المصري المفرج عنه من غوانتانامو: تمنيت «الموت» من شدة التعذيب

قال إن صفقة بين باكستان والقوات الأميركية زجت به في السجن

TT

قال الدكتور سامي عبد العزيز الليثي، المصري الذي كان معتقلا في قاعدة غوانتانامو وأفرج عنه مؤخراً، إنه كان يتمنى الموت في ذلك السجن من شدة التعذيب الذي تعرض له.

وقال الليثي لـ«الشرق الأوسط» إنه لم يستطع الجلوس طويلا أمام وفد مصري جاء لمقابلة المعتقلين المصريين للاستماع إليهم من شدة الإعياء من جراء التعذيب النفسي والبدني فأعادوه إلى غرفته محمولاً على نقالة.

وأضاف الليثي أن الأميركيين عاملوه هذه المعاملة رغم أنهم يعلمون تماماً أنه لا علاقة له بالإرهاب وأنه كان مدرساً في جامعة كابل.

وأكد أن السلطات المصرية بعد تسليمه عاملته معاملة كريمة لأنهم يعلمون براءته من تهمة الإرهاب.

وهذا نص الحوار:

> كيف تم إلقاء القبض عليك؟

ـ بعد وقوع أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001 وأثناء عملي في أفغانستان وغزو القوات الأميركية للعاصمة الأفغانية كابل، حاولت الهروب إلى باكستان، خاصة بعد أن تحولت حياة الناس في كابل إلى جحيم، وكان الموت أقرب لنا من الحياة، وعلى الحدود بين أفغانستان وباكستان أمسك بي ومن كان معي رجال القبائل الباكستانية وقاموا بتسليمنا إلى السلطات الباكستانية ثم إلى الجيش الأميركي الذي قام بنقلنا إلى قاعدة عسكرية أميركية في قندهار، وقاموا بالتحقيق معنا لمدة أسبوع أذاقونا خلاله العذاب ألواناً ثم قاموا بترحيلنا بعد ذلك إلى سجن غوانتانامو.

> هل عرفت خلال التحقيقات التي أجريت معك قبل ترحيلك إلى غوانتانامو التهمة التي بسببها تم اعتقالك؟

ـ لا، ولكن عرفت أخيراً وأنا بسجن غوانتانامو أنه تم إلقاء القبض على خمسة وعشرين عربياً آخرين حيث ادعوا كذباً أننا كنا نعتزم مقاومة الجيش الأميركي.

> لكن ألا تعتقد أن من بين الذين تم القبض عليهم من كانوا أعضاء في تنظيم «القاعدة» أو حركة طالبان؟

ـ لا أعتقد لأن معظم المعتقلين أناس سلمتهم باكستان للجيش الأميركي سواء من الفارين من كابل بعد الغزو الأميركي لأفغانستان أو من طلاب العلم في المدارس الدينية، والمحققون الأميركيون لا يملكون أي دليل إدانة على أي منهم.

> ما هي الأسئلة التي كانت توجه إليك ولغيرك من المعتقلين، أي حول ماذا تدور، وبرأيك ما الأشياء التي تعتقد أنها كانت تثير مخاوف الأميركيين وتدفعهم لاعتقال هذا أو ذاك؟

ـ أسئلة عادية جداً تدور حول حياة الأسير، من منشئه إلى وقت القبض عليه، مثل عدد أفراد أسرته والعلاقة بينه وبينهم وعلاقتهم بالجيران والأصدقاء والهوايات المفضلة له والوظائف التي يعمل فيها الأهل والأقارب، أيضاً أسباب وجودنا في أفغانستان ومدى معرفتنا بتنظيم «القاعدة».

> ترى ما الهدف أو الدافع من وراء طرح هذه الأسئلة؟

ـ أنهم يريدون من خلالها معرفة الصادق من الكاذب.

> لكن خلال السنوات الأربع داخل سجن غوانتانامو ألم يكن هناك أي تدخل من السلطات المصرية للإفراج عنكم، خصوصاً أن بعض وسائل الإعلام المصرية اهتمت بقضيتكم وطالبت بمساندتكم؟

ـ ليس لدي علم ولكن ما أستطيع أن أتذكره أنه ذات ليلة اقتحم الجنود الأميركان زنزانتي وأخبروني أنني مطلوب الآن للتحقيق واقتادوني إلى غرفة وأنا معصوب العينين ومكبل بالسلاسل وأجلسوني في غرفة لانتظار المحققين، وبعد لحظات دخل بعض الأشخاص فأخبروني بأنهم وفد من الحكومة المصرية وحضروا لمقابلة المعتقلين المصريين والاستماع إليهم، ولكنني كنت في حالة إعياء شديدة تحول دون بقائي جالسا أمامهم للحديث أو الرد على استجواباتهم وطلبت إدخالي إلى الزنزانة لكي أستريح، خاصة أنني كنت مصاباً بكسر في العمود الفقري من جراء التعذيب الذي كان يمارس ضدي في السجن يومياً، وحملوني على النقالة وأنا معصوب العينين ومكبل اليدين والقدمين رغم أنني لا أستطيع الحركة.

> هل صحيح أن بعض المعتقلين يحاولون الانتحار من شدة التعذيب؟

ـ هذا غير صحيح، فالأساليب الوحشية التي تستخدم أثناء التعذيب تجعل الإنسان يفضل الموت على الحياة.

