رسالة الأسد إلى واشنطن ولندن وباريس تتعهد بمحاكمة أي متورط سوري

دبلوماسيون: نسختان من خطاب الرئيس السوري الأولى للدول الثلاث والثانية لبقية أعضاء مجلس الأمن

TT

بفعل الضغوط الدولية المتزايدة وعد الرئيس السوري بشار الأسد في خطاب مؤرخ يوم 23 اكتوبر (تشرين الأول) تسلمته كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا واعضاء مجلس الأمن بمحاكمة أي مواطن سوري متهم بالتورط في اغتيال رفيق الحريري «اذا ثبت بالدليل الملموس» ان له دورا في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري. ويعتبر هذا التعهد من جانب الرئيس بشار الأسد أبرز رد فعل من جانب سورية على التحقيق الذي اجرته الامم المتحدة بشأن اغتيال رفيق الحريري والذي توصل بصورة شبه مؤكدة الى تورط مسؤولين سوريين فيه. وكان مسؤولون سوريون قد سعوا الى تصوير تقرير ميليس كونه يفتقر الى المهنية وتقف وراءه دوافع سياسية، إلا ان بشار الأسد لم يكن قد ادلى بتعليق رسمي. وتنفي رسالة الأسد أي دور سوري في اغتيال الحريري في بيروت في 14 فبراير (شباط) الماضي، لكنه أشار الى ان الحكومة السورية ستتعاون في هذا الشأن. وجاء في رسالة الأسد: «اعلنت مسبقا ان سورية بريئة من هذه الجريمة، وأنا على استعداد للمتابعة وتقديم أي سوري يثبت بالدليل الملموس علاقته بهذه الجريمة للمحاكمة». إلا ان الأسد حذر في رسالته من استخدام تقرير الامم المتحد كأداة سياسية للضغط على بلاده. وكانت الولايات المتحدة قد انتقدت الحكومة السورية على دعم تنظيمات فلسطينية متطرفة والتدخل في لبنان وفشلها في إغلاق حدودها أمام المقاتلين الأجانب الذين يتسللون الى العراق. وورد في رسالة الأسد، التي حصلت عليها واشنطن بوست الحصول عليه من مصادر دبلوماسية في العاصمة دمشق، ان «استخدام التقرير ستكون له آثار خطيرة على الوضع المتوتر اصلا الذي تمر به المنطقة وفي وقت تبرز الحاجة فيه الى اتخاذ مواقف موضوعية وبناءة تساعد دول المنطقة على تحقيق الاستقرار». وعبرت وزارة الخارجية الاميركية عن شكوك من جانبها ازاء العرض السوري الجديد، اذ قال المتحدث باسم الوزارة، ج. ايرلي، خلال حديث له مع صحافيين ان سورية «تثبت مرة اخرى من خلال سياساتها وأفعالها انها مخالفة للمجتمع الدولي ولم تقرأ الوضع على النحو الصحيح وتتعاون بصورة كاملة». وواصل ايرلي حديثه قائلا: «لهذا السبب ينعقد مجلس الأمن للتوصل الى ما يجب فعله مع سورية في حال فشلها في التعاون. الوقت متأخر الآن أمام سوريا كي تحاول إصلاح اخفاقات سابقة».

ويعتقد مراقبون ان تحقيق الامم المتحدة الذي قاده الألماني ديتليف ميليس بالإضافة الى الانتقادات الدولية لسورية ادت الى خلق اكبر ازمة يواجهها بشار الأسد منذ وفاة والده عام 2000. وتسبب التقرير في وضع الحكومة السورية، التي تعاني من عزلة على مستوى الشرق الاوسط وخارجه، في موقف حرج بسبب ورود اسماء مسؤولين سوريين في حكومة بشار الأسد في التقرير النهائي للتحقيق في اغتيال رفيق الحريري من ضمنهم آصف شوكت، زوج شقيقة الأسد ومسؤول الاستخبارات العسكرية السورية، إلا ان ميليس أكد في تقريره انه لم تثبت إدانة شخص بعد. من جانبهم قال دبلوماسيون ان درجة التعاون السوري مع تحقيق الامم المتحدة ربما تحدد ما اذا كانت ستواجه سورية عقوبات. ويتوقع محللون ودبلوماسيون ان تتعاون سورية في نهاية الأمر على الرغم من انه لم تعرف بعد درجة هذا التعاون. وكانت الحكومة السورية قد درجت على استخدام استراتيجية رد الفعل بتقديم بعض التنازلات في محاولة لتجنب أي عاصفة وفي نفس الوقت الاحتفاظ بأوراق يعتقد المسؤولون السوريون ان بوسعهم استخدامها في المساومة. على العكس من السنوات السابقة، قطعت الولايات المتحدة كل العلاقات مع دمشق باستثناء الاتصالات الدبلوماسية الروتينية مع الحكومة السورية ورفضت محاولات خلال الاشهر الاخيرة السابقة باستئناف الحوار حول قضايا استخباراتية. وحتى دول عربية مثل مصر والسعودية لم تبد أي استعداد للتوسط لمصلحة سورية. وأعرب دبلوماسي في العاصمة السورية عن تأكيده على ان الحكومة السورية ستفعل ما بوسعها لتفادي التعرض لعقوبات ويتساءل: و«لكن ماذا بعد ذلك؟». ويرى الدبلوماسي، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، ان تفادي العقوبات لن يساعد سورية على الإفلات. لم يتضمن خطاب الأسد ما اذا سيمثل السوريون المتهمون بالضلوع في اغتيال الحريري أمام محكمة سورية ام اجنبية خارج الاراضي السورية، كما لم يوضح الخطاب ما يمكن اعتباره «دليلا ملموسا»، على حد التعبير الوارد في خطاب الأسد. ويكمن المحط والاختبار الحاسم أمام سورية في ما اذا ستسمح بالتحقيق مع المسؤولين المتهمين خارج اراضيها، وهي خطوة ربما تشجع مسؤولين سوريين الى التوصل الى اتفاق، إلا ان كثيرا من المحللين والدبلوماسيين لا يعتبر ذلك بمثابة خطر على الحكومة السورية. يقول دبلوماسيون ان هناك نسختين على الاقل من خطاب بشار الأسد بينهما اختلاف طفيف، أولهما النسخة التي تحتوي على التعهد بمثول أي سوري ضالع في اغتيال الحريري أمام العدالة ارسل الى الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ودول أخرى، وهناك نسخة اخرى حذف منها التعهد وأرسلت الى اعضاء آخرين في مجلس الأمن.

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»