البوسنيون العرب: الجزائريون تصالحوا مع حكومتهم والسودانيون يعانون البطالة والتونسيون الأكثر إيلاماً

TT

تلقى الجزائريون المقيمون في البوسنة دعوات للعودة الى بلادهم لتسوية اوضاعهم، لسعي الحكومة الجزائرية لطي صفحة الماضي والتغلب على الهاجس الأمني. في المقابل، ما زال الكثير من أبناء الجاليات العربية في البوسنة يعانون شظف العيش وقساوة الاتهامات التي تحاصرهم، وتمسك بتلابيبهم، منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) عام 2001، بل قبل ذلك بكثير. وقد زادت الطين بلة تصريحات لنائب وزير الأمن البوسني، قال فيها إن هناك 40 شخصا في البوسنة يشتبه في علاقتهم بالإرهاب، وذلك بعد اعتقال السلطات البوسنية اخيراً سويديا وتركيا وبوسنيا قيل إنهم كانوا يخططون للقيام بأعمال ارهابية في البوسنة.

وقال دران ميكيتش نائب وزير الأمن البوسني (الأمن يسيطر عليه الصرب والكروات في البوسنة): «هناك 40 شخصا في البوسنة يشتبه في ان لهم علاقة مع الارهاب». وأوضح ان «الانتربول (الشرطة الدولية) والأمن البوسني يراقبان منذ 6 أشهر اشخاصاً يعتقد أن لهم علاقة بالإرهاب وذلك بناء على معلومات من الداخل والخارج».

وقد أجرى أفراد الجالية الجزائرية في البوسنة، وعددهم يتجاوز الخمسين فردا، اتصالات مع وزارة الداخلية الجزائرية تهدف الى تسهيل عودتهم إلى الجزائر. وقال عدد من الجزائريين الذين شاركوا في تلك الاتصالات لـ «الشرق الاوسط» إنها «كانت بناءة ومفيدة وأدخلت السرور على أبناء الجالية في البوسنة». وأكد بعضهم ان «الحكومة الجزائرية مستعدة لتسوية أوضاع كافة الجزائريين المقيمين في البوسنة، وتسليمهم جوازات سفر صالحة وتذاكر سفر للعودة لبلادهم متى رغبوا في ذلك».

وقدمت وزارة الداخلية الجزائرية، وفق ما ذكره بعض من حضر تلك المناقشات، ضمانات بعدم التعرض لأي جزائري يعود للبلاد، «بما في ذلك الاستدعاء إلى مراكز الشرطة والتحقيق معهم فيما نسب إليهم في تقارير الاستخبارات من تهم أو ما ذكر عنهم في تحقيقات سابقة من اعترافات انتزعت تحت التعذيب».

وكانت الجالية الجزائرية في البوسنة قد تضررت كثيرا من موجات العنف التي عرفتها بلادهم في التسعينات ومن أحداث العنف التي اجتاحت العالم بعد هجمات 11 سبتمبر، حيث تم نقل ستة جزائريين من البوسنة إلى غوانتانامو بعد توجيه اتهامات لهم بتهديد السفارتين الاميركية والبريطانية، وهي تهم لم يثبتها القضاء البوسني بل أمر بإطلاق سراحهم، لكن بدون جدوى.

ويشكو الكثير من الجزائريين الذين تعرضوا لمحاكمات سواء داخل البوسنة أو فرنسا أو غيرهما من أوضاع اقتصادية صعبة للغاية، لا سيما أن لديهم زوجات وأطفالا انتظروهم وعانوا كثيرا بينما كانوا وراء القضبان.

كما يشكو الكثير من العرب الحاصلين على الجنسية البوسنية، والمقيمين فيها، من الظروف الصعبة التي يعيشونها، بعد أن فقدوا وظائفهم في المؤسسات الخيرية، التي أغلقت أبوابها، أو قلصت أعمالها بنسبة تزيد عن 90 في المائة. وقد اضطر الكثير منهم للعمل في الأسواق الشعبية، والبيع على الأرصفة، أو أمام المساجد، واضعين على طاولات من الخشب أو الحديد بعض الملابس أو الأمتعة زهيدة الثمن لكسب القوت اليومي.

إلا أن تلك التجارة لا تدر سوى الحد الأدنى من متطلبات الحياة، مع ارتفاع الاسعار في البوسنة بشكل جنوني، حيث أن أغلب ما هو موجود من مواد غذائية وغيرها مستورد من الخارج. وقال ف. د، وهو متزوج وله أربعة أطفال: «لا أحصل سوى على ستة ماركات (ثلاثة يورو تقريبا) في اليوم». وتابع قائلاً: «كنت أملك سيارتين؛ إحداهما جيب لاند كروزر وكنت أتدخل لحل مشاكل البعض ماديا، وأتوسط لهم للحصول على عمل، لكنني أجد نفسي الآن شبه عاطل عن العمل».

من جانبه، قال الدكتور موسى فتح مدير شركة «سنابل» للتصدير والاستيراد في سراييفو: «ان أوضاع الكثير من العرب في البوسنة صعبة للغاية، ويجدون صعوبة في الحصول على عمل، وتتخوف الشركات من تشغيلهم». وتابع: «حتى المؤسسات والشركات العربية تتخوف من توظيفهم لديها بسبب الاوضاع الأمنية السائدة في العالم». وكان الدكتور موسى، وهو من أصل سوري، قد دعا الميسورين من أبناء الجالية من أطباء وغيرهم لتقديم يد المساعدة لأبناء الجالية المعوزين.

وينطبق هذا الوضع على الجالية السودانية في البوسنة، فرغم أن الجالية السودانية من أكثر الجاليات العربية في البوسنة تلاحما بين أفرادها، إلا أن الكثير منهم يشكو مما وصفه بعضهم بـ«تنكر الدهر لهم بعد بحبوحة من العيش لم تستمر طويلا في ظل الهيئات الإغاثية العربية التي لم تعد موجودة الآن». ويقوم أعضاء الجالية السودانية بالمساهمة بما قيمته 2.5 يورو كاشتراك شهري يصرف على أعمال الجالية ومساعدة المحتاجين منهم، إلا أن ذلك لا يكفي لسد الحاجيات الضرورية، لا سيما أن غالبية السودانيين متزوجون سواء في البوسنة أو السودان.

ويعد حال التونسيين الاكثر إيلاما بين مختلف أبناء الجاليات العربية، حيث لا توجد أي روابط قوية تجمعهم، فعلاقاتهم مع بعضهم بعضا سطحية، وتتسم بالتوجس الأمني، والبحث عن الخلاص الفردي، وأوضاعهم الاجتماعية في أدنى السلم. ورغم حملهم لشهادات من جامعات تونسية وغيرها، فإن كثيرا منهم يعيش بطالة مقنعة. ويقوم بعضهم بتقديم دروس خصوصية لبعض أبناء الجالية العربية مقابل أجر زهيد، أو الانخراط في تجارة الأرصفة.

وحاول بعضهم استخدام مهاراته في المعلوماتية، إلا أن عقبة التمويل حالت دون تحقيق رغباتهم. كما يجدون عنتا في الحصول على جوازات سفر من بلدهم الأصلي، وهناك من ينتظر منذ عدة أشهر الحصول على جواز سفر جديد. وكلما اتصل بالسفارة التونسية ببلغراد، كان الرد أن جوازه لم يأت بعد، بل أن السفارة التونسية ببلغراد استغربت ذلك، لأن هناك تونسيين يعيشون في رومانيا حصلوا على جوازات سفر في وقت قياسي مقارنة بمواطنيهم في البوسنة.