تجاذبات فرنسية ـ أميركية في مجلس الأمن حيال قرار سورية نتيجة سعي باريس إلى إجماع وواشنطن إلى تصويت بأسرع وقت

TT

علمت «الشرق الأوسط» من مصادر متطابقة في باريس أن فرنسا والولايات المتحدة الأميركية، اللتين تقدمتا مساء الخميس الماضي بصيغة معدلة لمشروع قرار في مجلس الأمن الدولي يهدد سورية بفرض عقوبات عليها إذا لم تتعاون بشكل كاف مع لجنة التحقيق الدولية «ليستا على نفس الموجة» في ما خص طريقة التصرف في مجلس الأمن. ويعود سبب «التجاذبات» الفرنسية ـ الأميركية كما شرحتها مصادر فرنسية الى أمرين: الأول هو إصرار واشنطن على الإسراع بالتصويت على مشروع القرار المشار إليه «لأن الحصول على تسعة أصوات اصبح مضمونا مع استبعاد استخدام روسيا لحق النقض (الفيتو) ولان الصين ستلحق موسكو في التصويت». وبالمقابل، فإن باريس ما زالت «تسعى لإقناع المترددين والاستماع الى ملاحظاتهم على الصيغة الثانية لمشروع القرار وإبداء الاستعداد لتعديل ما يمكن تعديله سعيا وراء الإجماع أو تجميع أكبر عدد ممكن من الأصوات المؤيدة في مجلس الأمن». أما السبب الثاني للتجاذبات فيعود الى تباين في وجهات النظر بين العاصمتين حول فائدة استصدار قرار آخر في مجلس الأمن استكمالا لتقرير المبعوث الدولي المكلف متابعة تنفيذ القرار 1559 تري رود لارسن. وبعكس ما أشيع سابقا، فإن باريس لم تبد موافقة على استصدار قرار ثان، تعقيبا على تقرير لارسن، لا خلال اجتماع الرئيس شيراك ووزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس ولا في اتصالات لاحقة. ورغم أن سورية معنية بتقرير لارسن كما أنها معنية بتقرير ديتليف ميليس، فإن باريس «لا ترغب في الخلط بين التقريرين والمهمتين»، كما أنها «تريد تحاشي إدخال مزيد من التعقيدات على مهمة ميليس انطلاقا من أن الأولوية الآن هي لتطبيق القرار 1595 فيما القرار 1559 يتطلب وقتا وتفاهما بين الأطراف اللبنانية بالدرجة الأولى». وبالطبع، فإن باريس «لا تريد أبدا تداخلا بين الموضوع العراقي والسياسة السورية تجاهه أو موضوع الإرهاب والمنظمات الفلسطينية المنشقة على السلطة من جهة وبين موضوع تحقيق ميليس من جهة أخرى.

وبالعودة لمشروع القرار في مجلس الأمن، فإن باريس ترى أن الهدف في مجلس الأمن هو الإجماع الذي «من شأنه إظهار عزلة سورية ونظام الرئيس بشار الأسد وإفهام دمشق أن الخيار الوحيد المتاح أمامها هو التعاون الفعلي لا اللفظي مع المحقق الدولي».

غير أن باريس (وواشنطن ولندن بطبيعة الحال) متمسكة بقوة بعنصرين في مشروع القرار: الأول أن يكون تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة «لأن ذلك يمثل الباب الوحيد الذي يمكن أن يفضي الى فرض عقوبات في حال لم تتجاوب سورية» وفق المصادر الفرنسية. وتؤكد باريس أن موضوع الفصل السابع «لا مساومة حوله مهما يكن تحفظ بعض الدول الأعضاء في مجلس الأمن». أما العنصر الثاني فيكمن في أن يتيح القرار الجديد فرض عقوبات «ليس على سورية كبلد أو كدولة بل على المسؤولين الضالعين في عملية اغتيال الحريري». وفي هذا الخصوص، تقول المصادر الفرنسية إن باريس «تتبنى مفهوم المسؤولية الفردية وليس المسؤولية الجماعية في حال ثبوت دور سوري» في اغتيال الحريري وتعتقد أن ذلك «من شأنه نزع التحفظ أو المعارضة من أعضاء في مجلس الأمن وكذلك من قبل بعض الدول العربية» إذ سيكون من الصعب على أي كان «الدفاع عن أشخاص يتحملون مسؤولية جرمية» في اغتيال الحريري. وجاءت التعديلات التي أدخلتها باريس على النص الأولي لمشروع القرار لتترجم مفهوم المسؤولية الفردية ولتبين «بشكل أوضح» أن الغرض «ليس الاقتصاص من الحكومة السورية ولا فتح الباب أمام عمل عسكري ضد سورية»، بل «معاقبة من يظهره التحقيق متورطا» في جريمة اغتيال الحريري.

ورغم ذلك، ترى مصادر متطابقة في باريس أن الفصل بين المسؤولية الفردية والمسؤولية الجماعية «نظري أكثر مما هو عملي» لأنه في حال ثبتت مسؤولية أطراف في النظام السوري في الجريمة المذكورة فإن «الانعكاسات ستطال كل النظام». مقابل ذلك، ترى فرنسا أن ثمة عناصر في مشروع القرار يمكن «تليينها» أو تغيير مواقعها أو حتى «التخلي عنها». ومن ذلك الفقرة التي تتحدث عن دور سوري في الإرهاب التي فهم من أطراف فرنسية أن واشنطن أصرت على تضمينها مشروع القرار. ولا تمانع فرنسا في نقلها أو حذفها وبأي حال أصرت منذ البداية على ان آلية العقوبات غير مربوطة بهذه الفقرة بل بالفقرات التي تنص على التعاون السوري وتفاصيله مثلما هي مفندة في نص المشروع.