قراصنة سواحل الصومال يعملون بأسلوب الخلايا العنقودية ويستخدمون تقنيات غربية للإفلات

يستهدفون خصوصاً السفن الأجنبية و«تجارة الفدية» أكسبتهم 20 مليون دولار خلال عامين

TT

بقواربهم الصغيرة البخارية المسلحة بشكل جيد وبتقنيات غربية حديثة يمثل رجال الميليشيات المسلحة المنتشرين على طول سواحل الصومال في البحر الأحمر والمحيط الهندي كابوسا يوميا للسفن والبواخر المارة عبر هذه المنطقة التي لم يفلح وجود بعض قطع أسطول البحرية الأميركية في إرهاب القراصنة الصغار عن مواصلة لبحث كل يوم عن غنيمة جديدة.

وفى أحدث عملية من نوعها اختطف مسلحون مجهولون أخيراً سفينة الشحن الأوكرانية «بانجانيا» وطاقمها المكون من 22 شخصا وطالبوا بفدية قدرها 700 ألف دولار مقابل الإفراج عن البحارة والسفينة التي كانت متجهة من جنوب أفريقيا إلى أوروبا. وأفادت تقارير واردة من الصومال بأن الخاطفين اقتادوا السفينة إلي مكان قريب من «البونت لاند» (أرض اللبان) التي سبق أن أعلنت انفصالها عن الدولة المركزية في الصومال عام 1998.

وعلى الفور بدأت مفاوضات قد تستمر بضعة أيام بين الشركة المالكة للسفينة والخاطفين عبر وسطاء محليين ومن دون تدخل الحكومة الصومالية الانتقالية التي تقول إن يدها مغلولة في مواجهة هؤلاء القراصنة لأنها لا تملك وسائل القتال الحربية التي تمكنها من كبح جماحهم.

وهذه أحدث عملية اختطاف من نوعها ينفذها قراصنة صوماليون ضد سفينة شحن أجنبية مارة عبر سواحل الصومال، علما بأنهم نفذوا منذ مارس (آذار) الماضي نحو 23 عملية اخرى انتهى معظمها بدفع فدية مالية والرضوخ لطلبات الخاطفين.

وكما كان الحال في العصور الوسطى عندما كان القراصنة الذين تصورهم أفلام هوليود كقطاع طرق وبلا أخلاقيات، فان استيلاء مجموعة من المسلحين على سفينة يمثل بداية عملية تجارية مربحة، اذ سرعان ما تبدأ المفاوضات التي تنتهي غالباً بقيام الجهة المالكة للسفينة المخطوفة أو التي يتبعها البحارة وطاقم السفينة بدفع فدية مالية ضخمة تكفى ليتمكن القراصنة من تسديد فواتيرهم الباهظة.

ويعمل قراصنة الصومال بطريقة الخلايا العنقودية ضمانا للانتشار والسرية تماما كما تفعل معظم الجماعات الإرهابية المتطرفة، حيث تتكون كل مجموعة من عشرة إلي عشرين شخصا يتوزعون على قاربين أو ثلاثة.

وقال مسؤول امني صومالي لـ «الشرق الأوسط» ان هناك شبهات في أن بعض رجال الأعمال والسياسيين المحليين والقبائليين يمولون هذه الجماعات ثم يقتسمون معهم الغنائم.

وشرح أن المعلومات التي توافرت للحكومة الانتقالية تؤكد وجود ما أسماه بالمافيا التي تمارس عملية القرصنة على السفن والبواخر بطول السواحل الصومالية وكأنها تمارس عملية التجارة، مشيرا إلي أن البعض يلجأ إلي تأجير خدمات بعض المسلحين مقابل أقل من 20 دولاراً يوميا مع توفير «القات» الذي يستخدمه الصوماليون بكثرة.

ومضى المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه يقول إن القراصنة يقومون أولا بعملية استطلاع للهدف ثم ينقضون عليه ويقومون بنقل طاقمه إلي مكان ناء في إحدى القرى الساحلية الصغيرة القليلة السكان ويحتفظوا بسفينة الشحن في مكان آمن بعد عملية تمويه خشية أن يقوم قراصنة محليون آخرون بالاستيلاء على «الغنيمة».

