البرلمان الموريتاني مهجور وغبار العواصف الرملية يعلو الملفات

الأسئلة الصحافية عوضت البرلمانية

TT

بات مبنى البرلمان الموريتاني مهجورا وخاليا من أية حركة منذ الاعلان عن حل المجلسين المكونين له أي الشيوخ والنواب. الممرات التي كانت تعج بالوزراء وكبار المسؤولين البرلمانيين وتفوح برائحة عطورهم أصبحت اليوم هادئة ومعتمة، بينما غبار وأتربة العواصف الرملية التي تجتاح نواكشوط من حين لآخر تعلو رفوف الخزانات ومناضد السياسيين التي كانت سابقا مكانا لرص ملفات المشاريع والقوانين بعد مناقشات ساخنة عليها تمهيدا لتطبيقها.

كان البرلمان في عهد الرئيس المخلوع معاوية ولد سيدي أحمد الطايع المظهر الوحيد لممارسة المعارضة بشيء من الحرية، فالنواب الستة المنتمون الى ثلاثة أحزاب معارضة من أصل 79 نائبا انتقدوا الحكومة مرارا وعارضوا جل القرارات والمشاريع ولم يوفروا مناسبة إلا وكالوا التهم المدعمة بالأدلة للأداء الحكومي، وفي كل معركة كانت الأغلبية هي الفائزة حيث لم يرفض البرلمان طوال عمره الممتد 14 عاما قرارا واحدا صادرا عن الحكومة التي كان كل أعضائها من الحزب الجمهوري ولم تضم يوما معارضا أو مستقلا، شأنها شأن مجلس الشيوخ.

ويحتفظ البرلمان الموريتاني بذاكرة مليئة بالأحداث حيث شهدت القاعة الرئيسية للبرلمان مشادات كلامية ومعارك خطابية عديدة كان أشهرها حين رفعت الحصانة عن النائبين المعارضين محمد جميل ولد منصور واسماعيل ولد أعمر سنة 2003 تمهيدا لمحاكمتهما في مناسبتين مختلفتين، فاشتعل البرلمان وانتفض نواب الأقلية منددين بالاجراء لكن الحزب الجمهوري بدعم من الأحزاب الثلاثة المساندة له تمكن من تحقيق مراده وطرد النائبين.

وبحل البرلمان وتوقف العمل النيابي للمرة الأولى منذ اقرار التعددية قبل 14 سنة، وهو اجراء تم بالنظر للحالة الاستثنائية التي تعيشها البلاد بعد انقلاب 3 أغسطس (آب) الماضي، لم تستسغ الحكومة الجديدة، برئاسة أشهر سياسي موريتاني سيدي محمد ولد بوبكر الوزير الأول (رئيس الوزراء)، مواصلة عملها دون عرض خططها ونتائج عملها على البرلمان فعوضت السلطة التشريعية بصاحبة الجلالة السلطة الرابعة، وباتت الأسئلة الصحافية محل الأسئلة النيابية.

فالاصلاحيون في موريتانيا، ادراكا منهم لأخطاء العهد السابق، لم يترددوا في اجراء حوارات صحافية وعرض تقارير رسمية كانت الى وقت قريب محاطة بهالة القداسة ومختومة بطابع السرية، وبات نشطاء المجتمع المدني وزعماء الأحزاب السياسية ورجال الصحافة معنيون أكثر من ذي قبل بواقع البلاد السياسي وآفاقه المستقبلية.

وتنص المادة 46 من دستور 20 يوليو (تموز) 1991 أن تمثيل الشعب يتم عن طريق برلمان يتشكل من غرفتين: الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ، وينتخب أعضاء المجلس الأول لمدة ست سنوات باقتراع غير مباشر، ويحق لكل مواطن موريتاني يتمتع بحقوقه المدنية والسياسية أن ينتخب عضوا في مجلس الشيوخ إذا كان عمره لا يقل عن 35 سنة. ويتكون هذا المجلس من 56 عضوا ينتخبون لمدة ست سنوات ويتم تجديدهم بالثلث كل سنتين.

أما الجمعية الوطنية (مجلس النواب) فيتم انتخابها باقتراع عام ومباشر ويشترط في النائب أن يتجاوز عمره 25 سنة. وتتكون الجمعية الوطنية للجمهورية الاسلامية الموريتانية من 79 نائبا منتخبين مدة 5 سنوات.

وقد ظل الحزب الجمهوري الذي كان يرأسه الرئيس السابق معاوية ولد سيدي احمد الطايع منذ اقرار التعددية السياسية سنة 1991 يهيمن على 90 بالمائة من مقاعد مجلس النواب و100 بالمائة من مقاعد مجلس الشيوخ، وبدخول البلاد مرحلة جديدة من تاريخها السياسي بعد أن استكملت اللجان الوزارية المكلفة بالمرحلة الانتقالية أعمالها وموافقة المجلس العسكري والمجلس الوزاري على مقترحاتها وبدء تداول الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني لتقاريرها فإن المشهد السياسي الموريتاني سيبدأ بالتشكل من جديد على أسس ومعايير مختلفة عما عاشته البلاد منذ حصولها على الاستقلال في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 1960.

ولعل أهم هذه التغييرات التي ستطرأ على الحالة السياسية بعد اجراء استفتاء لتعديل الدستور الحد من مأمورية رئيس الجمهورية الذي لم يعد بإمكانه تولي أكثر من فترتين متتاليتين مدة كل منهما خمس سنوات، وهذا يعني أن الموريتانيين وبعد كل هذا التاريخ الحافل بالانقلابات سيرون على الأقل رئيسا جديدا كل عشر سنوات. ومن آثار التغيير الجديد اندثار حكم الحزب الواحد بعد الانقلاب على رئيسه ولد الطايع وهجر قياداته لمراكزهم الحزبية، مما سيمكن الأحزاب السياسية من فرض سلطتها على البرلمان الجديد والذي سيتشكل من مختلف الأطياف السياسية بعد أن كان مكونا من 7 أحزاب من ضم 23 حزبا موجودا بموريتانيا. كما أن تشكيل لجنة انتخابية مستقلة تتولى الاشراف على الانتخابات ورقابتها ومتابعتها، يجسد تغييرا جوهريا في ادارة اللعبة السياسية ويحقق أحد أهم مطالب المعارضة السابقة التي بحَّ صوتها مطالبة بهيئة مستقلة للاشراف على الانتخابات.