انقسام في سورية بين أنصار الصمود حتى نهاية عهد بوش وآخرون يدعون لحوار شامل

مذيع لبناني بدأ اليوم بعد صدور تقرير ميليس بأغنية يا له من يوم جميل

TT

بعد مضي يوم على صدور التقرير الذي تضمن تورط مسؤولين سوريين كبار في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، ازدادت الضغوط على الحكومة السورية وظهرت مجددا المطالبات باستقالة الرئيس اللبناني الموالي لسورية اميل لحود. وكان نشر تقرير المحقق الألماني ديتليف ميليس حول اغتيال الحريري و22 شخصا آخرين في 14 فبراير (شباط) الماضي قد اسفر عن ردود فعل نادرا ما تحدث في الشرق الاوسط. وخصصت الفضائيات العربية ساعات طويلة من التغطية في تناول التقرير وقراءته وتداعياته. ويعتبر نشر التقرير في نظر الكثيرين في سورية بمثابة نقطة تحول في السياسة في الشرق الاوسط ونذر مواجهة لا تعرف محصلتها النهائية. يقول فريد الخازن، وهو قانوني لبناني ومتخصص في العلوم السياسية، انه لم يعد أمام سورية هامش للمناورة. فإما ان تتعاون دمشق تعاونا كاملا لإنقاذ نفسها من عزلة اوسع نطاقا او تأكيد رفضها للتقرير بزعم انه مسيّس. وفي دمشق لم يخف مؤيدو الحكومة خوفهم ازاء العواقب المترتبة على ما ورد في تقرير لجنة التحقيق، خصوصا عقب مناشدة الرئيس الاميركي جورج بوش مجلس الأمن باتخاذ خطوة ازاء سورية . ويقول المستشار الرئاسي السوري السابق جرجس جبور، ان الحكومة الآن باتت محاصرة وان الخيارات أمامها اصبحت محدودة، وأضاف جبور معلقا انه لا يشعر بالتفاؤل ازاء ما يحدث. وقد اوشك التقرير ان يوجه المسؤولية مباشرة الى قمة النظام السوري او دائرة كبار المسؤولين المقربين من الرئيس بشار الاسد، والذين يتولون المناصب الحساسة. وأورد التقرير بوضوح وعلى نحو مباشر ان الادلة تشير الى تورط مسؤولي أجهزة الأمن السورية في اغتيال الحريري ويصر التقرير على اهمية توضيح سورية لتساؤلات لم يبت فيها بعد. ورد في التقرير ان وزير الخارجية السوري فاروق الشرع ادلى بمعلومات كاذبة في خطاب الى المحققين، كما اشار التقرير ايضا الى إفادة شاهد تؤكد تورط زوج شقيقة الأسد، آصف شوكت. وحذفت من التقرير ادعاءات حول لعب ماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري، دورا في التخطيط لعملية اغتيال الحريري. وبمزيج من الإحساس بالغضب والخوف والذعر أدان مسؤولون سوريون نتائج التحقيق وقال كثيرون منهم ان التحقيق اعتمد على شهود لم يسمهم في غالبية الأحيان وان التقرير فصل تفصيلا لينسجم مع الاعتراضات الاميركية على سياسة سورية، كما قالوا ايضا ان النتائج التي توصل اليها التحقيق لا يمكن اثباتها في أي محكمة. كما ان وزير الإعلام السوري، مهدي دخل الله، وصف التقرير بأنه «بيان سياسي». وأضاف معلقا انه من المستحيل ان تقبل أي محكمة منصفة وعادلة مثل هذا التقرير الذي اعتمد على مجرد حديث، على حد وصفه. من ضمن النتاج الفورية التي اعقبت صدور التقرير الضغوط المتزايدة في لبنان لاستقالة حكومة الرئيس اميل لحود، الذي رفض المطالب بالاستقالة في اغسطس (آب) الماضي عقب اعتقال اربعة جنرالات لبنانيين بشبهة التورط في عملية اغتيال الحريري. وتوصل التحقيق الى ان الرئيس اميل لحود تلقى مكالمة هاتفية قبل دقائق من الانفجار الذي اودى بحياة الحريري من شقيق عضو بارز في مجموعة موالية لسورية كان قد اجرى اتصالا بدوره بواحد من الجنرالات. إلا ان مكتب الرئيس لحود نفى تماما تلقي أي مكالمة. وأكد مكتب لحود انه لا ينوى الاستقالة وأوضح ان هذه التهمة تأتي كجزء من حملة مستمرة على مدى شهور ضد لحود «وضد المسؤوليات الوطنية التي ظل يضطلع بها وسيستمر في الاضطلاع بها في هذه المرحلة من تاريخ لبنان». وقالت رانيا سركيس وهي اخصائية علاج طبيعي لبنانية في الرابعة والثلاثين من عمرها «الامر الذي يجب وقوعه بعد ذلك هو ما يحدث الان. يجب ان يعبر الناس عن مشاعرهم». وكانت رانيا ترتدي تي شيرت ابيض اللون عليه عبارة «احب ميليس»، في اشارة الى المحقق الالماني التابع للامم المتحدة.