> كيف؟

ـ التعذيب البدني والنفسي، فمثلا كان يتم ضربي على رأسي حتى أصبت بعدة إصابات في رأسي أثرت على سمعي، وأصبت بكسر في العمود الفقري ولا أستطيع الحركة إلا على مقعد متحرك، أيضاً من أنواع التعذيب أنهم كانوا أثناء التحقيق معنا يسلطون أضواء قوية جداً وبألوان مختلفة على أعيننا مما كان له أثر سيئ على النظر، وكان من يحاول إغماض عينيه يتعرض لأبشع أنواع الذل والوحشية والمهانة والتحقير. بالإضافة لذلك كانوا يمارسون علينا ضغوطا نفسية، فمثلا أخبروني أنه بعد توقيع الكشف الطبي عليّ أنني مصاب بالإيدز، ومرة أخرى قالوا لي إنك مصاب بالسل، ومرة ثالثة قالوا إنك مصاب بالسرطانزز وهكذا، بالإضافة إلى معاناتنا النفسية لأننا في سجن يبعد عن أوطاننا آلاف الكيلومترات ومحاط بأسماك القرش من كل مكان، ولا أحد يسمع بنا أو يعلم عنا شيئاً، وكذلك نحن لا نعرف عن أهلنا شيئاً، والأسوأ من ذلك أنه فرض علينا تعتيم إعلامي فلم يعلم أحد بمعاناتنا.

> كم عدد المصريين الذين ما زالوا معتقلين في غوانتانامو، وما هي جنسيات المعتقلين الآخرين وعددهم؟

ـ حقيقة لا أستطيع أن أقول لك بالتحديد ما هي جنسيات المعتقلين، خصوصاً أنه كانت تفرض علينا أسماء خلاف أسمائنا الحقيقية، وعلى سبيل المثال كانوا يسمونني أبو أحمد الصومالي، وكانوا ينادونني بهذا الاسم، وهذه كانت حيلة أميركية حتى تطمس هوياتنا فيتعذر أن يتعرف بعضنا على بعض، ورغم ذلك فقد علمت بوجود أربعة مصريين آخرين معي في المحبس، إلا أنني لم أستطع التعرف عليهم ولا حتى على أسمائهم الحقيقية، وبالتالي يتعذر علي طمأنة أهالي هؤلاء المحبوسين.

> المجلس القومي لحقوق الإنسان بالقاهرة أعلن تبنيه لقضيتكم والمطالبة بحقوق لك على السنوات التي قضيتها ظلماً في السجن، فما تعليقك؟

ـ أنا صاحب حق، خصوصاً أن الأميركان يعرفون جيداً أنه لا علاقة لي بالإرهاب أو غيره، ويعلمون أيضاً أنني طوال فترة إقامتي في أفغانستان والعمل بالتدريس في جامعة كابل كنت ملتزما بأنه بعد الانتهاء من عملي أذهب إلى بيتي، وكذلك هم يعلمون أيضاً أنه ليس لي اتصالات بأحد أو علاقات مع جماعات إرهابية.

> من يتحمل ثمن السنوات الأربع التي قضيتها خلف القضبان في غوانتانامو؟

ـ يتحمله الظالمون والمعتدون الذين اشترونا بالدولارات في باكستان، خصوصاً أنه شخصياً لم تكن هناك أية أدلة إدانة ضدي حتى يسلمني رجال القبائل الباكستانية للسلطات الباكستانية ثم للقوات الأميركية، وهي صفقات مشبوهة حيث تهدف أميركا من ورائها إلى اعتقال أكبر عدد ممكن من الأشخاص لتحملهم إلى معتقل غوانتانامو من أجل أن تشيع في العالم أنها نجحت في القبض على الإرهابيين الذين يهددون العالم. وللعلم فأنا في عملي كنت أخدم السياسة الأميركية حيث كنت أقوم بتدريس اللغة العربية واللغة الإنجليزية في جامعة كابل، وفي قيامي بتدريس اللغة الإنجليزية وهي اللغة التي يتحدث بها الأميركان ويسعون لنشر ثقافتهم من خلالها في العالم وبالتالي نلت هذا الجزاء بدون ذنب أو جريرة.

> بعد تسليمك للسلطات المصرية هل تم استجوابك أو مساءلتك من قبل أي جهة؟

ـ لا، لا، لأنهم يعلمون براءتي ويعلمون أنني مظلوم، وبالعكس فقد عاملوني أحسن معاملة، وبعد أن نزلت من الطائرة نقلوني على الفور إلى مستشفى قصر العيني بالقاهرة نظراً لأنهم رأوا حالتي الصحية متدهورة جداً.

>خلال فترة احتجازك في سجن غوانتانامو هل كانت أسرتك بمصر تعلم بمكان وجودك؟

ـ لا، فبعد الغزو الأميركي لأفغانستان واعتقالي في سجن غوانتانامو انقطعت أخباري عن أهلي ولم يعلموا عني شيئاً، وقد حاولت أن أرسل لهم رسالة عبر المحامي الذي كان يترافع عني وهو أميركي من أصل بريطاني وكنت قد أعطيته إياها ليرسل بها إلى أهلي في مصر ليطمئنوا عليّ بعد انقطاع أخباري عنهم، وبالطبع لم يقم بإرسالها وقال لي إن الجنود الأميركان أخذوها منه، وهذا بالطبع غير صحيح فهو أميركي والسلطات الأميركية لم تسمح لمحام يترافع أمامها أن يكشف عنها أي شيء للعالم.