وبعد معرفة هوية طاقة السفينة ووجهة الرحلة وخط سيرها والحمولة التي تنقلها تبدأ عملية الاتصالات المرهقة بأصحاب المصلحة في الافراج عن المخطوفين.

وعبر هواتف جوالة تحمل أرقاما غير صومالية يقوم القراصنة بإبلاغ اسر المخطوفين مطالبين في الغالب باموال سائلة بعملات أجنبية لا يمكن تتبع مصدرها.

وخلال العامين الماضيين فقط رصدت تقارير صومالية أن القراصنة حصلوا بطريقة أو بأخرى على نحو 20 مليون دولار كفدية من جهات دولية عديدة، علما بأن مبلغ الفدية المطلوب عقب كل عملية ناجحة يتراوح بين ربع وثلاثة أرباع مليون دولار.

ويعي القراصنة أنه بإمكان الجهة التي تدفع الفدية وضع علامات محددة على المال الذي تدفع بهدف تتبعهم وملاحقتهم أمنيا وقضائيا، ولذا يقومون بوضع المبلغ تحت أشعة خاصة بإشراف فنيين ثقاة يحصلون على مبلغ لا يقل عن خمسة آلاف دولار في العملية الواحدة.

وكان مركز الملاحة البحرية الدولية الذي يتخذ من لندن مقرا له قد صنف الصومال كأخطر دولة بالنسبة للنشاط البحري في العالم، وحذر جميع أنواع السفن والبواخر من الاقتراب بشكل عام من السواحل الصومالية أو تقليل السرعة على مقربة منها.

ومنذ سقوط نظام محمد سياد برى عام 1991، اصبح الصومال يحظى بسمعة دولية سيئة في المجال البحري نظرا لتعدد حالات اختطاف السفن والقوارب التي يلقيها حظها العاثر في طريق القراصنة الذين يتوزعون على نحو عشر مجموعات مختلفة مزودة بأحدث الأسلحة الأوتوماتيكية المجهولة المصدر.

وتقول مصادر ملاحية إن دخول أي سفينة أجنبية إلى المياه الإقليمية للصومال قد أصبح مغامرة محفوفة بالمخاطر على نحو أدى إلى تدهور سريع في حجم العلاقات التجارية بين الصومال والعالم الخارجي، خصوصا منطقة الخليج العربي.

ودعا علي محمد جيدي رئيس الوزراء الصومالي قبل أيام قليلة، المجتمع الدولي ودول منطقة القرن الأفريقي إلى تقديم كافة المساعدات اللازمة إلى حكومته لتمكينها من بسط سيطرتها على كامل السواحل الصومالية ومنع عمليات القرصنة. وقال جيدي إن بلاده ظلت من دون حكومة مركزية لفترة طويلة وانه من دون حصولها على مساعدات أمنية وعسكرية فلن يكون بمقدورها كبح جماح القراصنة الذين يتعرضون لمختلف أنواع السفن الوافدة إلي الصومال بما في ذلك تلك السفن التابعة للمنظمات الإنسانية والدولية العاملة في مجال الإغاثة وتوفير الغذاء لمئات الآلاف من اللاجئين والمشردين الصوماليين.

واعتبر أنه يتعين على كل الدول المتشاطئة على المحيط الهندي وخليج عدن أن تشارك في هذه العملية لحماية سواحلها المقابلة للسواحل الصومالية.

وحذر من أن الجماعات الإرهابية قد تستغل هذا الفراغ الأمني لصالحها وتشكل من شواطئ الصومال بقعة إرهابية لتهديد الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي.

ويضاعف القراصنة الذين يملكون ميليشيات مدربة وكميات كبيرة من الأسلحة الهجمات على السفن التجارية قبالة سواحل الصومال، وفي الأشهر السبعة الأخيرة سجل المكتب الدولي للبحرية 22 عمل قرصنة وعنف على طول سواحل الصومال البالغ طولها 3700 كيلومتر. وقالت المنظمة إن القراصنة، وهم جنود سابقون في سلاح البحرية الصومالي أو صيادون تحولوا الى لصوص، حولوا المنطقة إلى واحدة من اخطر مناطق الإبحار في العالم.