وبالنسبة لعدد كبير من اللبنانيين، فإن عناد لحود جعل النشاط السياسي في البلاد في وضع محبط. فمن ناحية توجد القوى التي تقف وراء الاحتجاجات في فصل الربيع الماضي التي ساعدت على انهاء الوجود السوري الذي استمر لمدة 29 سنة. وهذه القوى، بالرغم من انقسامها، تسيطر على الاغلبية في البرلمان.

ومن ناحية اخرى يوجد لحود والنفوذ الهائل الذي لا تزال سورية تمارسه عبر بعض الاحزاب والفرقاء اللبنانيين وقطاعات من جهاز الاستخبارات اللبنانية.

وأوضح ملحم شاؤول، وهو محلل سياسي من الجامعة اللبنانية «على هذا الرئيس الاستقالة. ليس لدينا رئيسا للجمهورية. بل لدينا شخصية متورطة في نزاع. نحن في حاجة الى الاستقرار، ومعه، لا يوجد استقرار».

وفي الاوضاع السياسية اللبنانية دائمة الجدل، يمكن للحود الاعتماد على فرقاء ومؤسسات ترفض ذهابه، لكل منها اسبابه. فأقوى الحركات الاسلامية الشيعية في لبنان، حزب الله، ايد استمراره في الرئاسة، مثلما ايده انصار ميشيل عون، وهو رئيس وزراء سابق خلال الحرب الاهلية وعضو البرلمان الذي يتمتع بشعبية في اوساط المسيحيين الموارنة.

وقد تحول تقرير ميليس الى ما يقرب من الهوس الوطني في لبنان، بعد تردد الشائعات لعدة اسابيع حول نتائجه المحتملة. وفي يوم صدوره اذاع مقدم اغان في الاذاعة اللبنانية اغنية يا له من يوم جميل WHAT A WONDERFULL WORLD. وكان رد الفعل أقل حماسا في دمشق، حيث لم تبد اجهزة الاعلام اهتماما يذكر بالتحقيق. وسئل خباز في دمشق اسمه ماجد ناطور «متى تم اصدار التقرير؟». ومثل العديد من الاشخاص في المدينة كان غير مبال بالتقرير. وعندما قيل له نتائج التحقيق، هز رأسه وقال: لعبة اخرى لصالح اسرائيل، التي يجري الترويج لمصالحها بالتصرفات العدوانية للولايات المتحدة. وقال ناطور البالغ من العمر 25 سنة «هذا رأيي. سورية هي البلد الوحيد الذي سيقول لهما لا».

وكان الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد، الذي مات في عام 2000 بعد 30 سنة في السلطة، يتبع سياسة خارجية ماهرة منحت سورية دورا سياسيا يتعدى قوتها العسكرية او الاقتصادية. وقد توترت العلاقات كثيرا مع الولايات المتحدة، ولكن سورية كانت تتصرف بحذر.

وفي السنوات الماضية وجدت البلاد نفسها اكثر عزلة مما كانت عليه في عصرها الحديث. وطلبت الولايات المتحدة تغييرا شاملا في سياستها ـ بما في ذلك وقف الدعم لحزب الله والجماعات الفلسطينية الراديكالية واغلاق حدودها مع العراق امام المقاتلين الاجانب. وأشار المسؤولون السوريون الى خطوات فعلية اتخذوها، على الحدود، للقبض على المقاتلين، وقالوا ان الولايات المتحدة لم تفعل أي شيء على القطاع الذي تسيطر عليه من الحدود العراقية.

وفي الوقت ذاته أجل الاتحاد الاوروبي توقيع اتفاقية تجارية مع سورية، وهو قرار يعزوه السوريون الى الضغوط الاميركية. وقد سحبت الولايات المتحدة سفيرها من دمشق بعد اغتيال الحريري، وأصبحت زيارات كبار المسؤولين نادرة.

وتبدو الحكومة نفسها منقسمة بين هؤلاء الذين يعتقدون انه بوسعهم الصمود حتى انتهاء عهد بوش والآخرين الذين يعتقدون بان حوارا شاملا هو الذي يمكنه القضاء على الاحساس بالحصار. وقال جبور «بالطبع، نعرف ما يهم الولايات المتحدة هو العراق. فهل يوجد اتفاق اميركي سوري بشأن العراق؟ هل يمكن ان تساعد سورية الولايات المتحدة على تهدئة الاوضاع في العراق؟ لا ادري؟».

خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الاوسط»