اليمين الإسباني يحث الملك خوان كارلوس على زيارة سبتة ومليلية

مستغلا موقف المغاربة المتفهم الوضع الإنساني لمأساة الهجرة

TT

بينما يوجد شبه اتفاق غير مكتوب بين الحكومة وأغلب الأحزاب السياسية في المغرب على أن الوقت ليس مؤاتيا لإثارة موضوع سبتة ومليلية، اللتين تحتلهما إسبانيا إلى جانب ثغور أخرى في شمال البلاد، تجنبا لإحراج الحكومة الاشتراكية الحالية التي مدت يد التعاون الوثيق نحوهم منذ تسلمها السلطة، إلا أنه يلاحظ أن اليمين الإسباني يتبنى بشكل واضح مواقف مناقضة ومستفزة، إن لم تكن عدائية، تجاه الرباط، بخصوص المدينتين المحتلتين. فقد استغل الحزب الشعبي الاسباني، وهو حزب المعارضة الرئيسي في البلاد المأساة الإنسانية التي وقعت أخيرا، على أطراف المدينتين، ليحمل المغاربة مسؤوليتها من جهة، وليوجه تهما ثقيلة للاشتراكيين، كونهم يذعنون للمغرب الذي يغض الطرف عن أمواج المهاجرين ويسهل لهم اقتحام سبتة ومليلية ليقوم فيها وضع سكاني جديد تستفيد منه الرباط. ودعا الحزب الشعبي، الذي يرأس الحكومتين المحتلتين في المدينتين، السكان الإسبان إلى التظاهر ضد الحكومة المركزية في مدريد التي لم توفر لهم الحماية من «غزو الأفارقة الجائعين» حسب تعبيره، كما أن زعيم الحزب ماريانو راخوي، قام بزيارة استعراضية للمدينتين، وتعمد الحضور إلى المؤسسات التمثيلية التي ترمز إلى السيادة الإسبانية على المدينتين، بينما طاف بسرعة على مراكز إيواء الأفارقة المتسللين. وعلى العكس من ذلك، اكتفت نائبة رئيس الحكومة الاشتراكية ماريا تريسا دي لافيغا، أمام تطور الأحداث وخطورتها، بمعاينة مكان الاشتباكات بين الأفارقة وحرس الحدود الاسبان، لتقدير ما يتطلبه الموقف من إجراءات إنسانية وأمنية. وتمت زيارة دي لا فيغا، تحت جنح الليل، وخلت من أي مظهر رسمي أو رمزي، وهو ما يمكن أن يضاعف قلق المغاربة.

ولم يقنع الحزب الشعبي بتأجيج النار في المدينتين، وقرر نقل معركته وخلافه التقليدي المزمن مع الاشتراكيين إلى باحة البرلمان في مدريد، حيث تقدم بملتمس، مستعينا بأحزاب يسارية صغيرة مناوئة للمغرب، لاستصدار قرار يؤكد الطابع الإسباني لسبتة ومليلية، واضطر الاشتراكيون للتصويت عليه بالموافقة، بسبب حراجة الموقف أمام الرأي العام الإسباني المعرض يوميا لوابل من دعاية اليمين والجهات المعادية للتقارب مع المغرب، واستغلال مواقف وسائل الإعلام المصرة في أغلبها على عدم الإنصات لوجهة نظر المغرب، مستفيدة من أخطائه الصغيرة ذات العواقب والانعكاسات المحرجة.

وفي سياق هذا التصعيد من جانب المعارضة الإسبانية، وافقت حكومة مليلية في اجتماعها الأخير، على رفع ملتمس إلى العاهل الإسباني، ليخصها باستقبال لشرح الأوضاع الحاصلة في المدينة، ولتطلب منه أن يقوم بزيارة لها على اعتبار أنها هي وسبتة جزء من التراب الإسباني، علما أن الملك خوان كارلوس، قاوم هذا الطلب، الذي وقف اليمين دائما وراءه، منذ توليه الحكم عام 1975، لكن الديكتاتور الراحل الجنرال فرانكو، كان قد أوفده إلى المدينتين عام 1970 عندما كان وليا للعهد، ولم يكن في مقدوره آنذاك إلا الامتثال لرغبة الديكتاتور العجوز.

ومن المفارقات أن وزير الإعلام المغربي، نبيل بن عبد الله، صرح لوفد صحافي إسباني، قبيل تطور الأحداث بشكل دراماتيكي على أطراف سبتة ومليلية، قائلا إن المغرب يرى أنه من الحكمة عدم إثارة وضعية المدينتين، وهو موقف يشاطر الوزير فيه عدد من الساسة المغاربة، اعتقادا منهم أن الزمن كفيل بإيجاد حل للمعضلة الموروثة عن عهد استعماري، وأن جيرانهم في الشمال، سيقتنعون في يوم من الأيام أن الاستمرار في الاحتلال يكلفهم كثيرا، في مقابل فقدان الثغرين لأهميتهما العسكرية والاقتصادية.

وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن عضوا في هيئة من المجتمع المدني، تعنى بتتبع مشاكل المهاجرين الأفارقة في جانبها الإنساني، نبه في برنامج تلفزيوني عن الهجرة بثته أخيرا القناة الثانية المغربية، إلى خطورة السياسة التي يسلكها المغرب بخصوص تعاطيه بحسن نية زائدة مع المشكل الاستعماري القائم مع إسبانيا، فأن تقبل الرباط، في نظره، صد المهاجرين الأفارقة بالقوة ومنعهم من دخول المدينتين في اتجاه أوروبا، فذلك يعني أن الرباط تسلم بأمر الحدود الحالية، وتسجل على نفسها سابقة دبلوماسية خطيرة، قد تعرقل مستقبلا مطالبها المشروعة باستعادة ما اقتطع من ترابها.