سكان قرية غازي كنعان لا يصدقون انتحاره ويعتبرونه شخصا أسطوريا

TT

في هذه القرية ذات المناظر الجميلة، حيث تمتد أشجار الصنوبر والنخل فوق هضابها المتدرجة، كان جثمان وزير الداخلية اللواء غازي كنعان داخل تابوت مغطى بالعلم السوري، وإلى جانبيه وضعت نسختان من القرآن الكريم في غلافين جلديين عند كل زاوية. وإذا كان موته أمرا محققا يوم 12 أكتوبر (تشرين الاول) الماضي, فإن الظروف المحيطة بإزالة واحد من أقوى شخصيات السلطة في سورية غير واضحة حتى الآن.

قال المسؤولون إن موته يعود إلى انتحاره، لكن قريبه مازن كنعان ابتسم لتلك الفكرة. وقال «إنه رجل مواجهة. الانتحار هو هروب. إنه ليس من الأشخاص الذين يهربون من شيء ما». وحينما سئل: إذن كيف كانت الوفاة؟ أجاب قريب غازي كنعان «هذا متروك لك كي تقدر».

وأثار وقت موت كنعان الشكوك أيضا. فهو في الفترة الأخيرة تم استجوابه ضمن تحقيق الامم المتحدة التي أشارت إلى تورط مسؤولين كبار في اغتيال رئيس الحكومة اللبناني الأسبق رفيق الحريري.

كان لكنعان، 63 سنة، وجوه كثيرة، فهو ضابط قوي كوّن نفسه بنفسه، وسياسي قاس ومنافس محتمل للسلطة. وفي قريته بحمرة وفي المنطقة التي تتجاوزها كان شخصا آخر: كان شيخا اقطاعيا يعتني بأبناء طائفته ويعمل على كسب دعمهم ويدافع عن مصالحهم. وبالنسبة اليهم فإن موته أصبح أكثر من فقدان وجه قريب للأسطورة. وقال مازن كنعان، وهو يشرب فنجان قهوة مرة في فناء بيت غازي كنعان «لا أحد يستطيع أن يحل محله. ربما بعد ألف عام سيأتي شخص مثله. الناس بحاجة إلى مساعدة، لكن ليس هناك شخص، يستطيعون الذهاب إليه».

وفي القرى مثل بحمرة تمتد على جبال قريبة من ساحل البحر المتوسط، هناك قلق عميق من أن وقت الأزمات قد حان وأن الطائفة العلوية ستتحمل العبء الأكبر منها، خصوصا وانهم ظلوا يوفرون القيادة للحكومة والجيش وأجهزة الأمن المثيرة للخوف.

وحالة الاضطراب بين الناس هنا تأتي من الشعور بالضيق من حقيقة كون الدولة نفسها التي هم عمادها قد تخلت عنهم. فالجيش اصبح دوره اقل وبعض القرى تظل من دون ماء. وقال الكثيرون إن الحكومة ما عادت تدافع عن مصالحهم.

وقال الموظف الحكومي المتقاعد خرفان خازن أحمد، 61 سنة، «كأن الناس لا يعرفون أننا نعيش في البلد. كل شخص في السلطة يهتم بالمال لا بالشعب».

ومن بين الذين أبعدوا؛ بعض الوجوه القوية المنتمية إلى الطائفة العلوية مثل رئيسي المخابرات علي دوبا ومحمد الخولي على سبيل المثال. وكان كنعان رجل سورية القوي في لبنان لأكثر من عقدين ثم وزير الداخلية لاحقا، وهو واحد من أكثر الوجوه بروزا. وصورته في سورية هي أنه رجل مخابرات قوي ويبعث على الخوف، أما في قريته بحمرة فهو شخص معروف بروح الإحسان.

وقال البقال شعلان اسعد، 51 سنة، المعلم السابق في محله الواقع بقرية جوبة برغال عن كنعان «هو خدم الناس وكان يفعل ما يقوله. وكان حلقة بين الناس والحكومة ومسؤوليها».

خلال سبعينات القرن الماضي وبعد أن وصل الأب الأسد إلى السلطة وصلت الكهرباء أخيرا لقريته. وعبّد الشارع الرئيسي. والمدارس فتحت خلال الثمانينات، وفي المدينة هناك ناد رياضي ومركز اجتماعي، والآن تم إغلاقهما بسبب نقص الكوادر فيهما. والناس ما زالوا ينتظرون قدوم مياه الشفة.

وقال أسعد «نحن حقا بحاجة إلى المزيد. والأشياء تأتي ببطء شديد. أليس بإمكانهم أن يقوموا بمشروعين أو ثلاثة في آن واحد».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)