للاستماع الى إحاطة من رئيس فريق التحقيق في اغتيال الحريري. وكانت سلسلة من اللقاءات غير الرسمية بين أعضاء المجلس بدأت أمس للبحث في كيفية المضي قدما، كما أنه كان من المتوقع أن يجتمع ميليس بعدد من أعضاء مجلس الأمن.